بيروت مدينتي وتغييب السياسة عن العمل السياسي

السيرة: 

صحافي وكاتب مهتم بالصحة النفسيّة، الحركات الإجتماعية، والسياسة الكويرية. يتابع الماجيستير في الإعلام في الجامعة اللبنانيّ. متأثر بفوكو وسوزان سونتاغ.

اقتباس: 
جوزيف سلوم. "بيروت مدينتي وتغييب السياسة عن العمل السياسي ". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 5 عدد 3 (18 ديسمبر 2019): ص. 10-10. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 28 مارس 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/beirut-madinati.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.

speak_no_evil-page-001.jpg

كلارا شيدياق

 

الانتفاضة بوجه السلطة

شهران مضيا على الانتفاضة الشعبيّة التي بدأت في لبنان في ١٧ تشرين الأول من العام ٢٠١٩. فالنظام السياسي والإقتصادي اللبناني القائم على المحاصصة بين الطوائف، لم يعد قادرًا على الإستمرار. كثيرة هي الأسباب التي أطلقت هذه الإنتفاضة، ولا يمكن حصرها بضريبة التخابر عبر واتساب، القرار الذي أقرته حكومة تصريف الأعمال لسد عجز النظام المتراكم منذ ٣٠ عامًا. ففشل الدولة في التعامل مع الحرائق التي إندلعت في أكثر من ١٠٠ منطقة في لبنان في شهر تشرين الأول، والأزمة الإقتصادية التي بدأت تؤثر مباشرة على الكثير من اللبنانيين والتي تتمثل بتراجع القدرة الشرائية بسبب غلاء أسعار السلع، وسعر صرف الدولار (غير الرسمي) عند الصرافين، بالإضافة إلى النقص في العديد من المواد الأساسية كالخبز، والوقود والمستلزمات الطبية، وقرار الحكومة بفرض ضرائب جديدة، كان كفيلًا بإطلاق شرارة الإنتفاضة في ١٧ تشرين الأول.

نزل الناس إلى الساحات من شمال لبنان إلى جنوبه فبقاعه، تحت شعارات عديدة كان أبرزها "كلن يعني كلن" أي جميع الأحزاب في السلطة. خرج الناس إلى الشوارع للمطالبة بأبسط حقوقهم المعيشية؛ بعدم فرض ضرائب جديدة على الشعب، وإسقاط هذا النظام بكافة مكوناته، من الأحزاب إلى المصارف.

واجهت السلطة هذه الإنتفاضة بخطابات متعددة، وبورقة إصلاحيّة قدّمها رئيس الحكومة في حينها سعد الحريري والذي توجَّه بعدها إلى الإستقالة بضغط من الشعب. واجه الشارع الورقة الإصلاحية، التي قدمها مجلس الوزراء في 22 تشرين الأول 2019، أي بعد 5 أيام من بدء الإنتفاضة، بالرفض. بعد خطاب الورقة الإصلاحية، تأججت الإحتجاجات وعادت الناس لتقطع الطرقات مجددّا، تعبيرًا عن رفضهم لأي كلام إصلاحي يخرج من الطبقة السياسيّة نفسها بحجّة عدم الثقة، نظرا لكونها كرّست وجودها الطائفي والزبائنيّ في الطائف، أي منذ ٣٠ عامًا، ولم تعد تقنع الثوار بأي طرح إصلاحيّ مهما كان، علمًا أن الطروحات الإصلاحيّة بعيدة كل البعد عن مطالب الانتفاضة. ففي جولة على التغطيات الإعلامية المباشرة بعد إستقالة الحريري، عبر الكثير من الناس في الشوارع والساحات عن غضبهم ورفضهم لهذه الورقة الإصلاحية، وتشديدهم على شعاراتهم. وقد إنتشر شعار "لا ثقة" بشكل كبير في كل الساحات.

