بظر سليم
cover-issue-6-2.jpg
هذه هي قصة بظري السّليم. قصّة هروبي من أمّ وعمّة وطبيب أسرة جزّارين. قصّة سعيي إلى المتعة وشعوري بها بلا هوادة. عن استخراجي المتعة من نفسي في عمر الخمس سنوات؛ وعن كوني إحدى النّاجيات من جهود الأبويّة التّي تحاول قطعنا، ولكن ليس من السّكين. هذه قصّة ختان كان على وشك الحدوث والارتباك الذي أحاط بنجاتي. هذا النّص قصة في جزء، ورسالة في آخر، لأنّ العنف لا يحدث أبدا في عزلة؛ بل هو جدليّة. وأنا أوجد وأبقى على قيد الحياة مع بعض الندوب وأفقد أخرى بسبب كلّ علاقاتي. أنا الابنة الوحيدة وأصغر الأطفال، أوّل المولودين في الولايات المتحدة. حين ولدت بعد ثماني سنوات من أخي، دعيت التعزيزات من الهند. صرخت صرختي الأولى مع رأس كامل من الشعر السميك الأسود في تشرين الأول/أكتوبر وبحلول تشرين الثاني/نوفمبر، انتقلت إلينا دادي وجيجي1.
لقد نشأت في أسرة مكوّنة من ثلاث أمهات. أب أصرّ على أن يظلّ شعري يتأرجح تحت خصري. أخ أكبر سنّا لم أشاركه في المدرسة وتبعته إلى أن انتقل من المنزل. ومع ذلك، رغم كلّ تلك العيون، فإنّها لم تستطع حمايتي. كان عمر الخامسة هي المرة الأولى حين تنمّر صبي أبيض-كان سيصبح رجلا قريبا، على جسدي واحترامي لذاتي. حاولت أن أتكلّم عن الألم ولكن عائلتي من العيون لم تكن قد نمت لها آذان بارعة بما فيه الكفاية لسماعي. لم أتمكّن من الافصاح عن سلسلة الاتهامات سوى حين دخولي إلى الجامعة، فأرسلوني إلى طبيب نفسيّ. قناة بي بي سي و الرّاديو الوطني العامّ يقولان لي أنّ الـ”ختنة” تُقام من سنّ الـ6 إلى الـ8. وأتساءل، لو كانوا قد عرفوا، هل كانوا قد تعهدوا بالدفاع عنّي من رغبات الآخرين ووجّهوا ذنبهم إلى قطع ما سعوا نحوه؟ هل ستظلّ أجسادنا الملامة دائما على استهتار الرّجال المهمل والمتهوّر؟
ومن هنا يأتي تيّار الأسئلة اللّا منتهي. هل كان والدي، حليفتي وصديقي الأفضل، هو الذّي نزع المشرط من أيديهم؟ هل أمّن لي بظري السّليم الذّي لم يقطع مقعدا آمنا حول طاولة المطبخ كإبن فخريّ، واحد بإمكانه الحديث عن السياسة والشعر، وتقاسم اشتراكي في الإيكونوميست بحماسة والتهام كلّ كتب خليل جبران التّي أعارني إيّاها؟ هل جعلني استبعاد النساء في عائلتي، الذّي شاركت فيه، عاملا في السّلطة الأبوية؟ هل ساعدت على إقامة “باردا” بين السّليم والمكسور؟ هل استمتعت بكوني استثناء؟
أم أنّه مجرّد خطأ لوجستيّ أنقذني، كدوّار المهاجرين الجدد الذين يحاولون إيجاد أرض؟ هل كان ذلك لأنّ أمي كانت تعمل أكثر من أربعين ساعة في الأسبوع وتأخذ دروسا ليليّة، فلم تجد لحظة لجدولة القطع؟ هل كان ذلك لأنّني ولدت مع مزاج والدي، نوبات الغضب، ولم يكن لديهم ما يكفي من الناس لتقييدي؟ هل كان ذلك لعلمهم أنّ المطاف سينتهي بي مع رجل مغاير الجندر، فلا تسنح لي فرصة النّيل من عرضهم بالحمل قبل الزواج؟ كل ما لدي هو التكهنات، التخمينات، وأسباب مختلقة أتت بي إلى هنا. مع البظر الذّي ولدت به. أمارس الجنس دون ألم وأتساءل كيف ومتى أصبح ذلك ترفا.
أسئلتي الأكبر هي لكلّ النساء النّاجيات، تلك التّي لم أطرحها حتى الآن لأنّني لم أكن أعرف أنّ هذه الممارسة موجودة. كنت في الثلاثينيات من العمر حين اكتشفت وجود “الختنة” في مجتمع الداودي بوهرا،2 على الرغم من أنني لم أكن بحاجة إلى المزيد من الوقود لاستيائي تجاه القيادة الدينية. عندما أقرأ الآن في مقابلات إعلامية أن الختنة “شائعة،” أريد الجمع بين والاستيلاء على جميع النّساء اللّواتي ربّينني، عجائز وأجدادا، اللّواتي أعلنّ أنّني سوف أرث هذه البسمة، هذه الهديّة، كلّ اللّواتي لم اجتمع بهنّ ولكن خصوصا أمّي. والأخوات اللواتي كبرن معي، وورثن أيضا السرية، تماما كما فعلت. السرية تنسج بحزم في جيناتنا إلى درجة أنّ علينا إنعاش حبالنا الصوتية إن أردنا أن نهمس بالحقيقة. حتّى وأنا أكتب هذا، أفكّر في كم قيل لي أن أحافظ على الأشياء وأتركها داخلي، ومع كلّ جملة أكتبها، أخشى أنّني أخون عائلتي. ولكن من الأسوأ أن أخون ما يمكنه أن يشفيني – صوتي. النّساء بارعات في الحفاظ على الأسرار، خصوصا من بعضهنّ البعض.
