نساء تقاوم السلطة: مقابلة مع غنى صالح، ثائرة من صيدا

السيرة: 

هدى حبيش. باحثة وكاتبة وصحفية لبنانية شابة. حاصلة على درجة الماجستير في الدراسات الإعلامية من الجامعة الأمريكية في بيروت. اهتماماتها البحثية هي الدراسات الإعلامية والعلوم السياسية والعمران والحركات الاجتماعية. ركزت في بحثها السابق على فهم توظيف الناشطين للإعلام والتواصل من أجل الدفاع عن الحق في الحيز العام في لبنان، مما سمح لها بالبحث في مفاهيم مثل منصات وسائل الإعلام البديلة والخطابات المضادة.

اقتباس: 
هدى حبيش. "نساء تقاوم السلطة: مقابلة مع غنى صالح، ثائرة من صيدا". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 5 عدد 3 (05 مارس 2020): ص. 9-9. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 22 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/A-Conversation-with-Ghina.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

فرح يوسف، نسوية من لبنان، أحد العضوات المؤسسات لـ"راديكال"، مجموعة نسوية تأسست في الجامعة اللبنانية وأهدافها العدالة الاجتماعية وتحرير النساء.

سمعت صوتها في الميكروفون لساعات متتالية بينما كنت أتجول في "ساحة إيليا" مع أشخاص لم ألتق بهم قط في صيدا، مدينتي الساحلية الصغيرة في جنوب لبنان، والمعروفة أيضًا باسم "بوابة الجنوب". هتف الناس لها وطلبوا منها أن تكرر هتافها الشهير "يا ثوار". استجابت لطلبهم وأشعلت الساحة بحماس المحتجين/ات وطاقتهم/ن الإيجابية.

كانت غنى صالح، ٢٦ عامًا، واحدة من أكثر الهاتفات المشهورات خلال الاحتجاجات التي اجتاحت "ساحة إيليا" منذ ثورة ١٧ أكتوبر. وهي، بالنسبة للكثيرين، "وجهاً من وجوه الثورة" في صيدا، الأمر الذي عزاه الكثيرون/ات إلى طاقتها الإيجابية، ثقتها بنفسها وإيمانها بقدرة المتظاهرين\ات على الصمود. شاركت غني باحتجاجات الثورة في الميدان بشكل يومي كمتظاهرة. وتخطت غنى في مشاركتها هذه قواعد اجتماعية و ادوار وصور تقليدية للمرأة في المجتمع، فعبرت عن مشاعرها المختلفة بحرية. في بعض الأحيان، رأيت غنى ترقص وتقفز فرحاً، وهي ذكرة تعيدني إلى اليوم الذي استقالت فيه حكومة الحريري. في أحيانٍ أخرى، سمعت بكاءها، كما حدث في الليلة التي تحدثت فيها عن استشهاد علاء أبو فخر.

قررت إجراء مقابلة مع غنى ومشاركة حديثنا عبر منصّةٍ عامة لأن تجارب النساء في ساحات الثورة لم تنل قسطاً كافياً وعادلاً من النقاش في المجال العام. إذ شابت هذه النقاشات عبارات وشعارات عامة وشعبوية مثل "الثورة أنثى". كما انتشرت خطابات "مشينة" بحق المرأة، كتغريدات الشيخ سامي خضرة، الذي "اعتذر" عن الطريقة التي احتجت بها النساء اللبنانيات. وبين هاذين الاتجاهين، ضاعت تجارب النساء الحقيقية، وخصوصاً تجارب النساء اللواتي اتخذن ادوار قيادية في الثورة خارج العاصمة بيروت، في مدينة صيدا مثلاً. لذا، بقيت الحاجة إلى إتاحة الفرصة للنساحة ليتحدث عن تجاربهن عبر منصات عامة بلغتهن الخاصة.

أجريت محادثة مع غنى في ٣٠ نوفمبر، بعد ٤٥ يوم من الثورة. كانت مصممة على مواصلة ما كانت تفعله، لكنها كانت قلقة بشأن مصير واقعنا الجماعي.

 

حدثيني عن نفسك. كم عمرك، وماذا تفعلين لكسب العيش؟

إسمي غنى صالح، وعمري ٢٦ سنة. تخرجت من جامعة "نوتردام اللويزة" مع شهادة في الهندسة المعمارية. بعد التخرج، لم أجد أي وظيفة في مجال اختصاصي، لذلك قررت استخدام مهاراتي في التصميم والتكنولوجيا بشكل مختلف. بدأت رحلة عملي المستقل في التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتخطيط لحفلات الزفاف، وشاركت في تأسيس عملي الخاص خلال فصل الصيف: شاحنة صغيرة لبيع المواد الغذائية تبيع العصائر الطازجة والعصائر المثلجة. يواجه المشروع حاليًا تحديات مالية.