 طلبت السلطة من المنتفضين/ات إختيار ممثلين/ات عنهم للمفاوضة على مطالبهم، ما جاء في خطاب رئيس الجمهوريّة ميشال عون في ٢٤ تشرين الأول، وذلك كان الخطاب الأول له بعد بدء الإنتفاضة. فالرئيس الذي عُيّن بتسوية في ٣١ تشرين الأول من العام ٢٠١٦، وهو صاحب أكبر كتلة نيابية (28 نائب/ة) وتحالفات مع كتل نيابية أخرى، طلب من الشعب مساعدته في مكافحة الفساد، وشدّد على الورقة الإصلاحية التي قدّمها رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، وتوجه للمنتفضين قائلًا: "أنا حاضر لألتقي ممثلين عنكم، يحملون هواجسكم ونسمع ما هي مطالبكم تحديدًا وتسمعون أنتم منا عن مخاوفنا من الإنهيار الإقتصادي، وما يجب أن نفعله سويًا حتى نحقق أهدافكم من دون أن نسبب الإنهيار والفوضى ونفتح حوار بناء". أثنى نصرالله بدوره على أهمية الورقة الإصلاحية، وعلى إختيار ممثلين للحراك ليزوروا رئيس الجمهورية مع ورقة بمطالبهم، ومن جهة أخرى إنهال تهذيبًا وتأديبًا على المتظاهرين مشيرًا إلى الشتائم التي تخرج من الشارع، متهمًا المنتفضين بأنهم يعرقلون الوضع في لبنان بقطعهم للطرقات وبتحميلهم مسؤولية ما ستؤول له الأوضاع الإقتصادية، ومتهمًا المتظاهرين بأنهم يتلقّون أموالّا من سفارات أجنبية لا تريد مصلحة لبنان. وكان لإعلام السلطة في هذا السياق دورا كبيرا في الترويج للسيناريوهات السطحيّة التي تحرّض على الإنتفاضة، وتتهمها بالتمويل.

لم تقتصر مناهضة الإنتفاضة على الخطابات، فإستخدمت السلطة أجهزتها الأمنية وميليشياتها للإعتداء على المتظاهرين وتخويفهم واعتقالهم، وقد شهدت هذه الفترة الكثير من اعتقالات قامت بها القوى الأمنية ومخابرات الجيش. ففي العديد من المناطق كصور والشوف وبيروت، خرجت ميليشيات الأحزاب لتهديد المتظاهرين، وتحطيم خيمهم أو حرقها على مرأى من القوى الأمنية، وفي الحالات الأخرى كان الجيش يفتح الطرقات بالقوى معتديًا على المتظاهرين الذي يقطعون الطرق بطريقة سلمية.

تخلل ذلك محاولات من بعض الأحزاب في السلطة "بالإنضمام" إلى الإنتفاضة كحزب القوات اللبنانيّة والكتائب، وهي أحزاب يمينية شاركت في الحرب الأهلية، والتي أعلنت عن أهمية المطالب التي ينادي بها المنتفضين وشجّعتها وقدّمت نفسها على أنها جزء منها، الأمر الذي استخدمه حزب الله وتكتّل لبنان القويّ وباقي القوى السياسيّة على أنها دليل للتجييش ضد الإنتفاضة، علمًا أن الأحزاب جميعها، اجتمعت في الحكومات المتعاقبة وشرعت القوانين والسياسات التي تخدم مصالح زعماءها الإقتصادية والسياسية.

في ظل هذه الخطابات والدعوات للحوار مع السلطة، طغى على ساحات الإعتصامات على امتداد لبنان شعار "الشعب يطالب ولا يفاوض" مع التشديد على شعار "كلن يعني كلن" الذي أخذ منحى كبيرا من خطاب الشارع، والذي يرفض السلطة بكافة مكوناتها، شملا لتلك التي تحاول التسلّق على الثورة. فقد قصد المتظاهرون/ات منازل النواب والوزراء للإعتصام، كما الإدارات العامة ومصلحة الـTVA والوزارات للتعبير عن رفضهم للضرائب والفساد المستشري في الوزارات. تحرّك المتظاهرون أيضًا بوجه المصارف للتعبير عن رفضهم للسياسات الإقتصادية التي إتبعها مصرف لبنان والتي تحمي الطبقة الأوليغارشية الحاكمة، ولرفض القيود التي تضعها المصارف التجارية، والتي هي جزء من هذه المنظومة الإقتصادية، على أموال العمال وصغار المودعين بتحديد سقف للسحوبات على الحسابات الجارية وحجز أموال الشعب. وبالتالي فإن طرح المفاوضة واختيار قيادات من الإنتفاضة هي طريقة ممنهجة من السلطة لإحباط الإنتفاضة، وهو طرح سطحي لإعتباره أن إنتفاضة شعبية ستخرج بتنظيم سياسي في الأسابيع الأولى منها.