أيّتها الأمّهات، هل وجدتنّ قليلا من المتعة عندما كنتنّ تضاجعن رجالكنّ لتحملن بنا، أو هل صليّتنّ أن يكون الأمر سريعا؟ أيّتها الأخوات، هل تصبح متابعة أوامر أمهاتنا في ربط وشدّ ساقينا أسهل، في أملنا الأحمق أنّ الجرح سوف يغلق يوما ما؟ هل ترغبن في إغلاقه وعدم وجوده على الإطلاق؟ هل يصبح كل جزء آخر من جسدكنّ خدرا لحمايتكنّ من الإصابة التي نرثها رغما عنّا؟ هل تفادينا جميع الأخطار الآن، بعد القطع؟ هل أصبحت المرأة التي قامت بربطكنّ في غرفة معيشتها ولبس قفازات وتجهيز الشّاش، طبيبة الأطفال الخاصّة بكنّ؟ هل أنتنّ مجبرات على تسميتها “خالة”؟ هل حفظتنّ الآن من الخطيئة والنّقد أم أنّهما سيجدان المزيد من الطرق لمراقبتكنّ وتوجيه التّهم؟ هل هذا هو العقاب النهائي أو الأوّل؟ هل تسألن أنفسكنّ عندما تصرخن في عنق أمّكنّ وتُحملن إلى السيارة، إذا كان هذا نتيجة سرقتكنّ طلاء الأظافر من متجر” كليرز” أو رفضكنّ إنهاء حفظ القرآن مع دادي؟ في الأسبوع المقبل في المدرسة، هل تتساءلن عمّا إذا كان أيّ شخص يشعر بعذاب الفقدان آتيا منكنّ، بجزء منكنّ لم تعرفنه تماما في عداد المفقودين؟ هل تنظرن إليه أخيرا في عمر الـ 25 وتتحدّثن عنه في الـ 27 مع أخوات السّكين؟ هل تنتهي الأسئلة وهل يقدّم أيّ من الشّهود على الجريمة ضدّكنّ إجابات لتخفيف التّورم؟ كيف قوّى لكنّ هذا التعدي مهمّة وسعادة إنشاء بناتكنّ؟ وهل يصبح الغفران أسهل يوما ما؟
لم أستطع أن أقول قصة عائلتي المحبة والمستنيرة بشكل استثنائي، لأن جميع الأسر تحب وجميع الأسر تؤذي. أحب عائلتي وبإمكان هذا الحب أن يوجد في التّعقيد، في خيبة الأمل، في الخيانات الصغيرة والكبيرة، في أيمنة الولاء التّي تحشر الحقيقة في صناديق الطفولة. على الرغم من أنهم اختاروا عدم نقل هذا التقليد إلى ابنتهم الوحيدة، الحفيدة الوحيدة، اختاروا البقاء في المجتمع الذي يرتكب ويُثبّت العنف الكاره للنّساء. بإمكاني أنّ أسمهم بالخطأ، ولكن ما هو الخيار الذّي أعطاهم إيّاه التفوق الأبيض: أن يُنبذوا في كل اتجاه؟ نحن جميعا نحتاج أن ننتمي إلى بعض الأماكن، بعد السفر عبر القارات مع بثور ودوّار، فنحن نستقرّ في صحبة غير مثاليّة.
وهناك خاتمة إلزامية يجب أن تتبع. من المحزن أنّني لا أستطيع نقد مجتمع بوهرا، مجتمعي المسلم، في سلام. دون الخوف من أن وسائل الإعلام الغربية المفترسة والمتفرّجين الإمبرياليّين قد يأخذون عيّنة صوتيّة لتعزيز قضيتهم ضدّ مستعمراتهم السّابقة/الحاليّة، والعالم الثالث، والإسلام. وأجد من المؤسف أنّ د. ناجروالا،3 التّي كانت كتلة في حجم راشد من الأبويّة وكره النّساء العميقين والذّين بإمكانهما أن يستمرّا في الوجود مع سقوط عميل واحد، ستكون كبش فداء. أنا غاضبة لأنّ الفتيات، ومعظمهم صغيرات، عالقات بين رجال البوهرا المتديّنين والمنقذين الغربيين الظّافرين، رغم أنّ لا أحد من هؤلاء قادر على رؤيتهم كإنسان، ككلّ.
أنا لا أعرف ما يبدو عليه الشفاء ولكنّي أعرف أنّه لا علاقة له بالطقوس المحروقة في جسدي حين أموت أو حيث أدفن. ربّما يبدأ الشفاء عندما ننتهي من الحكم وإلقاء اللوم على أنفسنا، وتحديد وقياس أنفسنا بما فيه الكفاية للسماح بسقوط المغرب في حريق من الأرجوان والهلال وللسّماح للياسمين بملء شقوق ذاكرتنا. ربما يبدأ الشفاء مع الجيل القادم. أو ربّما يبدأ مع هذا النّفس التّالي.