 

أخبريني عن ليلة ١٧ أكتوبر. هل شاركت في المظاهرة الأولى التي خرجت في الشوارع في تلك الليلة، وإذا كان الجواب نعم، فما الذي دفعك إلى القيام بذلك؟

في ذلك اليوم، قبل ساعات قليلة من اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء لبنان، شعرت أنني أختنق جراء محادثاتي مع أصدقائي العاطلين/ات عن العمل حول خططهم/ن للهجرة وتدهور أعمالي. مع كل البؤس الذي نعيشه، نحن الشباب، شعرت أننا بحاجة إلى فعل شيء عوضاً عن الاكتفاء بالهجرة. لقد صدمت حقًا عندما رأيت الناس يخرجون إلى الشوارع في ١٧ أكتوبر في جميع أنحاء لبنان وخاصة في صيدا. شعرت وكأن أمنيتي قد تحققت. انضممت إلى الحشود بمجرد وصولي إلى صيدا بعد مناوبة عملي للمطالبة بحقوقنا الأساسية، وأهمها بالنسبة لي: إلغاء النظام الطائفي.

 

كيف تمكنت من الوصول إلى المنصة و الميكروفون؟

خلال الأيام الأولى للثورة، انضممت إلى الحشد كمحتجة عادية في ساحة إيليا. بعد بضعة أيام، كتبت هتافًا شعرت بضرورة مشاركته مع الجمهور. ذهبت إلى الخطوط الأمامية ووصلت إلى الميكروفون. حدث كل ذلك عن طريق الصدفة. أحب الناس أدائي وشعاراتي التي كانت ضد النظام المصرفي، ورددوها بحماس. ما قلته ربما أدخل خطابًا جديدًا إلى الساحة، فرحب الناس بسماع المزيد. ركزت شعاراتي الأخرى على المطالب والقضايا التي أعتبر أنها ضرورية وعاجلة، مثل التأمين للمسنين/ات، وحق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها إلى أطفالها. كنت حريصة على كتابة وتكرار الشعارات التي تصل إلى الجميع، لأن الساحة كانت غير متجانسة لناحيةالانتماءات السياسية والأيديولوجيات.

 

كيف تفاعل الناس من حولك، في الساحة، وفي محيطك الشخصي، مع الدور الذي لعبتِه في الساحة؟

عندما حملت الميكروفون للمرة الأولى وبدأت بالهتاف، لم أفكر باي شخص. بل ركزت بشكلٍ كلي على الرسالة التي أؤمن بها بشدة. أردت أن أقوم بالأداء بأفضل طريقة ممكنة، وحاولت أن أكون مبدعة لنشر المعلومات ورفع وعي الناس بطريقة تلائم الجمهور. كامرأة، جئت من بيئة معينة.1 ومع ذلك، شجعتني عائلتي لأنهم كانوا يؤمنون بالهدف والمبادئ التي دفعتني للمشاركة في الثورة بهذه الطريقة.

أعتقد أن أحد أسباب سعادتي بهذه الاحتجاجات كان رؤيتي للنساء، نفسي وأخريات، تتحدثن في مجال عام بينما يستمع أشخاص آخرون من جميع الأجناس والفئات العمرية والخلفيات لهن وتكريرهم\ن لشعارات النساء. فهذه المشهدية، أي رؤية النساء يعبرن عن أفكارهن حول الاقتصاد والسياسة والحقوق في مجال عام وأمام الملأ هو أمر جديد، لا سيما في صيدا. تم كسر هذا المحرمات لأول مرة هنا. كانت هذه أيضًا المرة الأولى التي رأينا فيها صيدا في قلب الثورة، لا سيما في موقعها الجنوبي. ومن وجهة نظر شخصية، فإن تجربة ترديد الشعارات وتكرار العامة لهذه الشعارات من بعدي ومطالبتهم\ن لشعار " يا ثوار" أحد المشاعر الأجمل التي غمرتني على الإطلاق. أشعر أن هذه الثورة قدّمت النساء للمجتمع كعناصر قيادية عوضاً عن اعتبارهن مواطنات من  الدرجة الثانية، وهو امر شائع في لبنان. بالطبع، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به، ولكن  كسر الصور النمطية  يتم بشكل تدريجي

 

هل شعرت بالإحباط من بعض الأشخاص الذين لم يؤمنوا بمعركتك؟

نعم، شعرت بذلك. بالإضافة إلى الأشخاص الذين لا يؤمنون بي، شكك البعض في مصداقيتي واعتبروني مشاركًة "مسيسًة" لديها أجندة سياسية. صحيحٌ أنني لديّ آرائي ومعتقداتي السياسي لكنني  لا أنتمِ  أي حزب سياسي. أعتقد أيضًا أن كل ما قلته في الساحات كان ذا صلة بحقائق الناس وصراعاتهم اليومية.

 

ما هو الشيء الجديد الذي تعلمتيه من هذه التجربة عن تاريخ النساء الثوريات في مجتمعك المحلي؟

نشأت في بيئة أخبرتني قصصًا عن النساء اللواتي قاومن الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، مثل سهى بشارة. قيل لي إن النساء الجنوبيات صببن الزيت المغلي على الجنود الإسرائيليين أثناء الإجتياح  الإسرائيلي للبنان، واستمرين في ذلك حتى يوم التحرير في العام ٢٠٠٠. لكن للأسف، بعد ذلك التاريخ، تراجع  وجود المرأة في الحياة العامة، وخاصة في الجنوب. ومع ذلك، أعتقد أن النساء استرددن هذا الوجود خلال ثورة ١٧ أكتوبر من خلال المقاومة ضد السلطة.

الفرق بين الفترتين هو أنه قبل العام ٢٠٠٠، لم يعتمد الدور التقدمي للمرأة على الانفتاح. في ذلك الوقت، لم يكن الرجال ينظرون إلى النساء كشريكات في المقاومة. هذه المرة، شهدت هذا الانفتاح أثناء  النقاشات التي دارت في الساحة حول الذكورية والحركة النسوية في ساحة إيليا. رؤية الرجال يسألون عن الحركة النسوية والدعوة إليها في مرحلة ما هي دليل ملموس على تغير في المجتمع. هذا لا يعني أن النساء لم تقاومن قبل ١٧ أكتوبر. أفعال المقاومة، على الرغم من وجودها، كانت ببساطة غير مرئية.

 

هل لديك تجارب سابقة مع الاحتجاج أو المشاركة في الحياة العامة أو السياسية؟

شاركت في الاحتجاجات ضد أزمة النفايات في العام ٢٠١٥. في ذلك الوقت، كنت طالبة جامعية وتعلمت أن أعي الفساد الذي كان يحدث تحت الطاولة. أعتقد أن ثورة ١٧ أكتوبر هي استمرار للتحركات التي حدثت في ٢٠١١ و٢٠١٥ في لبنان.

 

ما القيادة بالنسبة لك؟

بالنسبة لي، القائد/ة هو/ي شخص يمكنه/ا التأثير على الآخرين، والاستماع إلى آراء الناس، وكسب ثقتهم. القائد/ة ليس/ت صانع/ة القرار؛ إنه/ا الشخص الذي/التي يمكنه/ا جمع أشخاص من خلفيات ووجهات نظر سياسية مختلفة تحت راية واحدة.

 

ما هي الصور الثورية التي تكرس سياستك أكثر من غيرها، وكيف تشعرين حيال تمثيل المرأة على وسائل التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام بشكل عام؟

كانت صورة المرأة التي ركلت الرجل المسلح للدفاع عن المتظاهرين في اليوم الأول للثورة، والتي تحولت أيضًا إلى رسم ولوحة جدارية، صورة مميزة. أيضا، عندما تم إغلاق الطرقات واحتلت النساء الخطوط الأمامية. هذه الأحداث لم تعطني الأمل وحسب، بل جعلتني أشعر أننا، بالفعل، نفعل ذلك. كل هؤلاء النساء تمثلنني وقد تأثرت بشدة بشجاعتهن. لقد شعرت بالإحباط بشكل خاص بسبب المشاركات والتعليقات التي ألقت باللائمة على دانا حمود في الوقوف ضد ضابط شرطة في محاولته للقبض عليها. لا أغفر إلقاء اللوم على النساء وضربهن لوقوفهن على الخطوط الأمامية.

 

ما الذي تغير بالنسبة لك، كشخص، بسبب الثورة؟

لقد اتخذت دائمًا موقفا مناصراً للقضايا التي أؤمن بأحقيتها وقررت أن أؤيد العدالة. الآن، أكثر من أي وقت مضى، سأواصل القيام بذلك. لا شيء يخيفني، لا سيما التهديد بالاعتقال. لن أقول أي شيء يتعارض مع معتقداتي. الثورة مكنتني. قابلت أشخاصاً من صيدا أبهروني بمستوى وعيهم/ن ومعرفتهم/ن بالقضايا المتعلقة بالمجالات العامة والسياسية. لقد اكتشفت أيضًا مهارات ومواهب الأشخاص الذين عبروا عن أنفسهم/ن بحرية في الساحة، من خلال الفنون والرسم والموسيقى وما إلى ذلك. كانت الثورة مسقط رأس المبدعين/ات.

 

هل تعتقدين أن هذه الثورة غيرت أي شيء بالنسبة للمرأة؟

جعلتني الثورة أكثر تفاؤلاً بشأن تغيير قوانين الوصاية في المحاكم الشيعية قريبًا، وكذلك جميع القوانين الأخرى التي تعامل المرأة بطريقة غير عادلة. آمل أن أشهد يومًا ما نساءً من مجتمعي تقدن ثوراتهن في المجال الخاص وفي زيجاتهن وفي قرارات حياتهن. أود أن أراهن تقلن ما تردن، تتغيرن، تسافرن، وتفعلن ما يجعلهن سعيدات. الثورة النسوية تبدأ دائمًا من الشخصي.

 

  • 1. غنى هي في الأصل من حارة صيدا، وهي منطقة شيعية ومحافظة ومؤيّدة للنظام بالقرب من صيدا.
ملحوظات: