الكويري المتردّد
يدعونا راؤول راو، من خلال بحثه "مواقع رهاب المثلية" (2014، 174-175)، إلى تعقيد بحثنا حول رهاب المثلية عبر توجيه تحليلنا داخليًا. وفي حين بيقى خطاب الجنسانية مثقلا بعبء الارث الاستعماري الجنسي (المقصود: رهاب المثلية) للخطاب المحيط بالجنسانية، ومن ضمنه رهاب المثلية، والمنتشر في معظم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أوافق راو على أهميّة توجيه نظرتنا التحليلية إلى الداخل، من أجل ادراج دور الفاعلين/ات المحليّين/ات في الحفاظ على السرديّات والممارسات المعادية للمثليّة. يمكننا تحديد ثلاثة مواقع محدّدة لرهاب المثلية من خلال هذه الورقة البحثيّة. وهي دور نخب الطبقة الحاكمة اللبنانية في اضفاء النيوليبرالية (المقصود: عدم التسييس عبر تحقيق الاقتصاد) على الرغبة المرتبطة بالجنس المثلي، واللغة الغريبة للنشاط النضالي لمجتمع الميم المحلّي، و"الاستشراق التكراري والتجزيئي" (موسوي 2013)، الذي يعيد انتاج بيروت كملاذ لمجتمع وأفراد الميم. كما أضع تصوّرًا "للكويري المتردّد"، في علاقته مع كلّ من هذه المواقع بهدف التصدّي لتصوّرات الاعلام الغربي السائد حول لبنان بوصفه، وبصورة استثنائية، صديقًا للميم، وخاصّة عندما يتعلّق الأمر بنشاط الميم النضالي.
3.jpg
احتفل عدد من وسائل الاعلام الغربيّة مؤخرًا بتعيين أربع نساء في الحكومة المشكّلة حديثًا في لبنان. فالنسبة إلى وكالة رويترز، يشكّل تعيينهن "[انتزاع] موطئ قدم أوسع للنساء" (مكدوال 2019)، في حين وصفته باستل ويورو نيوز (ليونز 2019) "بالخطوة الكبيرة إلى الأمام". لم تر أيّ من هذه الوسائل الاعلامية ترابطًا بين هؤلاء النساء والقادة الطائفيين الأقوياء، أو حقيقة أنّ تعيينهن يأتي في ظلّ جوّ غير مسبوق من الخطاب المعادي للمثليّة، الذي تروّج له على نطاق كبير السلطات الدينية. أفضل ما يمكن أن نصف به التطوّرات الحاليّة في مجلس الوزارة اللبناني، أنّها نسوية الدولة المعادية للمثليّة. هذا التناقض يلفتنا إلى التفكير من خلال ديناميّات الجندر والجنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن إطار يعرف انتاجهم "في سياقات الاقتصاد السياسي الاقليمي والعالمي"، كما توضح عن حقّ ميسون سكريّة (2015، 2). بالإضافة إلى ذلك، ومع العلم أن هذه الورقة البحثيّة معنية بالدرجة الأولى بتشكيل مفاهيم حول "الكويري المتردّد" في لبنان، والتعبير الشامل الذي يرصد المواقف غير المبالية لأولئك المنخرطين/ات مباشرة في قضايا الميم، غير أني أجد أنه من المهمّ أن أشمل في تحليلي "الطرق حيث الأدوار الجندرية المتعدّدة والمتضاربة غالبًا"، تنتشر "ضمن طبقات اجتماعية مختلفة ومواقع جغرافية ومؤسساتية"، وفي "مؤسسات وسياقات ايديولجية محدّدة" من قبل كلّ من الدولة والنخب (المصدر ذاته، 3). وفي المقابل، ومن أجل رصد أفضل للممانعة الكويرية في السياق اللبناني، في مواجهة الصورة الكثيفة التسويق التي تصفه بالملاذ للميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ينبغي إضافة تحليل متعدّد المستويات يجمع المحلي بالإقليمي والعكس، ويأخذ بعين الاعتبار تنوّع الفاعلين/ات المنخرطين/ات، السياسيين/ات وغير السياسيين/ات.
يدعونا راؤول راو، من خلال بحثه "مواقع رهاب المثلية" (2014، 174-175)، إلى تعقيد بحثنا حول رهاب المثلية عبر توجيه تحليلنا داخليًا. وفي حين بيقى خطاب الجنسانية مثقلا بعبء الإرث الاستعماري الجنسي (المقصود: رهاب المثلية) للخطاب المحيط بالجنسانية، ومن ضمنه رهاب المثلية، والمنتشر في معظم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (أنظر/ي: نجم أبادي 2005؛ عامر 2009؛ تروب 2008؛ حايس 2018)، أوافق راو على أهميّة توجيه نظرتنا التحليلية إلى الداخل، من أجل ادراج دور الفاعلين/ات المحليّين/ات في الحفاظ على السرديّات والممارسات المعادية للمثليّة.
تسمح لي المواقع المحدّدة لرهاب المثلية في لبنان بفهم "الكويري المتردّد". لا يُعبّئ "الكويري المتردّد" باسم حقوق الميم، مع أنه يعرّف عن نفسه ككويري. في الوقت نفسه، لا يجوز الخلط بين "الكويري المتردّد" والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، كما يناقش جوزيف مسعد (2002)، كما لا يمكن اختزالهم1 بمسألة الخروج من الخزانة/العلنية (أنظر/ي: ريتشي 2010). في المقابل، يحاكي التناقض السياسي "للكويري المتردّد" مفهوم "فيتيشية الغريب" لسارة أحمد (2000)، حيث يتمّ انتاج الغريب ليس بوصفه ما لا يمكننا معرفته بل ذلك الذي نعرفه أصلًا كغريب (أحمد 2000، 3-4). أمّا بعد، أودّ أن أتصدّى لتصورّات الاعلام الغربي السائد حول لبنان بوصفه، وبصورة استثنائية، صديقًا للميم، وخاصّة عندما يتعلّق الأمر بنشاط الميم النضالي.
ومن أجل تحقيق ذلك، أسائل محدوديّة الاستخدام الثائي لمفهوم جاسبر بوار حول القومية المثلية في السياسيات العالمية، حيث يتمّ إعادة انتاج بعض الدول كدول شريرة أو غير متطوّرة، بينما تُعامل دول أخرى كأنّها متنوّرة ومتطوّرة بالكامل. وفي المرحلة الثانية، أُموضع "الكويري المتردّد" في علاقته مع الدولة والمجتمع اللبناني. وعليه، يتمّ تحديد ثلاثة مواضع محدّدة لرهاب المثليّة هنا: دور نخب الطبقة الحاكمة اللبنانية في اضفاء النيولبرالية (المقصود: عدم التسييس عبر الادراج في الاقتصاد) على الرغبة المرتبطة بالجنس المثلي، واللغة الغريبة للنشاط النضالي لمجتمع الميم المحلّي، و"الاستشراق التكراري والتجزيئي" (موسوي 2013)، الذي يعيد انتاج بيروت كملاذًا لمجتمع وأفراد الميم.
الأسس المنهجيّة والنظريّة
قدّم المنظّرون/ات الكويريّون/ات دلائل هامّة في بحثهم حول الجنسانية، فلا غنى عن أعمال فوكو في تلك المجالات. أراد فوكو (1978) استنباط التكوين الخطابي للجنسانية؛ وهو، أنّ صيرورة الجنسانية بوصفها مشبّعة سياسيًا، تتضمّن فئة لتكون معروفة، موثّقة، مسجّلة، ومشخّصة. كما أنّ العمل الثنائي للقوة متأصّل في أعماله: فبينما يتمّ مصادقة وتقديس جنسانيّات، يتمّ عزل أخرى. ولكن، وكما يذكّرنا بوشانان (2018، 394) "ليست فكرة أنّ المغاير مقبول والكويري مبعد من قبل مجتمع هي ما يشغل فوكو، بل حقيقة أن الاستمرارية المطاطية للجنسانية قد تتجزّأ بدقّة متناهية رغم النفاذية البديهية للفئات الأساسية". في كل الأحوال، أدانت الباحثات النسويّات النقديّات فوكو على هذا "العمى الجندري" (كينغ 2004)، وعلى تصوّر "الأجساد المطيعة" – بدلًا من الذاتيّات – بوصفها الانتاج الأساسي لتحليلاته حول السلطة/المعرفة التحليلية. مثلًا، تسأل نانسي هارتسوك (1990، 164)،
لماذا، وفي تلك اللحظة فقط، عندما يقوم كثر منّا، ممّن تمّ اسكاتهم بالمطالبة بحقّهم/ن بتسمية أنفسهم/ن، والتصرّف كذاتيات بدلًا من أشياء، يصبح مفهوم الذاتية مسألة إشكالية؟
تفصلنا اليوم أربعة عقود عن أعمال فوكو. ولا بدّ من إضافة مستوى آخر من التحليل على النطاق العالمي، في وقت تشهد فيه الجنسانية، وتحديدًا القومية المثلية تزايدًا في التعبئة في السياسة الأجنبية. فبالنسبة لمجتمعات ما بعد الاستعمار/الكولونيالية،2 لا يمكن تفسير الحراك المحلي، سواء كان مع أو ضدّ طرح سياسي معيّن، ومن بينها الجنسانية، ضمن الإطار التحليلي القائم على الثنائيات، والمصمّم من قبل المحللين السياسيين السائدين. فالأخير يعزّزمبدأ ما يسمّى ببقية العالم في مواجهة ما يبدو وكأنه ازدواجية غرب موحّد من خلال رسم حدود حتمية بين الآراء العالمية والمجتمعية. يُبرز راؤول راو (2010) المجال المحدود لهكذا تحليل، ويدعونا إلى تفضيل علاقات الدولة-المجتمع، رغم فوضاها، عند بحثنا عن التعبئة السياسية في سياقات العالم الثالث.3 أميل إلى أعمال راو لأنّها تساعدني في وضع مفاهيم تخص الكوير في مقابل الدولة والمجتمع اللبناني.
يميّز التحليل السياسي السائد بين الآراء العالمية والمجتمعية في بحثها عن الاحتجاج في دول العالم الثالث. وفي حين تضع الأولى التهديد في قلب دول العالم الثالث وتتجّه نحو المجتمع الدولي من أجل "الإنقاذ"، ترى الثانية في الدولي "مجالًا نيو ليبراليًا مفترسًا يستلزم من المحلّي الدفاع عن نفسه في مواجهته" (راو 2010، 7). ولكن، جوهر تحليل راو مفاده أنّ كلا الآراء العالمية والمجتمعية لا تنتشر ايديولوجيًا على هذا النحو. بل، تظهر بالتزامن مع وبحسب التهديد قيد البحث، وتحديدًا موقعه، داخل أم خارج حدود دولة العالم الثالث. وعلى حدّ تعبير راو (2010، 192):
يقتضي السعي لتقرير المصير النضال في آن واحد ضدّ رهاب المثلية ضمن [الناشطين/ات الكويريين/ات في العالم الثالث] مجتمعاتهم/ن، وضدّ مفهوم الخلاص من قبل حلفاء مجتمع الميم البيض أو العالميين. جزئيًا، ما يحاول هؤلاء الناشطون/ات قوله لمنقذيهم المزعومين أنّهم ليسوا مثليين/ات فحسب، بل أشياء أخرى أيضًا – فلسطينيون/ات، عرب، مسلمون/ات [مثلًا]، وأن تحرّر المثليين/ات الذي لا يحترم هذه الهويّات ليس تحرّرًا على الإطلاق.
في الشرق الأوسط، يمكن تلخيص فوضى "السعي نحو تقرير المصير" في مناقشات جوزيف مسعد. باختصار، يناقش مسعد أن مجموعات الميم الناشطة الغربية والمحظية، والتي يطلق عليها مصطلح "الأممية المثلية" Gay International، تعمل كمجموعة "امبريالية" (مسعد 2002، 383)، وتفرض مفهومًا مهيمنًا حول الجنسانية في الشرق الأوسط، كما في السياقات غير الغربية أيضًا. في المقابل، يفترض مسعد (2015، 219) أن الجنسانية هي "فئة ’ثقافية‘ أوروبية-أميركية وليست عالمية أو معولمة بالضرورة". وقد تمّ انتقاد مسعد بشدّة لاختصاره تجربة الميم العرب واختزالها في أنها إمّا/أو غربية/امبريالية/ عالمية أو محليّة، ولتجاهله تعددية التجارب والهويّات الجنسية التي تُكوّن النشاط النضالي حول قضايا الميم في المنطقة.
القومية المثليّة و"الحرب على الارهاب"
تُصوّر جاسبر بوار مفهوم القومية المثلية كإطار ل"فهم التعقيدات حول كيفية تحوّل مفهومي ’القبول‘ و’التسامح‘ بالنسبة لموضوعات المثليين والمثليّات إلى مقياس، يتمّ من خلاله تقييم الحقّ في، والامكانية على السيادة الوطنية" (بوار 2013، 336). تغيّر القومية المثلية موقع رهاب المثلية من الادارة الأميركية النمطية السائدة ومواطنيها/اتها، وتضعه عند الأجانب الآخرين، وخاصّة الأجساد الملوّنة والمسلمة (أنظر/ي: الطيّب 2012). فيقوم تشابك الجنسانية مع القومية الأميركية بانتاج توليفة من المواطنين/ات غير المتعادلين/ات، حيث أنّ بعضهم/ن أكثر جدارة بالاحترام من البعض الآخر. إذ تعتمد المثلية المدرجة حديثًا، بعد أحداث 11 أيلول/سبتمر، وفقًا لبوار،على رسم الحدود الإثنية والعرقية لأولئك الذين تمّ اعلانهم/ن مؤّخرًا كمتهمين/ات وآخرين/يات مسلمين/ات معادين/ات للمثلية.
بالإضافة إلى ذلك، تُظهر بوار تشابهًا بين الحداثة والقومية المثلية باعتبارهما مسارات تاريخية ذات تأثير(ات) مستمرّ(ة): "فالحداثة، كالقومية المثلية، يمكن مقاومتها وإعادة تحديد معناها، لكن لا يمكن الانسحاب منها: فجميعنا متكيّفين/ات بها ومن خلالها" (بوار 2013، 337). بالفعل، فقد نشأت حداثات ما بعد الاستعمار، ومن ضمنها حداثات الشرق الأوسط، بالتوازي مع الممارسات الخطابية التي أنتجت قوى عظمى، وأخرى أقلّ شأنًا في الوقت ذاته. إنّ تركيز بوار على مسألة الزمن عند صياغتها القومية المثلية يفترض أنّها تشكّل نقلة نوعية، تتطلّب منّا، شأنها شأن كافة التحوّلات في الأنماط إعادة التفكير وصقل منهجيّاتنا البحثية. فعندما نتحدّث عم السياسات الدولية، علينا أن نراعي "التحوّل في الاتجاهات التأسيسية والأساسية للعلاقة بين الدولة والرأسمالية والجنسانية"، والموسومة غالبًا ب "دخول (بعض) الأجساد المثلية التي تستأهل الحماية من قبل الدول القومية" (بوار 2013، 337).
يؤكّد راؤول راو المفهوم الذي طرحته بوار حول القومية المثلية بوصفها "مظهرًا من مظاهر الحداثة"، وهو يرصد أنماطًا مشابهة في سياق الاقتصاد العالمي. يقدّم راو براهينه وكأنّها أحجية للقارئ، فيسأل "لماذا بدأت المؤسّسات الرائدة في الرأسمالية العالمية باتخاذ مواقف الناشطين ضدّ رهاب المثلية، ولماذا قاموا بذلك الآن؟" (راو 2015، 38). وكما في حالة بوار، تعكس أسئلة راو تفكيرًا بمسألة الزمن. في نهاية المطاف، يُظهر راو وبنجاح كيف يسمح تأطير رهاب المثلية على أنّها "ثقافية محضة" للكيانات المالية الدولية والعالمية ب "طمس.. ذنوبهم في المشاركة في انتاج تلك [الحالات المعادية للمثلية] منذ البداية" (المصدر ذاته). وتعكس ملاحظات بوار وراو "المركزية" و"التعبئة" للجنسانيّات الكويرية في السياسة الخارجية (ريتشتر-مونبوتي وويبر 2017، 19).
تصف القومية المثلية كيف يتمّ تحديد المستوى الحضاري لدولة ما، وفقًا لمعاملتها لسكّانها المثليين والمثليات. هذا ليس سوى تمرينًا مزدوجًا من الإكراه وتبرئة الذات، ويمكن ملاحظته في سياق الدول والسياسات الدولية. حيث يتمّ التشهير الممنهج بالدول، التي تظهر عدائية أو عنف ضدّ الأفراد المثليين والمثليات، كذلك الأمر بالنسبة لسكّان هذه الدول. هذا الفهم حول الجنسانية يفرز الدول ضمن ثنائية الدول الخيّرة والدول الشريرة. والأهمّ، أنه يمهّد الطريق للمبادرات التدخّلية، وحتى في شكلها العسكري، كما حصل في أفغانستان.4
تعتبر القومية المثلية معالجة متسرّعة ومليئة بالقيود المعرفية والتناقضات. أوّلًا، هي تبدّد موقف الحكومة الأميركية المعادي للمثلية والموثّق جيدًا تجاه اللا "طبيعيين/ات المثليين/ات" المسيسين/ات من سكانها. كما توحي أن أفراد الميم المقيمين/ات في الولايات المتحدة لا يواجهون تمييزًا بنويًا أو اجتماعيًا، الأمر الذي يناقض الواقع بالنسبة لأفراد الميم غير الحائزين/ات على امتيازات، وخاصّة أفراد الميم الملونين/ات (شافيز 2013). وأخيرًا وليس آخرًا، وربمّا الأهمّ، تقوم القومية المثلية ببناء رهاب المثلية كنمط ثابت تسهُل إزالته عبر إجراءات قانونية. تعالج القومية المثلية مسألة حقوق المثليين/ات من خلال ما يبدو وكأنّه أسلوب إجرائي. وينعكس جورهها المستند على المركزية الأوروبية من خلال صياغتها للمجال القانوني بشكل مستقل تمامًا عن باقي المجالات في المجتمع. هذه المقاربة غير قابلة، بالضرورة، للتطبيق في سياقات حيث تتشابك القوانين الجزائية مع بنى تنظيمية أخرى، من ضمنها الدين، العادات، التقاليد، وأنماط الحكم المرتبطة بالنسب (أنظر/ي: حجّار 2004؛ مقدّم 2003؛ براون 2009). هذا، ليس لنقول أن الفضاء القانوني يفتقد إلى النزاهة فيما يخصّ هذه السياقات؛ بل، لنقول أنّه عبر تجاهل "غرابتها" وتركيبتها الهجينة، نخاطر بتدمير المعرفة المحلية عبر فرض خطاب قانوني غريب. مثلًا، قانون العقوبات اللبناني يعكس مجتمعه الثلاثي الأوجه "الأخلاق المرنة"، والتي تعمل ضمن عناوين اجتماعية وسياسية طائفية ودينية متباينة (ديب وحرب 2015). وفيما يتعلّق بالمادّة 534، فإنّ الغموض القانوني الذي يعتريها، والذي أبرز لاحقًا، يسمح للدولة أن تنشر سيادتها تحت واحد أو أكثر من هذه العناوين. وفي المقابل، إنّ المادّة 534 هي أقلّ ارتباطًا بالأخلاق الجنسية، بل أنّها تتعلّق أكثر بالحفاظ على خطابات جندرية عميقة الجذور.
"الكويري المتردّد"
يمكننا فهم "الكويري المتردّد" بأفضل طريقة، كما ناقشت سابقًا، بوصفهم "غريب". وتحديدًا، تمّ جعل الكويري المتردّد غرباء بالنسبة للأسس الأبوية والغيرية للدولة الأمّة اللبنانية. حيث تجعل منهم رغبتهم غير النمطية غرباء، وفي الوقت ذاته دخلاء وخائنين لوعود ومرافق الدولة الأمّة البنانية. وعليه، تبني الدولة اللبنانية الأمّة من خلال تحديد الآخرالذي يخالف مبادئها الغيرية وحدود معالمها المخصّصة والمسموحة لهم. ويعدّ هذا ابتعادًا ملحوظًا عن مفهوم بينيدكت أندرسون حول الأمّة كفضاء "متخيّل" للخصائص المشتركة، بصرف النظر عن الاختلافات.
في الوقت ذاته، يتمّ التعرف على اللبناني الكويري فورًا، أو بتعبير أدقّ، يصبح معروفًا بسبب "الأممية المثلية" (أنظر/ي: مسعد 2002). إن هذا التعرّف ما هو إلا استمرارية للمنظومة الاستعمارية ونتيجة لتقنية الفيتيشية الكثيفة التي ترتكز على "بلع الآخر" (هوكس 1992). تغزُر "فيتيشية الغريب" هذه، كما تراها سارة أحمد، مع النمط الاستشراقي ل"حماية الاختلاف من الآخر" (أحمد 2000، 140) – وليس من أجل معرفة خصوصيّتها، بل لفرض خطاب "الحاجة إلى الإنقاذ" (أنظر/ي: مكداشي 2011). ترصد ميدة يجينوغلو هذا الوضع بدقّة شديدة، وتقول:
بعيون الغرب، الشرق هو دائمًا أكثر من ومختلف عن ما يبدو عليه، فهو يبدو دائمًا وأينما كان بطريقة محجوبة، متخفّية، ومضلّلة. وهو من خلال مظهره المحجوب، وبالذات عبر هذا الفعل من التستّر، حيث يُظهر الشرق نفسه، ويُظهر أن هناك شرقًا، مكانًا، ثقافة، وخلاصة تحتاج إلى الاستيعاب، المعرفة، والفهم.
ومن أجل فهم متكامل لثنائية "الغريب" و"فيتيشية الغريب"، في سياق الكويري المتردّد، أضع الأخير في علاقته مع المادّة 534. وما يظهرهو هوّة بين تصوّرات الاعلام السائد حول ناشطي/ات الميم في لبنان من جهة، وبين الواقع المعاش للأجساد غير النمطية من جهة أخرى. في البداية، من المهم أن نذكر أنه في لبنان يمكن سجن المغايرين/ات، غير المغايرين/ات، المثليين/ات، العابرين/ات، والعابرين/ات جندريًا، وفقًا للمادّة 534 من قانون العقوبات اللبناني، والتي تنصّ على أن "أي مجامعة مخالفة للطبيعة تؤدّي إلى السجن لمدّة تصل إلى سنة" (أنظر/ي: الفرشيشي وصاغية 2012).
يبدو جليًا إتسّاع عبارة "فعل مخالف للطبيعة" من خلال تطبيقها على حالات "الجرائم الأخلاقية" التي تخلو من الولوج الجنسي ومن خلال عدم تجريم ممارسي الجنس المثلي في ثلاث حالات منذ العام 2009. نظريًا، يذكّرنا غموض المادّة 534 بأعمال كوبانو راتيلي (2014)، الذي يميّز بين رهاب المثلية "العامودي" و"الأفقي". وبينما يعود الأوّل إلى النخبة والروايات القانونية التي "تسقط على الناس"، نجد أن الثاني يقع خارج حدود مجال القضاء، ويتّخذ حيّزًا على المستوى الاجتماعي (راتيلي 2014، 122). يدفعنا تحليل راتيلي إلى الاعتراف بالمستويات المتشعّبة لرهاب المثلية، وللأخذ بعين الاعتبار الطرق حيث تقوم الدولة والمجتمع معًأ بإعادة تشكيل خطابات رهاب المثلية. رغم ذلك، إنّ الحدود بين ما هو عامودي وما هو أفقي تبقى غير واضحة، خاصّة عندما نضيف مستوى تقاطعي آخر إلى تحليلنا.
تمّ إصدار الحكم الأخير فيما يتعلّق بالمادّة 534 في تموز 2018، عندما قامت محكمة عليا بدعم حكم محكمة أقلّ شأنًا، والقاضي بتبرئة تسعة رجال قيد المحاكمة نتيجة انخراطهم بجنس مخالف للطبيعة. وكما كان متوّقعًا، تلاحقت العناوين الاحتفالية في وسائل الاعلام الغربية، والتي صرحّت بتسرّع أنّ لبنان "اقترب من إلغاء التجريم" للمادّة 534. تعكس هذه الآراء وجهة نظر أنجالي ارونديكار (2016، 333)، التي تربط من خلال بحثها بين "الجيو سياسي والجنس"، وتصرّح ساخرة: "في النهاية، نحن [الباحثات في الجنسانية] لا نستطيع أن لا نرغب في عدم وجود أسس مشتركة مع ’البقيّة‘ [قاصدة الجنوب العالمي]!"
تظهر نسبة كبيرة من اللبنانيين/ات الذين يعرّفون عن أنفسهم أنهم/ن من أفراد الميم قليلًا من الاهتمام فيما يخصّ التعبئة لمواجهة المادّة 534 من قانون العقوبات اللبناني، لأنّهم/ن يعتبرون أنها تمثّل مشكلة أقل أهمية مقارنة بردّات فعل أنسبائهم/ن وأصدقائهم/ن، أو تصالحهم/ن مع التفسيرات المجتمعية والدينية للرغبات المثلية المعتبرة ضدّ الدين – سواء كان ذلك في إطار مسلم أو مسيحي – وايمانهم/ن. بالإضافة إلى ذلك، ترتبط و بشدة التفاعلات الاجتماعية والعلاقات بالطائفة في السياق اللبناني، كما تنتشر الطوائف بدورها بشكل أكثر أو أقل على مواقع جغرافية محدّدة. نتيجة لذلك، يبذل الذين يعرفون عن أنفسهم/ن كأفراد من الميم جهدًا عاطفيًا كبيرًأ ووقتًا ومالًا من أجل الحفاظ على علاقات طويلة الأمد مع بعضهم البعض. تتردّد أصداء هذه السرديّات في ما وجدناه في "بريد مستعجل" (ميم 2009)، ومؤخرًا في عمل سفيان مرابط، "كوير بيروت" (2015). بالنتيجة، يمكننا تلخيص الرأي العام لمجتمع الميم في لبنان بتفضيلهم/ن الموافقة المجتمعية على الحماية القانونية. حيث تعكس علاقتهم الغامضة مع القانون (رهاب المثلية العمودي)، والمجتمع (رهاب المثلية الأفقي)، إلى حدّ كبير، الوضع الحالي الذي يملي موقف الدولة اللبنانية تجاه المثلية الجنسية.
على الرغم من أن المسؤولين اللبنانيين لا يُصدرون البيانات المدافعة عن الميم، ولكنّهم أيضًا، لا يدينون بشكل قاطع الرغبة المثلية. فيتمّ إحالة هذه "المهمّة" إلى السلطات الدينية. ومن أجل فهم هذه المعضلة، لا بدّ من الاستفاضة حول العلاقة بين الدولة والدين في لبنان. يربط مقدسي (1996، 25) بين القانون الوطني للعام 1943 والذي انبثق منه الاستقلال مع التشريع ل"نظام الوصاية وتقسيم الغنائم بين النخب"، والذي سعى إلى إرضاء مجتمعاتهم ذات الأغلبية الطائفية على حساب الأقليّات الأخرى، باسم "الوحدة الوطنية" – وهي سرديّة زائفة بأحسن الأحوال وإلزامية في أسوئها، وتعدّ حتمية من أجل بناء الأمّة خلال الفترة التي تلت الاستقلال مباشرة. نتيجة لذلك، تدفع علاقة الدولة بالدين بجزء كبير من الواجبات المدنية للدولة نحو ملكوت النسب، أي الموقع الأوّل "للحماية من الدولة" (جوزيف 2000، 109)، كما نرى بوضوح من خلال قوانين الأحوال الشخصية الدينية. عندما بحثت مكداشي (2014) عن أحوال المواطنين/ات اللبنانيين/ات، الذين يريدون تسجيل زواجهم/ن (الغيري) مباشرة عبر الدولة من خلال شطب إشارتهم/ن الخاصّة في الأحوال الشخصية، أخبرتنا كيف أنّهم سرعان ما "وجدوا أنفسهم/ن غير قادرين/ات على الإرث، الترشّح للمناصب العامّة، تسجيل شهادة زواجهم/ن أو وثائق ولادة أطفالهم/ن في الدوائر الحكومية" (مكداشي 2014، 289).
في المقابل، إن (عدم تجريم) علاقة الدولة والدين، بدلًا من المادة 534 هو ما سيجلب التغيير، على الأرجح. وفي حين تعمل القومية المثلية كمقياس لمستوى تحضّر الدول، وتدّعي حماية حقوق الميم، تبقى غافلة عن الحميميّات غير المثلية الخاضعة بالقدر ذاته، لإجراءات الدولة والقانون. وعليه، يؤدي عزل "الخطاب المثلي" في حوكمة القومية المثلية إلى تفضيل جنسانية وحيدة، أي مثلية "طبيعية"، على حساب الجنسانيّات الأخرى، التي تفاوض بالقدر ذاته، علاقاتها القانونية مع الدولة في ظلّ تزايد عبور في عالم معولم ونيوليبرالي. يبدو هذا بديهيًا في مشهد الميم اللبناني المسلّع بشدّة، إلى حدّ إعتباره، على نحو خاطئ ك"استثناء" بين جيرانه العرب.
وبالفعل، يتصوّر غسان الموسوي (2013) "الاستشراق التكراري والتجزيئي" أو "الاستشراقات داخل الشرق"، كي يوضح لنا كيف أن الوضع فعليًا في بيروت غير استثنائي مقارنة مع "باقي" لبنان. فصورة بيروت الصديقة للميم هي سمة من سمات تعريف ليزا دوغان (2002) للمثلية النمطية:
وهي سياسة لا تتحدّى المؤسسات والافتراضات الغيرية النمطية السائدة، بل تحميها وتحافظ عليها، في حين تعد بإمكانية (وجود) فئة غير ناشطة من المثليين، وبثقافة مثلية مخصخصة وغير سياسية، وراسخة في حياتها الأسرية والاستهلاكية (دوغان 2002، 179).
ترتبط النمطية المثلية بشكل جوهري بالسلوكيّات الاستهلاكية المعاصرة التي تعزّز النماذج النيوليبرالية للاستهلاك والحراك. بعبارة أخرى، تكتسب الموضوعات الكويرية زخمها من خلال قدرتها الاستهلاكية، وليس من مدافعتها من أجل التغيير السياسي والاجتماعي. في لبنان، يخفت الزخم نتيجة عقدة لمّ أشلاء السياسة التي يمكن تعقّبها وصولًا إلى أيّام الحرب الأهلية. يرصد سفيان مرابط هذا التشظّي ببلاغة (2014)، والذي تقوده اثنوغرافيته المغروسة في "الفضاءات الكويرية" لبيروت إلى تشكيل مفهوم حول الفضاء/المجال المثلي – وليس المجتمع المثلي – إلى وصف سكّان بيروت المثليين. بالفعل، يُنتج تقاطع الطبقة، الموقع الجغرافي، الطائفة، والتجسيد الاباحي المثلي المستقلّ "تراتتبيّات في التنقّل المدني" (مرابط 2014، 74) والتي تفرض بشكل حاسم مكان الشخص وقدرته على الوصول إلى أمكنة معينة، من ضمنها تلك الخاصّة بالناشطين/ات. طوّر فيما بعد مرابط هذه النقطة (2014)، وربطها بشكل حذر ومتواضع بالحياة القصيرة الأمد والمتكرّرة للمبادرات التي يأخذها الناشطون/ات من الميم في لبنان خلال التاريخ المعاصر.
وبالعودة إلى مقولة مسعد، وبعيدًا عن ثنائية العالمي/المحلي، يعتمد النشاط النضالي المرتبط بالميم في لبنان بالتوازي، على "كلّ من الخطابات المحلية والعالمية للجنسانية" (موسوي 2015، 594). وبالتالي، لا بدّ من التشديد على تباين النشاط النضالي حول الميم في لبنان. يحذرنا المنظرون/ات الكويوريون/ات النقديون/ات بشكل متزايد من تعميم التجربة الكويرية (انغبرتسن 2013). فتلك المقاربات تتجاهل الاختلافات المعقّدة بين الهويّات الجنسية ضمن مجموعة محدّدة (غامسون 1995). فعلًا، وعلى العكس من تحليل مسعد الذي يدمج كل شيئ، هناك قسم صغير من الناشطين/ات حول الميم ممّن يمارسون السياسة من خلال منظور تقاطعي وتحالفي، عبر الاعتراف بتشابك الطبقة والجندر والطائفة والجنسانية في سياق التعبئة السياسية المحلية والعابرة للقوميّات، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بالمسألة الفلسطينية (نابر وزعتري 2014).
مثلًا، كانت مجموعة ميم (2009) واضحة في رفضها لسردية "الخروج من الخزانة"، والذي غالبًا ما تبرز في التأويلات الليبرالية للنشاط النضالي للميم؛ في المقابل، موضعت (ميم) سياستها ضمن الحركة العربية (مقابل العالمية) (موسوي 2015، 605-606). وفي السياق ذاته، وفي معرض كتابته ممثّلًا حلم، وردًّا على اتهامات جوزيف مسعد "الأممية المثلية"، يصرّ غسان مكارم (2011) على أن التمويل الأجنبي لا يتعارض مع حقيقة أنّ حلم هي نتاج ظروفها الخاصّة. وفي المنحى ذاته، يؤكّد مكارم على أهمية الاعتراف بالأنظمة المتشابكة للقمع في سياق نشاط الميم، وتبنّي التضامن العابر للقوميّات كاستراتيجية تسمح لهم بالمشاركة في "النضال الأشمل نحو الديموقراطية" (المصدر ذاته). ولكن، توصيات مكارم لم تجد صدّى لدى جميع ناشطي/ات الميم، حيث فضّل كثير/ات منهم/ن مقاربة ترتكز على سياسات الهوية، على حساب السياسات التقاطعية (أنظر/ي: موسوي 2015). وفي هذا الإطار، تتعارض غالبًا مسألة المرئية مع الأبوية الكارهة للنساء والذكورية المتغلغلة في النشاط النضالي حول قضايا الميم في لبنان، في ظلّ إحساس النساء الكويريات والذكورات المؤنثة بأنّها مستهدفة وخاضعة لرقابة نظرائهم/ن من الميم (أنظر: شابي 2012؛ رزق ومكارم 2015 تباعًا).
هذا ويعدّ تفشّي المنظّمات غير الحكومية من العوائق الإضافية التي يواجهها العمل السياسي في قضايا الميم في لبنان. فوفقًا لإصلاح جاد (2003، 44)، يعكس التحوّل إلى منظّمات غير حكومية المقاربات والخصائص النخبوية للمنظّمات غير الحكومية المحلية والدولية التي تعمل حاليًا على/في الشرق الأوسط. مع العلم أن أعمالها تدرس تأثير التحوّل إلى منظّمات غير حكومية على النشاط النضالي المرتبط بقضايا النساء في فلسطين، إلا أنه قادر أن يشمل سياقات أخرى. فبالنسبة لكثير من الرجال والنساء في الشرق الأوسط، تعتبر اللغة "المهنية" المعتمدة من قبل الجمعيات أشبه بمعجم ينأى بعيدًا عن واقعهم/ن المعاش. بالإضافة إلى ذلك، تشير جاد (2003، 44) أنّ اعتماد المنظّمات غير الحكومية على المموّلين الأجانب ينزع الشرعية عن عمل الناشطين/ات المحليين/ات، الذين غالبًا ما يتمّ وصفهم/ن من قبل شرائح المجتمع الأوسع على أنهم/ن وكلاء/وكيلات للغرب.
ملاحظات استنتاجية حول "الكويري المتردّد"
من المهمّ أن نبتعد عن اتهام "الكويري المتردّد" بأنّه لا مبال. فالتردّد لا يعادل اللامبالاة. فكما ينبغي على "الكويري المتردّد" التنقّل بين أنساق من مواقع رهاب المثلية، يجد ناشطي/ات الميم أنفسهم غالبًا، عالقين/ات بين أوجه الهيمنة المحلية والعالمية. تقدّم لمى أبو عودة (2015) التفسير الأفضل لوضع الناشطين/ات المحليين/ات "الملعون"، فهي تحدّد "وضع ضعيف" للهجوم يتّهم "الناشط/ة بكونه/ا الخادم/ة، من دون قصد، للمشاريع الامبريالية"، من ضمنها "الأممية المثلية" لمسعد، أو "كمشاركًا/ة ساذجًا/ة في الخطابات العالمية"، ويفتقر بديهيًا للمؤهّلات ودقّة الملاحظة، و"المناوشات" الأخرى.
وإذا كان ثمّة من شيء، فهو أنّ "الكويري المتردّد" يلائم تمامًا "الموضوع المتعمّد" لسارة أحمد، فأن "يتمّ تحديدك كمتعمّد يعني أن تصبح مشكلة" (أحمد 2014، 3) تحتاج إلى حلّ، أي أن يتمّ إعادة تأهيلها كي تعمل بشكل ملائم. ينظر الأمميون الإمبرياليون والليبراليون إلى بناء الهويّات السياسية لل"الكويري المتردّد" وحياتهم/ن الجنسية بوصفها "متردّدة"، وبالتالي هم/ن يحتاجون إلى التمكين بواسطة الأدوات الضرورية لكي يصبحوا أكثر حزمًا. في الوقت نفسه، يُظهر "الكويري المتردّد" المعضلات الأصلية التي تنقلها ببلاغة كاغورو ماتشاريا (2016). تتناول ماتشاريا (2016)، عند الاضطلاع بمهمة "المحلّي المتذمّر"، (187) "الإحساس بالانسلاخ" الذي "يغمره" (185): هل هو "المحلّي الأصيل الماكر، أو المحلّي الأصيل المحتال، أو المحلّي الأصيل الذي تعتريه الرغبة، المحلّي الأصيل الحكيم، المحلّي الأصيل العميل، المحلّي الأصيل المتخلّف، المحلّي الأصيل المثلي، المحلّي الأصيل الكويري، المحلّي الأصيل المستأصل؟" (188). في النهاية، يتّخذ قراره الخاص في شكل "المحلّي الأصيل غير المبالي" (المصدر ذاته). ومع ذلك، فإن لامبالاته ليست بحدّ ذاتها موقفًا غير سياسي، خاصّة عندما نضعها في سياق معقّد كالنظام السياسي "التوافقي" في لبنان. بناءً على جون ناجلي (2018)، فإنّ نظام التقاسم اللبناني المتميّز بين 18 طائفة، "يفتح" مساحة حوار بين الناشطين/ات المثليين/ات والدولة (وبالتالي السلطات الدينية). ولكن، لا يمكن أن يضمّ هذا الفضاء إلّا المجموعات الإثنية الرئيسية، ومن غير المرجح أن يشملها جميعًا (المصدر ذاته). في نهاية المطاف، يبدو أنه ينبغي على الكويري المتردّد العودة عن غرابته داخل بيئته، أولًا وقبل كل شيء. في الوقت نفسه، ينبغي النظر إلى البيئة الخاصّة بهم باتّباع مقاربة داخليّة، يتمّ من خلالها إعادة توجيه التحليل الكويري لينسجم مع السياق المرتبط بالقضية قيد الطرح، وليس العكس. هذا يحاكي نداء مكداشي وبوار (2016، 217) الأخير، من أجل "سياسات في النظرية الكويرية تعمل على إزاحة الولايات المتحدة كقوة ماسكة لمستقبل الجميع".
- 1. أستخدم الضمير "هم" بالمفرد عند الكتابة عن الكويري المتردّد.
- 2. لا أعني بما بعد الاستعمار/الكولونيالية نهاية الحكم الاستعماري بهذه الصفة. بل، أستخدم "ما بعد الاستعمار/الكولونيالية" بوصفها ظرفًا يصف انهاء الاستعمار المادّي، ولكن يبقي "على الاستعمار الايديولوجي" للمجتمعات، بالانسجام مع روبرت. جونيور. يونغ (2009).
- 3. أستخدم تعبير العالم الثالث كما فهمه رواؤول راو (2010). وبعيدًا عن تضمينه معاييرًا اقتصادية اجتماعية تقليدية، فدول العالم الثالث، وفقًا لراؤول تستدعي "علاقات دولة-مجتمع" محدّدة. يستند راو (2010، 28) إلى أعمال محمد أيّوب الذي يشير إلى "دخول دول العالم الثالث المتأخّر نسبيًا كأعضاء كاملين إلى مجتمع دول السيادة القانونية" و"عدم اكتمال عملية البناء لدولهم وأمّتهم".
- 4. للتذكير، ظهرت رواية "انقاذ النساء الأفغانيات" بشدّة في خطابات السياسيين الأميركيين والشخصيات المؤثّرة، من ضمنهم لورا بوش، في الأسابيع التي سبقت غزو أفغانستان. تستحضر هذه الرواية الذريعة الاستعمارية والتي مفادها أنّ "الرجال البيض ينقذون النساء السمراوات من الرجال السمر"، كما وصفها ببلاغة غايارتي سبيفاك. وقد انتقدت هذا عدّة نسويات أكاديميات تعملن على الشرق الأوسط، من بينهن ليلا أبو االلغد (2013).
Abu-Lughod, Lila. 2013. Do Muslim Women Need Saving? (Cambridge, MA: Harvard University Press).
Abu-Odeh, Lama. 2015. “Holier than Thou?: The Anti-Imperialist Versus the Local Activist,” openDemocracy. Available at: https://www.opendemocracy.net/5050/lama-abu-odeh/holier-than-thou-antiimperialist-versus-local-activist
Ahmed, Sara. 2000. Strange Encounters: Embodied Others in Post-Coloniality (Routledge: London and New York).
Ahmed, Sara. 2014. Willful Subjects (Durham, NC: Duke University Press).
Al-Farchichi Wahid, and Nizar Saghiyeh. 2012. “Homosexual Relations in the Penal Codes: General Study Regarding the Laws in the Arab Countries with a Report on Lebanon and Tunisia.” Helem and Daleel Madani. Available at: https://www.daleel-madani.org/sites/default/files/Resources/HelemStudy.pdf
Amer, Sahar. 2009. “Medieval Arab Lesbians and Lesbian-Like Women,” Journal of the History of Sexuality, vol. 18, no. 2, pp. 215-235.
Arondekar, Anjali. 2016. “Thinking Sex with Geopolitics,” WSQ: Women’s Studies Quarterly, vol. 44, no. 3/4, pp. 332-335.
Brown, Nathan. J. 2009. “Shari’a and State in the Modern Middle East,” International Journal of Middle Eat Studies, vol. 29, no. 3, pp. 359-376.
Buchanan, Ian. 2018. A Dictionary of Critical Theory (Oxford: Oxford University Press).
Chávez, Karma. 2013. Queer Migration Politics: Activist Rhetoric and Coalitional Possibilities (Urbana: University of Illinois Press).
Deeb, Lara and Mona Harb. 2013. Leisurely Islam: Negotiating Geography and Morality in Shi’ite South Beirut (Princeton: Princeton University Press).
Duggan Lisa. 2002. “The New Homonormativity: The Sexual Politics of Neoliberalism.” In: Castronovo R. and Nelson D.D. (eds), Materializing Democracy (Durham, NC: Duke University Press), pp. 173-194.
El-Tayeb, Fatima. 2012. “Gays who cannot properly be gay’: Queer Muslims in the Neoliberal European City,” European Journal of Women’s Studies, vol. 19, no. 1, pp. 79-95.
Engebretsen, Elizabeth, L. 2013. Queer Women in Urban China: An Ethnography (New York, NY and London: Routledge.
Foucault, Michel. 1990. The History of Sexuality: An Introduction (New York, NY: Pantheon Books).
Gamson, Joshua. 1995. “Must Identity Movevements Self-Destruct? A Queer Dilemma,” Social Problems, vol. 42, no. 3, pp. 390-407.
Hajjar, Lisa. 2006. “Religion, State Power, and Domestic Violence in Muslim Societies: A Framework for Comparative Analysis,” Law & Social Inquiry, vol. 29, no. 1, pp. 1-38.
Hartsock, Nancy. 1990. “Foucault on Power: A Theory for Women?” In: Nicholson, L. (ed.), Feminism/Postmodernism (London and New York: Routledge), pp. 157-175.
Hayes, Jarrod. 2018. “De Groove Is in de Move: Decolonizing Sex and Sexuality in Middle East and North African Studies,” Journal of Middle East Women's Studies, vol. 14, no. 2, pp. 143–151.
hooks, bell. 1998. “Eating the Other: Desire and Resistance.” In: Black Looks: Race and Representation (Boston: South End Press), pp. 21-39.
Jad, Islah. 2007. “NGOs: Between Buzzwords and Social Movements,’’ Development in Practice, vol. 17, no. 4/5, pp. 622-629.
Joseph, Suad. 2000. “Civic Myths, Citizenship, and Gender in Lebanon.” In: Joseph, S. (ed.), Gender and Citizenship in the Middle East (Syracuse: Syracuse University Press), pp. 107-136.
King, Angela. 2004. “The Prisoner of Gender: Foucault and the Disciplining of the Female Body.” Journal of International Women's Studies, vol. 5, no. 2, pp. 29-39.
Lyons, Joseph. 2019. “Raya El-Hassan is Lebanon’st First Woman Interior Minister & It’s a Huge Step Forward.” Bustle/Euronews. Available at: https://www.bustle.com/p/raya-al-hassan-is-lebanons-first-woman-interior-minister-its-a-huge-step-forward-15959664
Macharia, Keguro. 2016. “On Being Area-Studied: A Litany of Complaint,” GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies, vol. 22, no. 2, pp.183-189.
Makarem, Ghassan. 2011. “The Story of Helem,” Journal of Middle East Women’s Studies, vol. 7, no. 3, pp. 98-112.
Massad, Joseph. 2002. “Re-Orienting Desire: The Gay International and the Arab World,” Public Culture, vol. 14, no. 2, pp. 361-385.
Massad, Joseph. 2015. Islam in Liberalism (Chicago and London: The University of Chicago Press).
McDowall, Angus. 2019. “Lebanese Women Hail First Female Arab Interior Minister.” Reuters. Available at: https://www.reuters.com/article/us-lebanon-government-women/lebanese-women-hail-first-female-arab-interior-minister-idUSKCN1Q60F6
Meem. 2009. Bareed Mista3jil (Beirut: Heinrich-Böll-Stiftung Middle East).
Merabet, Sofian. 2015. Queer Beirut (Phoenix, TX: University Texas Press).
Mikdashi, Maya. 2011. “Gay Rights as Human Rights.” Jadaliyya. Available at: http://www.jadaliyya.com/Details/24855/Gay-Rights-as-Human-Rights-Pinkwashing-Homonationalism
Mikdashi, Maya and Jasbir Puar. 2016. “Queer Theory and Permanent War,” GLQ: A Journal of Lesbian and Queer Studies, vol. 22, no.2, pp. 215-222.
Mikdashi, Maya. 2014. "Sex and Sectarianism: The Legal Architecture of Lebanese Citizenship," Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, vol. 34, no.2, pp. 279-293.
Moghadam, Valentine. 2003. Modernizing Women: Gender and Social Change in the Middle East (London: Lynne Rienner Publishers).
Moussawi, Ghassan. 2013. “Queering Beirut, the ‘Paris of the Middle East’: Fractal Orientalism and Essentialized Masculinities in Contemporary Gay Travelogues,” Gender, Place & Culture, vol. 20, no. 7, pp. 858-875.
Moussawi, Ghassan. 2015. “(Un)critically Queer Organizing: Towards a More Complex analysis of LGBTQ Organizing in Lebanon,” Sexualities, vol. 18, no. 5/6, pp. 593-617.
Nagle, John. 2018. “Crafting Radical Opposition or Reproducing Homonormativity? Consociationalism and LGBT Rights Activism in Lebanon,” Journal of Human Rights, vol. 15, no. 1, pp. 75-88.
Naber, Nadine and Zeina Zaatari. 2014. “Reframing the War on Terror: Feminist and Lesbian, Gay, Bisexual, Transgender, and Queer (LGBTQ) Activism in the Context of the 2006 Israeli Invasion of Lebanon,” Cultural Dynamics, vol. 26, no. 2, pp. 91-111.
Puar, Jasbir. 2013. “Rethinking Homonationalism,” International Journal of Middle East Studies, vol. 45, pp. 336-339.
Rao, Rahul. 2010. Third World Protest: Between Home and the World (Oxford: Oxford University Press).
Rao, Rahul. 2014. “The Locations of Homophobia,” London Review of International Law, vol. 2, no. 1/2, pp.169-199.
Rao, Rahul. 2015. “Global Homocapitalism,” Radical Philosophy, vol. 194, pp. 38-49.
Ratele, Kopano. 2014. “Hegemonic African Masculinities and Men’s Heterosexual Lives: Some Uses for Homophobia,” African studies Reviews, vol. 57, no. 2, pp. 115-130.
Richter-Montpetit, Melanie and Cynthia Weber. 2017. “Queer International Relations.” Oxford Research Encyclopedias. Available at: http://oxfordre.com/politics/view/10.1093/acrefore/9780190228637.001.0001/acrefore-9780190228637-e-265
Ritchie, Jason. 2010. “How Do You Say ‘Come Out of the Closet’ in Arabic?: Queer Activism and the Politics of Visibility in Israel-Palestine,” GLQ: A Journal of Gay and Lesbian Studies, vol. 16, no. 4, pp. 557-576.
Rizk, Anthony and Ghassan Makarem. 2015. “‘Masculinity-Under-Threat:’ Sexual Rights Organizations and the Masculinist State in Lebanon.” Civil Society Review, vol. 1, pp. 97-108.
Said, Edward. 1978. Orientalism (New York: Pantheon).
Shabby, Amar. 2012. “Helem and the Weapons of Patriarchy.” Kaosgl. Available at: http://www.kaosgl.org/page.php?id=12341
Sukarieh, Mayssoun. 2015. “The First Lady Phenomenon: Elites, States, and the Contradictory Politics of Women’s Empowerment in the Neo-liberal Arab World,” Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, vol. 35, no. 3, pp. 585-587.
Traub, Valerie. 2008. “The Past is a Foreign Country? The Times and Spaces of Islamicate Sexuality Studies.” In: Banayan, K. and Najmabadi, A. (eds.), Islamicate Sexualities: Translations Across Temporal Geographies of Desire (Cambridge, MA: Harvard University Press), pp. 1-40.
Yegenoglu, Meyda. 1998. Colonial Fantasies: Towards a Feminist Reading of Orientalism (Cambridge: Cambridge University Press).
Young, Robert C. J. 2009. “What is the Postcolonial?,” ARIEL: A Review of International English Literature, vol. 40, no. 1, pp. 13-25.