 

مدني أو عسكري؟

وبالحديث عن الشارع، نشطت في الإنتفاضة الشعبيّة مجموعات عديدة من "المجتمع المدني"،1 المصطلح الذي طغى بشدة خلال "الحراك المدني" عام ٢٠١٥ لمواجهة أزمة النفايات، والذي يعني كل الأحزاب والتجمعات السياسية التي لم تخض الحرب الاهلية (١٩٧٥-١٩٩٠) وتنظمت في فترة ما بعد الحرب من خلال الجمعيات غير الحكومية لا من خلال الانتساب إلى الأحزاب الطائفيّة. استغلّت العديد من التجمّعات والأحزاب الجديدة، حزب سبعة على سبيل المثال لا الحصر، هذا المصطلح خلال الإنتخابات النيابية عام ٢٠١٨، لتبرز على أنها لوائح تمثّل المعارضة. ولعل أبرز هذه المجموعات مجموعة "لحقّي" والتي لها شعبيّة في الشوف-عاليه، "مواطنون ومواطنات في دولة" والتي يترأسها الوزير السابق شربل نحاس، و"لبلدي" التي تمثّل إلى حد كبير مجموعة بيروت مدينتي التي خاضت معركة الإنتخابات البلدية في العام ٢٠١٦ بوجه لوائح السلطة.

عاد نقاش "بيروت مدينتي" كمجموعة "فاعلة" في المشهد السياسي بعدما زار وفد من الجمعية برئاسة وليد علمي قائد الجيش الإثنين في ١٨ تشرين الثاني للتفاوض مع "المؤسسة العسكرية" بشأن استعمال العنف ضد المنتفضين\ات. من الجدير بالذّكر أن الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة كانت قد استخدمت العنف المفرط منذ الأيام الأولى للانتفاضة لفتح الطرقات أو لتفريق المنتفضين، وقد اعتقلت مخابرات الجيش والقوى الأمنيّة العديد من الثوار الذين تم إخفائهم ليوم كامل خلافًا للقانون الذي يعطي الحق للموقوف\ة بالإتصال بمحامٍ أو بعائلته\ا فور توقيفه\ا، كما وتعرّض العديد منهم للتعذيب في أقبية التحقيق. الزيارة التي كانت لتكون سريّة، لولا الحملة التي طلبت من "بيروت مدينتي" توضيح هدف زيارتها للمؤسسة العسكرية والتي جاءت ببيان أول تبريري للزيارة، تم حذفه عن حسابهم على تويتر بعد بيان الإعتذار الثاني، والذي يشدد على الهدف التفاوضي للزيارة مشيرًا إلى أن "مؤسسة الجيش هي مؤسسة الشعب". ثم أتى بيان الإعتذار الثاني ليقول أن الزيارة تمت "بمبادرة فردية" وأن الفاعل، أي علمي ومن رافقه، سيخضعون للمحاسبة، مشّددا على مبدأ "الشعب يطالب ولا يفاوض" ومشيرين إلى أنهم لا يطمحون للمشاركة بأي حقيبة حكوميّة.

إن في هذه الزيارة والبيانات التي تلتها إشكاليات عديدة تعود إلى نشوء مجموعة كبيروت مدينتي ونشاطها في الشأن العام. ولعل الإشكالية الأولى، والتي تضع المجموعة في المساءلة، هي أنها لم تخرج ببيان الإعتذار الثاني، لولا الضغط الذي تعرّضت له لتوضيح زيارتها والبيان الأول، وأنها بالتالي إعتذرت تحت ضغط من الشارع نفسه الذي رفض أي مفاوضة مع السلطة. ففي البيانين تناقض واضح، فالمجموعة التي بررت في بيانها الأول الزيارة، اعتذرت عنها بحجّة أنها "مبادرة فرديّة تمت من خارج قنوات إتخاذ القرار"، علمًا أن صورة اللقاء، حذفت عن موقع الجيش اللبناني بعد صدور بيان الإعتذار.

مهما كان هدف الزيارة التي قامت بها "بيروت مدينتي" لقائد الجيش، فإن البيانين المتناقضين، يدلان على خلل واضح في خطاب المجموعة، فإذا كانت الزيارة فعلًا "فعلا فرديّا" قام به عنصر غير منضبط، وأن الجمعية وجدت نفسها مرغمة على تبرير خطئه، فهذا لا ينفي أن خطابها خالٍ من أي موقف سياسي. وإذا ما أرادت المجموعة محاسبة هذا العنصر غير المنضبط، فمن حق الشارع معرفة تفاصيل محاسبته، عملًا بمبدأ الشفافية التي تنادي به الجمعية.

وهنا تكمن الإشكالية الثانية، وهي في فراغ خطاب هذه المجموعة من أي موقف سياسي واضح في ضوء الأزمة التي يمر بها لبنان ومطالب المنتفضين في الساحات، كموضوع السياسات الإقتصادية والضرائب التي تمس العمال والفقراء بشكل كبير، والعديد من المطالب الأخرى كفرص العمل، والطبابة والتعليم المجّانيين. ليس من المتوقع أن تخرج المجموعة بخطاب طبقي، ولكن غياب موقف حازم من مطالب شعبيّة ليس سوى تماهي مع السلطة وليس معارضة لها. وغياب الخطاب السياسي هذا، يأخذ مكانه خطاب "حقوقي" مدني يحتكم للقانون الذي يحمي هذه الطبقة السياسية بدل المطالبة بتغيير جذري في النظام السياسي والإقتصادي الفاعلين، والذي يندرج أيضًا في خانة المطالب الشعبيّة للمنتفضين\ات.

وهنا يمكننا العودة إلى نشوء المجموعة، وطروحها الإصلاحوية الإنمائية، بدءً من الإنتخابات البلدية، حيث أنها إكتفت بطروحات تنموية وإصلاحية للمدينة وحق الجميع بالعيش فيها، وبورقة سياسية وبرنامج إنتخابي يشبه إقتراحات لمشروع إنمائي، دون الغوص بالطريقة التي ستطبق فيها هذه المشاريع وضمن أي فلسفة إقتصادية. فالمجموعة النيوليبرالية المدنية التي واجهت قوى السلطة الطائفية في الانتخابات البلدية، تحت عناوين إصلاحية تحولّت إلى جمعية مدنية، وبالتالي فإنها كرّست الفصل بين ما هو شعبي وما هو مدني، مقدّمة نفسها على أنها مجموعة متخصصين بارعين في مجال تخصصهم، ما يميّزهم عن أي طرح أو مطلب شعبي آخر. هذا الخطاب المدني لا ينحصر ببيروت مدينتي فحسب بل بكل المنظمات غير الحكومية التي تتعاطى في القضايا السياسية، كالجمعيات المتعلّقة بحقوق المرأة وحقوق مجتمع الميم، والتي يتفق خطابها مع أجندات الممولين ومصادر التمويل. هذه الجمعيات التي أسقطت الطابع السياسي عن أي قضية لصالح الزبائنية القائمة على منطقة الخدمات والتنمية والمناصرة من أجل حقوق الأفراد.

هذا الغياب في الخطاب السياسي كان ملموسًا في الانتخابات النيابية في العام ٢٠١٨، حيث تمثّلت بيروت مدينتي إلى حد كبير بلائحة "لبلدي" ضمن تحالف "كلنا وطني". فبحسب مجموعة مستعدين،2 التي نشأت خلال الفترة السابقة للإنتخابات النيابية، والتي أجرت تقييم للمشرحين على لوائح المجتمع المدني ومنهم مرشحي كلنا وطني، فقد غاب عن تحالف "كلنا وطني" البرنامج الموحّد بحيث إكتفت المجموعات المتحالفة بأصغر القواسم المشتركة. فقد كان للتحالف تناقضات كثيرة أبرزها العمل مع مجموعة "صح" بقيادة زياد عبس، الذي لم يتخلّى عن الرواسب العنصرية والطائفية للتيار الوطني الحر، أو التحالف مع حزب "سبعة"، والذي هو تجمع لرجال أعمال، صرف أموال انتخابية خلال الانتخابات النيابية كأحزاب السلطة.

الكثير من هذه المجموعات، ومنها مجموعة زياد عبس، وبيروت مدينتي، وحزب سبعة، تشارك في الانتفاضة الشعبية كجزء من "المعارضة الشعبية" التي خرجت إلى الساحات في ١٧ تشرين الأول، وهي بالتالي تخضع لمحاسبة الشارع مثلها مثل أي جمعية مجتمع مدني أو حزب ينشط الآن في ساحات الانتفاضة. ومن هذا المنطلق، فإن زيارة بيروت مدينتي لقائد الجيش، مهما كانت تبريراتها، تعني غياب أي رؤية سياسية في ديناميكية المجموعة وخطابها، وطرحها، وآلية اتخاذ القرار فيها، إذ أن المجموعة بأفرادها المتخصصين، اعتمدت هذه المقاربة في كافة مراحلها، أي تغييب السياسة عن العمل السياسي.

 

ملاحظات ختامية

أثبتت بيروت مدينتي وغيرها من الجمعيات غير الحكومية، من خلال ممارساتها، قطعية واضحة مع ما هو سياسي، وألبسوا المعارضة السياسية للنظام ثوب "المجتمع المدني" حيث أن التوصيف طغى في الحديث عن المنتفضين، على قاعدة "المجتمع المدني" بوجه السلطة، خصوصًا أن هذا "المجتمع المدني" استغل تحركات عام ٢٠١٥ ليستمد شرعيته كقوة معارضة للسلطة بخطاب إصلاحي غير راديكالي. وبالتالي فإن إصرار هذه المجموعات على هذا الخطاب المدني-الإصلاحي، في ظل إنتفاضة شعبية تسم بخطاب راديكالي واضح يطالب بإسقاط النظام الراهن، سيحول بتحجيم هذه المجموعات، التي يغيب عنها أي خطاب سياسي واضح، على عكس الشارع الذي يتبلور فيه يوميًا خطاب سياسي يخرج من الإنتفاضة ومطالبها الشعبية.

فالشارع الآن يحتاج إلى مجموعات وتنظيمات سياسية لها مطالب وأهداف سياسية واضحة، ما نراه من خلال نشوء تجمعات للعاملين في قطاعات معينة، كنقابة الصحافة البديلة وتجمع العاملات/ين في المنظمات غير الحكومية على سبيل المثال لا الحصر. هذه التجمعات والتنظيمات من شانها أن تشمل الكثير من المنتفضين تحت مطالب موحدة وواضحة. الشارع يحتاج أيضًا إلى التنظّم حول مبادرات مجتمعية وتعاونية من شأنها تقديم نموذج اقتصادي بديل مبني على التشاركية، كـ"حركة حبق" وهو مشروع زراعي تجريبي جديد هدفه خلق بدائل إقتصادية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان.

إذا، إن الانتفاضة الشعبية تحضر الأرضية لقيام تنظيمات سياسية تحت أهداف ومطالب سياسية واضحة. فالشعب اليوم يطلب موقفا سياسيّا حازما وصارما من القضايا التي تمس به، بحياته اليومية ومعيشته، وبالتالي فإن أي خطاب لا يتخلله موقف واضح من هذه القضايا، وكيفية مناهضة هذا النظام ومحاربته، فهو خطاب فارغ المضمون، وليس له أي مكان في الخطاب السياسي الشعبي للانتفاضة.

 


  

 

  • 1. جمانة تلحوق، الانتخابات النيابية، المجتمع المدني، والعوائق التي تمنع التغيير السياسي. مجلة كحل، مجلد 4، عدد 1 | صيف 2017
  • 2. https://mist3ideen.com/statement/
ملحوظات: