رثاء سارة حجازي
ننعي، نحن فريق مجلة كحل موت سارة حجازي، ولكننا نحتفل أيضًا، كما هو حال كثيرون/ات حول العالم، بحياتها الحافلة بالنضال النسوي والشيوعي واليساري والمعادي للطبقية والمناهض للرأسمالية. يرتبط عمل كحل في أرشفة وإنتاج المعرفة النسوية بشكل وثيق بعمل الناشطات في المنطقة، وبالمعارك والصراعات التي خاضتها سارة. بعد رفعها ل"علم الفخر" في حفل "مشروع ليلى" في مصر، تعرضت سارة لمضايقات في المجالات العامة ومن قبل الدولة البوليسية القمعية التي عمدت إلى سجنها والتحرش بها وتعذيبها. لم يبق أمامها سوى المنفى، فرحلت إلى كندا. هناك، اعتلّت صحة النفسية بشكل حاد جرّاء الصدمة النفسية التي تعرضت لها، وقررت في النهاية أن تنتحر لأن العالم، على حدّ تعبيرها كان "قاسيًا بشكل عظيم". لقد أساء لسارة نظام ديكتاتوري عنيف ومجتمع متجذر في الأذى، وقتلوها في نهاية المطاف. لذا، لا بد من تقدير سارة وتخليد ذكراها وتقدير من يشاركونها النضالات ذاتها.
تبدو وفاة سارة عنيفة وشخصية بشكل خاص، لأنه كان من الممكن أن تكون أي واحدة منّا. الكثير منا يرى نفسه وأصدقائه في صورتها. يذكرنا موتها بدنوّ الخطر، الذي ينساه بعضنا أحيانًا عندما يضللنا التفاؤل. هي ذاكرة منفانا الذي ينزع عنّا وهم الأمان، فيما تتبعنا الصدمة والبرد والخوف والاضطهاد. سارة هي ذاكرة المختبئون/ات من مصير ينتظرهم/ن في حال قرروا الخروج عن صمتهم/ن. حتى الذين لم يعرفوا سارة، يشعرون بقربها منهم/ن. ونرثيها جميعنا.
الحداد عملية غريبة. قد تكون كالفراغ والاختناق والغضب والضربة القاسمة. أنا شخصيًا لم أحزن على موتها بالطريقة التي كنت سأحزن فيها على صديق إلى أن وجدت نفسي غارقة في بحر من التعليقات العنيفة والبغيضة عنها. ثم أدركت أنه حتى عندما تقتلنا هذه الأنظمة، فإنها لن تتوقف عن مضايقتنا، نحن الذين نرفع القبضات والأعلام. أشعرتنا التعليقات هذه المرّة بوحشية غير مسبوقة، ليس لأنها تفاجؤنا ، ولكن لأنها أشعرتنا أنها تريد تجريدنا من إنسانيتنا حتى عندما نموت. مرة أخرى، كنا وجها لوجه مع عنف الدول البوليسية والمجتمعات التي تستهدفنا، نحن الكويرين/ات والنسويين/ات والشيوعيون/ات والثوريون/ات.
للحداد أيضًا أشكال متنوعة. بعد نبأ وفاتها، تجمع الكثيرون للتعبير عن الحزن، للاحتفال بحياتها ومعاركها، وللرثاء الجماعي. التقى كثيرون/ات في تجمعات مسائية وحملوا اللافتات والزهور، تحدثوا كثيرًا، وبكوا معًا. غير أن بعضًا آخر لم يقوى على الحزن ، لأسباب مختلفة، فظلّ وحيدًا/ة مع حزنه/ا، معزولًا، ومجهولًا.. نعيناها أمام نعش وسفارة، وحدنا في غرفنا، أو في مدونات.
كفريق كحل، نريد أن نشارك في الحزن والغضب والحداد لحياتها.
لسارة، ولجميع السارّات اللواتي تفوتنا أخبارهن.