الفانتازيا والصوفيّة والإيروتيكيّة في فاطْمة لرجاء عالِم
يقدّم هذا المقال قراءةً دقيقةً لرواية رجاء عالِم بعنوان فاطْمة: روايةٌ عن الجزيرة العربيّة الصّادرة في العام 2005. وأجادل هنا أن عالِم تصوّر الإيروتيكيّ بطرقٍ مشابهةٍ لتعريف أودري لورد – كمدخلٍ لتحقيق الذّات وإكرامًا ل”كمال” العمق الشّعوري للإيروتيكيّ. وتوظّف الكاتبة السّعوديّة الفانتازيا الذي تستخدمه الكاتبات للتعبير عن السياسات النسويّة، لتقدّم تجسيدًا نصّيًا للعلاقة بين الإيروتيكيّ وتحقيق الذّات وتمكين النساء، وهي أمورٌ تتطلّب بشكلٍ محوريٍّ معرفة الذّات وإستكشافها. وتفيد عالِم بأنّ معرفةً أعمق بالذّات يمكنها أن تفتح للنساء إمكانيّاتٍ غير محدودةٍ من الكينونة والإدراك، بما فيها علاقةٌ أوثق مع العالمَين الطّبيعي والغيبيّ. وبالتالي، تقدّم عالِم ميثولوجيا أنثويّةً تخلق واقعًا بديلًا وتقوّض الثنائيّات التي تسِم التفكير الأبويّ، مثل المادّي/المجرّد، البشري/غير البشري، الرجل/المرأة والطبيعة/الحضارة.
لين هاشم كاتبة ومؤدّية نسوية تعيش في بيروت. حازت على شهادة الماجستير في علوم الجندر والجنسانية من جامعة لندن، وهي جزءٌ من مجموعاتٍ نسويةٍ عدّة في لبنان والمنطقة. نُشرت كتاباتها وترجماتها في عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية من بينها ملحق "شباب السفير" ومجلة "كحل" لأبحاث الجسد والجندر. عملت كمدرّبة ومستشارة وباحثة في عددٍ من المؤسسات من بينها "فريدا: الصندوق النسوي الشاب" والجامعة الأميركية في بيروت. تشارك باستمرارٍ في أمسياتٍ شعريةٍ ومهرجاناتٍ فنيةٍ في لبنان والخارج. في أيار 2018، كتبت عرض "المسافة الأخيرة" وأدّته مع الفنان والراقص ألكسندر بوليكفتش في ختام معرض "رسائل حب إلى ميم" من تنظيم ديمة متى في بيروت، ثم في بلفاست وكتماندو. تعمل حاليًا على نشر مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان "حقد طبقي".
في تلك اللّيلة شاهدتُ عتبة النافذة، وشاهدتُ القمر يجفّف الدّم عن الدّرب، وحلمتُ بأنياب الجُلجُليّةِ تملأ فمي، وبالحراشف تغطّي جسدي. وفي الصّباح رأيتُ العالم بعينَي حيّةٍ، وشعرت بدمِ الحيّة يجري في جسدي. الأفعى، ميتونو، مَثيلتي الحيوانيّة. كنتُ حصينةً من سمّها. إلى لأبد، حصينةٌ.
غلوريا أنزالدوا (48)
تشكّل رواية فاطْمة: راويةٌ عن الجزيرة العربيّة نموذجًا عمّا يسمّيه صبري حافظ – مستعيرًا مصطلح إيلاين شووالتر1 – ب”الكتابة الأنثويّة”، وهي تمثّل مرحلةً معقّدةً من النسويّة (158). وبخلاف الكتابة النسويّة التي تركّز بشكلٍ رئيسٍ على محاولة إسقاط النظام الأبويّ، تنبثق الكتابة الأنثويّة من مفهومٍ مفاده أن محاولة إسقاط عديم الفائدة، وتدعو بدلًا من ذلك إلى تركيز جهود النساء على سدّ الثغرات وتعطيل هذا النظام من خلال تأكيد حضورهنّ عبر تمثيل الجسد، والتاريخ غير الرسميّ، وتاريخ النساء، والبصيرة والوقائع المتحرّرة من الثنائيّة (حافظ، 75-170). وفي هذه الرواية، تستعيد عالِم تراث شبه الجزيرة العربيّة ورواياتها الأسطوريّة من خلال وضع تواريخ النساء في الواجهة. وتُعدّ عالِم إحدى أبرز الكاتبات السعوديّات المعاصِرات وأكثرهنّ إنتاجًا، وفازت بجائزة بوكِر العربيّة في العام 2011 بالشّراكة مع الكاتب المغربي محمّد الأشعري عن روايتها طوق الحمام. وتقدّم عالِم في روايتها واقعًا بديلًا تتعطّل فيه محدوديّات وقيود وهرميّات وقمع العالم الحقيقي للرّواية، من خلال أشكالٍ أخرى من المعرفة واللّغة والهويّة. وبمزيدٍ من التحديد ومن خلال إستخدامها الفانتازيا، تصوّر عالِم القيمة التحرّريّة لهذا العالم البديل من خلال مفهوم الإيروتيكيّ، الذي يمثّل غالبًا العنصر المكبوت بحسب أودري لورد، كما يشكّل قوّةً أو مصدرًا لزيادة المعرفة بالذّات، والإدراك، والمشاعر والفعل. وتشرح لورد الإيروتيكيّ ك”حسٍّ داخليٍّ بالرّضى، ما إن نعيشه حتّى ندرك أن بإمكاننا أن نطمح إليه”، ومن بعد هذه التجربة لا يمكننا أن نطلب “ما هو أقلّ من أنفسنا” (209). بالتالي، ما إن تُحتضَن هذه الحاجة لإكتمال الوجود، حتى تبدأ رحلة إكتشاف الذّات وفهمها، وتنتج عنها طرقٌ إدراكيّةٌ أكثر شمولًا، تقوّض الثنائيّات والهرميّات الموجودة.
توظّف عالِم الفانتازيا لتتصوّر كيف كانت حيوات النساء لتبدو من خلال هذه الطّرق الاوسع للحياة والرؤية والإحساس. إذًا، يركّز هذا المقال على كون الإيروتيكيّ عنصرًا محوريًّا بالنسبة للفانتازيا، ما سمح للنساء في الأزمان الماضية بالتواصل مع العالم المحيط بهنّ بشكلٍ مختلفٍ (البشريّ، الطّبيعيّ والروحانيّ)، وبالتالي عيش حيواتٍ أكثر قوّةً. وفي الزّمن المعاصر الذي تدور فيه أحداث الرّواية، يصبح الإيروتيكيّ عنصرًا مفتاحيًّا في رحلة البطلة فاطْمة لإكتشاف الذّات، حين تتّصل بهذه القوّة وبالفانتازيا. ومن خلال العناصر الغيبيّة الممزوجة بالصوفيّة، تحتفي رواية عالِم بالأساطير والتواريخ التراثيّة، وتحديدًا بتواريخ النساء التراثيّة الأقدم، والمعرفة الحاملة لهذه الوقائع البديلة.
وبالإرتكاز على تعريف وظائف الفانتازيا، فإنّ هذا الصّنف الأدبيّ هو الأكثر جدارةً بتصوير المواضيع التي تستكشفها رواية عالِم2. فالتخيّلات تحثّ على مراجعة الإجتماعيّ والطبيعيّ والوقائع المجرّدة، وكذلك أنماط الإدراك الكامنة فيها. وتسمح لنا هذه المراجعة برؤية العالم من جديدٍ من خلال دعوتنا لرؤيته بشكلٍ مختلفٍ، ولتصوّر وقائع أشدّ إرتباطًا بالعدالة الإجتماعيّة (براولي، 12). لقد قرأت فاطْمة كتخيّلٍ خاصٍّ بالمراجعة بدلًا منها كتخيّلٍ خاصٍّ بالوهم والنظر. وبحسب كاثرين هيوم، إن “أدب المراجعة يسمح للناس بالهروب من أنظمة السّلطة المَعيوبة في ثقافتهم/ن والقائمة على الإدراك العقلي، ويدعهم/ن يختبرون إمكانيّاتٍ أخرى في تشكيل التجربة، سواء كانت دينيّةً أو مثاليَة (يوتوبيا)” (مقتبس في براولي، 7). وفي أشكاله الدينيّة أو المثاليَة الأكثر عمقًا، يحثّ هذا الأدب القرّاء/القارئات على “إعادة إكتشاف” الواقع، لا على الهرب منه (8). وفي إعادة تصوّر الثقافة، “يقتفي التخيّل أثر ما لا يُقال ولا يُرى في الثقاقة: ذلك الذي أُسكِت، وجُعل غير مرئيٍّ، وغُطّيَ وغُيّب” (جاكسون، 4). هكذا، تمنح فاطْمة القرّاء والقارئات إمكانيّة إعادة تصوّر تجاربهم/ن، من أجل إستعادة وإعادة تأويل العناصر الثقافيّة المُسكتة والمهمّشة والمُشيطنة في شبه الجزيرة العربيّة، بما فيها التواريخ غير الرسميّة وأشكال المعرفة والرّموز الكامنة فيها. بالتالي، لا تكتفي عالِم فقط بتقويض الثنائيّات والهرميّات التقليديّة للماديّ/المجرّد، البشري/غير البشري، الرجل/المرأة والطبيعة/الحضارة، بل تعيد إلى التاريخ أيضًا عناصر الثقافة المكبوتة من خلال كتابتها.
إدخال فاطْمة في العالم الإيروتيكي: إستعادة الرموز “الأنثويّة”
في هذه الرواية، فاطْمة التي كانت مرّةً فتاةً بسيطةً في شبه الجزيرة العربيّة في الزمن الحديث، متزوّجةٌ من زوجٍ ظالمٍ إسمه ساجر، وهو حاوي أفاعٍ. منذ بداية زواجهما وطيلة عشرين عامًا، يظلّ ساجر منعزلًا عن زوجته ويحرمها حقّها في الشّعور، ما يختزل زواجهما حصرًا إلى علاقةٍ جسديّةٍ خاليةٍ من الإثارة الجنسية والحبّ. وفي إحدى المرّات بعد زواجهما، تتعرّض فاطْمة لعضّةٍ من إحدى أفاعي ساجر السّامّة، وعلى الرّغم من أن العضّة كادت أن تقتلها، إلا أنها جعلتها تعيش أيضًا أحاسيس إيروتيكيّة3. ونتيجةً لذلك، تنطلق فاطْمة في رحلةٍ شفائيّةٍ باطنيّةٍ عبر الإيروتيكيّ. وفيما تغدو أكثر وعيًا لجسدها وذاتها الباطنيّة وقدراتها، تدخل فاطْمة في تحوّلٍ تدريجيٍّ إنّما تمكينيٍّ لتصبح إمرأةً قويّةً وأكثر إلغازًا. وتقود معرفة الذّات بفاطْمة إلى فهمٍ موسّعٍ ومدارك متعدّدةٍ، فتغدو قادرةً على التّواصل بشكلٍ مختلفٍ مع الناس وعالم الطّبيعة والحيوان، وكذلك مع العالم الروحانيّ. لكن الأهمّ، أن مدارك فاطْمة الموقَظة تسمح لها بتذكّر قصص جدّتها ذات الشخصية القويّة، وبأن تكون واعيةً لتواريخ أخرى تمثّل طرقًا بديلةً للكينونة، بما فيها طريقةٌ مختلفةٌ للعلاقة مع الإيروتيكيّ. وفي نهاية الأمر، تستعيد فاطْمة هذه التواريخ ليس فقط من خلال عمل الذّاكرة والمشافَهة، بل من خلال الفنّ أيضًا، إذ تطرّز هذه القصص على عباءتها التي تكاد في حدّ ذاتها أن تأتي إلى الحياة.
عبر إطلاق رحلة فاطْمة بعضّةٍ من الأفعى، تعيد عالِم كتابة الأفعى كمصدرٍ للشفاء والتغيّر والتتغير. وفي كلا التقليدَين اليهودي – المسيحيّ والعربيّ – الإسلاميّ الشّعبي، تقترن الأفعى بقصّة الهبوط والخطيئة الأولى، رامزةً إلى الخداع. وبالتالي، تستعيد كتاباتٌ كهذه الرمزيّة السلبيّة للنساء وتهبها معاني جديدةً وتمكينيّةً (سليمان، 132). وتستخدم الكاتبة الأفعى بناءً على رمزيّتها القديمة كرمزٍ للشفاء، والأنثوي، والذّات الباطنيّة، والمحجوب والمجهول (أبو يحيى، 259). وكما سأوضح لاحقًا، إنّ المحجوب في الرواية هو الذّات الباطنيّة التي تتضمّن الإيروتيكيّة الأنثويّة، فحين تعضّها الأفعى، تشعر فاطْمة بأنّها “محمومةٌ باللّذّة” (19). إنه بالتحديد الشغف الإيروتيكي الذي يراه ساجر في عينَي فاطْمة بعد أن تتعافى من العضّة، إذ تظهر “لمعةٌ إيروتيكيّةٌ جليّةٌ في عينيها” (23). وبالإضافة إلى إطلاق الرّغبة في جسدها مباشرةً بعد تعرّضها لعضّة الأفعى، يتحرّر صوت فاطْمة، فتطلق عن غير قصدٍ صوتًا قويًّا يحيّر ساجر الذي يعجز عن معرفة “ما إذا كانت الصّرخة أتت من زوجته أم من الأفعى”، إذ بدا الصوت “ما بين الصّيحة والفحيح” (19).
تجادل لوس إيريغاري أنّ الإيروتيكيّة الأنثويّة متعدّدة الأوجه غير معترفٍ بها في “قانون الأب” (28). وكما في هذا التعريف، تطرح عالِم أن الشفاء يمكن أن يتمّ فقط من خلال العناصر المتعدّدة للإيروتيكيّ. وعلى نحوٍ مماثلٍ، تقارن غلوريا أنزالدوا القدرة على العيش الكامل والتحرّك بحريّةٍ، وهما أمران غالبًا ما تُحرم النساء منهما، بحركة التلوّي الخاصّة بالأفعى. وتكتب أنزالدوا، “مقيَدات، مشلولاتٌ، لا يمكننا التقدّم، ولا يمكننا التراجع. تلك الحركة المتلويّة للأفعى، حركة الحياة بذاتها، أرشق من البرق، متجمّدة” (20-21). وفيما كانت فاطْمة مشلولةً عاطفيًّا وجسديًّا، إستهلّت الأفعى، رمز الحركة، رحلتها “الخياليّة”. لقد تطلّب الأمر تجربةً على شفير الموت لتدفع بها في رحلةٍ إلى أماكن مختلفةٍ تتعطّل فيها محدوديّات وهرميّات عالمها “الحقيقيّ”، وتغدو فيه قادرةً ليس فقط على الإحساس، بل أيضًا على صقل مشاعرها وأحاسيسها. والأهمّ، أن فاطْمة بذاتها تصبح إمرأةً – أفعى، ترى من خلال “عينَي أفعى” وتتحرّك مثلها، كما تكتب أنزالدوا.
وفيما تستكشف الرواية الإيروتيكيّ في حيوات النساء في الماضي وتستعيده في الزمن المعاصر، فإنّها تُظهر أيضًا كيف تبدو الحياة وتُعاش من دونه بالنسبة إلى فاطْمة. إن العلاقة الجنسيّة العنيفة والموهنة التي يفرضها ساجر على فاطْمة هي علاقةٌ قمعيّةٌ، لاسيما أنها تخلو من أيّ حسّيّة أو إتّصالٍ بعالمَيهما الباطنيّين. وهذا النّقص في معرفة الذّات الذي يؤدّي إلى نقصٍ في فهم الآخرين/ات، تشبّهه عالِم بوضع قناعٍ يجعل التّواصل الحقيقيّ مستحيلًا. وبالتالي، يظلّ ساجر منعزلًا عن زوجته، فيما “ليلةً بعد ليلةٍ، واجهت فاطْمة هذا القناع. طيلة عشرين عامًا أطعمته، وغسلت خِرقَه وشاركته السرير. طيلة عشرين عامًا كانت تُعامَل كشيءٍ، كانت تُداس” (4). وكما هو متوقّعٌ، إنّ علاقة كهذه هي علاقة تجريدٍ من الإنسانيّة بالنسبة إلى فاطْمة أيضًا. بالطبع، تختار عالِم أن تفتتح الرواية بوصف ساجر، مشيرةً إلى أنه ليس فردًا نموذجيًّا في مجتمعه، فهو “مسكونٌ بالشّياطين الزّرق”، وتُلحظ هنا المفارقة بين “هيئته الزرقاء” (1) وارتباط فاطْمة لاحقًا بالحيوانات ذات الدّم الحارّ (76).
تلمّح الراوية بشكلٍ متكرّرٍ إلى الصّلة بين ساجر ونمط الحياة الحديث، لاسيما السيّارات التي تصفها بأنها عفاريت عصر الآلة. وفي الليلة الأولى بعد طرده لها إلى الشارع بسبب تحوّلها الذي كان يزداد قوّةً أكثر فأكثر4، تذكّر السيارات الحمراء فاطْمة بساجر وعلاقتها به، كما لو كان هناك “ينقضّ عليها” بنفسه (4). على نحوٍ مماثلٍ، تلاحظ فاطْمة وجوه السّائقين الذين كانوا يمرّون بجانبها ويطلقون أبواق سيّاراتهم عليها فيما كانت تقف في منتصف الطريق وفي منتصف اللّيل؛ كانوا يبدون منوّمين وفاقدي الشّعور، كأنهم يضعون قناع ساجر (3). بمعنًى آخر، تميّز عالِم بين التصوير المجازي الشّبيه بالآلة والحداثة المُجتثّة من جذورها من جهةٍ، وبين معرفة الذّات وإكتشاف الإيروتيكيّ من خلال شخوص وأساطير الأسلاف من جهةٍ أخرى.
بخلاف منزلها الزّوجي، تخيّلت فاطْمة مساحاتٍ ذات دلالاتٍ إيجابيّةٍ: نجران، المكان الذي تسافر إليه في خلال رحلتها التخيّليّة، هي التجسيد الجغرافي لواقعٍ خياليٍّ بديلٍ، وهي مسمّاةٌ بإسم منطقةٍ جغرافيّةٍ حقيقيّةٍ تقع في الجزء الجنوبيّ من أراضي السّعوديّة اليوم، بعد أن كانت جزءًا من اليمن ثم باتت تخضع للسيادة السّعوديّة في العام 1939. والأهمّ، أن تواريخ المنطقة غير الرسميّة والمتعدّدة مُتضمّنةٌ في العالم الأسطوري الغنيّ الذي تجسّده المنطقة، على عكس عالم الرواية “الحقيقيّ”. في الواقع، كانت لفاطْمة ذكرى عظيمةٌ في نجران لدرجة أنها تشعر بالإنهاك كلّما تذكّرتها. لكن إرتباطها بنجران لا يمثّل رفضًا لما هو حديثٌ وإعادةً لثنائيّتَي الماضي/الحاضر والتقليد/الحداثة، إنّما هو تماهٍ مع واقعٍ بديلٍ متضمّنٍ في أساطير المنطقة وتواريخها التراثيّة.
بالإضافة إلى ذلك، لا تسعى عالِم إلى إعادة خلق ثنائيّة الرجال العرب الأشرار/النساء العربيّات الضحايا. ففي الوقت الذي يُمثّل فيه ساجر الذّكر المقموع والقامع عاطفيًّا، تصوّر عالِم رجالًا عربًا آخرين من الزمن الحاضر في الرواية بطريقةٍ أكثر إستحسانًا، فالبوّاب اليمنيّ مثلًا هو الذي يأتي لنجدة فاطْمة في تلك الليلة حين تجد نفسها على قارعة الطريق مطرودةً من منزلها الزّوجي.
إنّ الإشارة إلى اليمن هنا هي ذات دلالةٍ فريدةٍ أيضًا: فاليمن هو المكان الذي يتحدّر منه العرب، وهو المنطقة التي حكمتها ملكة سبأ، ورمزٌ للإزدهار. كذلك يُمثّل اليمنيّ في الرواية العنصر الروحانيّ المتمّم لتحوّل فاطْمة: فهو ينشد صلاةً قديمةً تصفها ب”العتيقة” (4). إنّها صلاةٌ تذكّر بالصوفيّة الإسلاميّة تحديدًا، وهي جوانب سأتطرّق إليها في القسم الأخير من هذا المقال. كذلك تشعر فاطْمة بالإطمئنان لذلك الشابّ اليافع الذي ينزل من سيّارته ليساعدها ظنًّا منه أن البوّاب يلاحقها. وعلى الرّغم من صغر سنّها، تستشف فاطْمة أنّ شيئًا ما في ذلك الرّجل “يبدو كأنّه بُعث من زمنٍ بعيدٍ” (4). ويقوّض كلٌّ من اليمنيّ والشّاب اليافع القواعد الإجتماعيّة المُجندرة من خلال مخاطبة فاطْمة وإحترام رغبتها بالبقاء لوحدها.
وعلى الرّغم من أن عالِم تقدّم تمثيلًا مختلفًا للرّجال، إلا أنّ روايتها تركّز بشكلٍ رئيسٍ على النساء وعالمهنّ، وتحديدًا على القدرات الخاصّة لدى الأجيال السابقة من النساء، والتي باتت اليوم منسيّة. وبخلاف إرتباك فاطْمة وكبتها الجنسيّ، تهبها علاقاتُ جدّتها البشريّة وغير البشريّة حريّةً لا يتيحها لها الزمن الحديث. وتلمّح عالِم من خلال بنية الرواية إلى تفضيلها هذه الأنماط من الكينونة. إذًا، بدلًا من التركيز على عرس فاطْمة في الفصل المعنوَن “ليلة عرسها”، تستعيد عالِم قصّة الجدّة الأسطوريّة، شُملة، التي تحتفي بكلّ ما ينقص فاطْمة في زواجها، والتي يقود بها الإيروتيكيّ إلى إمكانيّاتٍ حيويّة. كذلك، إنّ القصص التي تسمعها فاطْمة عن جدّتها، تكشف عن إمرأةٍ فهمت وعاشت دور الرّغبة في تمكين المرأة، كما حثّت النساء الأخريات على فهمه وعيشه أيضًا.
الإحتفاء بشخصِ الجدّة: البشريّ، والطبيعيّ والغيبيّ
فاطْمة هي إحتفاءٌ بجيلٍ أسبق من النساء اللواتي لم يكنّ منقطعاتٍ عن مشاعرهنّ العميقة ومعرفتهنّ الباطنيّة، وبالتالي، إمتلكن قدراتٍ فقدتها النساء اليوم، لكن مازال نقلها عبر الأجيال ممكنًا من خلال الإيروتيكيّ. تستخدم عالِم عناصر الفانتازيا المتنوّعة وأساطير تراثيّةً لالتقاط قدرات شُملة. في الرواية، نعلم أن شُملة أُبعِدَت عن عالمها الطبيعيّ الذي أحبّته، عندما تركت عائلتها موطنها القبلي لتنتقل إلى مكّة. وتقيّد هذه الهجرة حريّة شُملة في الحركة فتغدو أسيرة “غرفٍ كالأقفاص في منزلها ذي الطابق الوحيد”. لكن بدلًا من أن تُصاب بالإحباط، تستبدل شُملة بيئتها المفقودة بالإتّصال بعالمها الباطنيّ، وتبني من حولها مجتمعًا من النساء اللواتي تعلّمهنّ وتلهمهنّ ليكنّ ذواتهنّ الطبيعيّة، وليعبّرن عمّا يدور في أذهانهنّ وعن مشاعرهنّ من دون قيودٍ أو خوف (7). كذلك تعطي شُملة للنساء الشابّات نصائح تركّز على أهميّة الجنس والجنسانيّة وإزالة العقبات من الطرق المؤدية الى الحب (8).
بالإضافة إلى روحها الطّليقة وقدرتها على إستخراج أفضل ما في الناس من حولها، تصف عالِم شُملة كامرأةٍ “تجلس لتمزج أوراقها ومساحيقها السحريّة”، لمساعدة النساء اللواتي يختبرن مشاكل في حيواتهنّ العاطفيّة. بإحترافٍ، “لم تفشل جرعاتها السحريّة في تنقية القلب والأعضاء الحيويّة الأخرى”، وبفضل قوّة الكلمات والأعشاب، لم تكن النساء في حياة شُملة أغراضًا للرغبة، بل فاعلاتٍ لهنّ القدرة على التحكّم في عواطف الرّجال. كانت شُملة تخبر الشابّات أنّ من الضروريّ “ألا يؤنّسن العشّاق أبدًا حين تكون أعضاؤهنّ خاملة، لأن ذلك سيترك إنطباعًا هزيلًا ويُضعف رغبته”. إذًا، تُقدّم الإيروتيكيّة الأنثويّة في الرواية كسلاحٍ يمكن للنساء إستغلاله (8). ومن خلال التشديد على الدور التمكينيّ للإيروتيكيّ في حيوات النساء عبر تصوير جلساتهنّ، تقوم عالِم بمراجعة وتسييس معنى مجتمع النساء وما يحدث في إجتماعاتٍ كهذه.
إنّ هذا الشغف المفرط بالحياة الذي تتمتّع به شُملة ونساءٌ أخرياتٌ من عائلتها، يمنحهنّ أيضًا تعميرًا أسطوريًا وزيجاتٍ متعدّدة. وتستذكر فاطْمة أن شُملة “عاشت…لوقتٍ طويلٍ كافٍ لتشهد وفاة كلّ رجلٍ في العائلة: إثنا عشر أخًا، وثلاثون عمًّا، ومئاتٌ من أبناء العمّ، وعشراتٌ من الرّجال الذين استمرّت بالزواج منهم” (6). وكانت هذه الرغبة تدفع فاطْمة للتساؤل دومًا عن مصدر الشغف بالحياة الذي كان “يهتاج” في نساءٍ مثل جدّتها، اللواتي كنّ غالبًا محجوزاتٍ في غرفهنّ بسبب تقدّمهنّ في السنّ، واللواتي كنّ بالكاد ينهضن من فرشهنّ عن الأرض (7). إذًا، تُعلم فاطْمة القارئ/ة بأنّ مظهر حجز النساء في الماضي كان وهمًا، إذ على العكس من ذلك، كنّ يعِشن حيواتٍ متحرّرةٍ خلف الأبواب المغلقة، وهي حياةٌ تقدّم لنا شخصيّات عالِم الفرصة للتعرّف إليها.
وتكشف الرّواية أن شُملة أنجبت إبنها منصور، والد فاطْمة، “عندما كانت، بحسب التقديرات التقليديّة، تبلغ من العمر مئةً وخمسين عامًا” (6). وعندما بلغ الإبن عامه العشرين، زوّجته بصديقةٍ لها كانت تبلغ من العمر سبعين عامًا، توفّيت وهي تنجب فاطْمة في عمر المئة (6). ويمكن وصف العالم الذي كانت تحكمه شُملة قبل إنتقالها إلى مكّة ب”اليوتوبيا الأموميّة”، إذ تحتلّ فيه الأم مركز النظام الرمزي بدلًا من الأب. وفي هذا النظام، يُعدّ عكْس الأدوار الجندريّة أمرًا إعتياديًّا، وعَليه زوّجَت شُملة إبنها بامرأةٍ تكبره بكثير. في اليوتوبيا الأنثوية، يُقصى الرّجال إجمالًا وتُقدّم الأدوار الجندريّة المعكوسة كمعيارٍ جديد. لكن فيفاطْمة، لا توجد أدلّةٌ تفيد بذلك: فالرجال غير مقصيّين، وأشكال الزواج التقليدي ماتزال ممكنةً، والأدوار الجندريّة التقليديّة تستمرّ. وعلى سبيل المثال، يُنظر إلى النساء في الرواية كحاضناتٍ، كما يشير الإسم الذي تمنحه شُملة لحفيدتها فاطْمة، وهو يعني “المربية” “أو المرضِعة” (7).
إذًا، من المشروع الإستنتاج بأن مجتمع شُملة يستعيد ويحتفي بجوانب مرتبطةٍ بالأنثوي، بدلًا من عكْس الهرميّة الجندريّة فحسب. وفي خلال ذلك، تنجح هذه الإستعادة في طمس الهرميّة الموجودة. إنّ إرتقاء فاطْمة إلى وضعٍ مشابهٍ لوضع جدّتها، كما أُبيّن لاحقًا، يقوّض بشكلٍ مماثلٍ الثنائيّات الهرميّة. لكن أوّلًا، كما يُظهر القسم التالي من المقال، كان على فاطْمة أن تعي وتحتضن أنوثتها الخاصّة بها وذاتها الباطنيّة، كما فعلت شُملة في الماضي. وعلى الرّغم من أن فاطْمة تُبدي قبل تحوّلها سماتٍ مشابهةٍ لسمات جدّتها، ويُستَشعر ذلك من القصص التي تتذكّرها عنها، إلا أنّها تغدو مثل شُملة وأكثر وعيًا بشخصيّة جدّتها وقصصها بعد إنطلاقها في رحلتها الباطنيّة. وسوف أجادل بعد قليلٍ أن معرفة الذّات لدى فاطْمة تشتمل على معرفتها بنَسَبها الأنثويّ، كما يتمظهَر في الفنّ ورواية القصص.
بالإضافة إلى ذلك، إنّ حبّ شُملة للحياة لا يساوي الخوفَ من الموت، بل يساوي إحتضان الموت أيضًا. في الواقع، تتآلف الجدّة مع كون الموت قريبًا إليها، وتخبر صديقاتها بأن عزرائيل، ملاك الموت، ينام تحت سريرها (7). وحين يغادر، تلحق به لأنها لا تحتمل أن تراه يرحل، وهكذا تموت. وليس من المصادفة أن شُملة لا تخاف الجنسانيّة ولا الموت، إذ تجادل أنزالدوا أن البشر يخافون الغيبيّ بشكلَيه الدّنِس (النزعات الحيوانيّة كالجنسانية ]و[ اللّاوعي…) والقُدسيّ (ما فوق الإنساني، الإله/ة فينا) (17). بمعنىً آخر، إن المرأة التي أرست إتّصالًا وثيقًا جدًّا بالعالمَين الطبيعيّ والغيبيّ، لا تخشى النزعات الحيوانيّة ولا الفنائيّة الإنسانيّة.
تعي الجدّة أنها تقترب من الموت، وتبدأ بالصّيام عن الطّعام ما عدا العسل. وفي اللّيلة السابعة، تتبع ملاكَ الموت، ويجدها الجيران “جالسةً ببهاءٍ في منشعب شجرة نبكٍ تحدّق نحو الأفق، في إتّجاه جبال موطنها العظيمة” – جبال شمّر (9). وتشير الصّورة إلى التاريخ التراثيّ لشبه الجزيرة العربيّة، حيث ترمز هذه الجبال إلى العشّاق سيّئي/ات الطّالع، كما تذكّر بالرابط بين عالمَي الإنسان والطّبيعة. وأجادل أن حياة شُملة من بدايتها حتّى نهايتها تدور حول الحبّ، الرومانسيّ والروحانيّ منه. مجدّدًا، تستحضر هذه السرديّة عمق العلاقة بين شُملة وعالم الطّبيعة التي تزداد قوّةً بعد موتها، إذ أنّها لا تُدفن مكسوّةً تمامًا بالأخضر فحسب، بل أيضًا “تتكثّف” رائحة شجر النبق التي كانت تنضح بها دومًا، حين يغطّي الجيران جثمانها ببلاطةٍ حجريّة (9). وكما تموت عناصرها البشريّة، يعيش جزءٌ آخر منها في الطبيعة. في عالم شُملة الفانتازيا، يُقوَّض تفوّق البشر على البيئة الطبيعيّة، إذ لدى الناس الكثير ليتعلّموه من الطّبيعة. ومعرفة شُملة الجنسيّة مثلًا، تستقي كثيرًا من العالم غير البشري: “تستخدم الحيوانات غرائزها لتعطي الأرض شيئاً من القدسية بأنفاسها وعرقها وبولها – أيّما شيءٍ قادرٍ على وَسْم التّراب وتطويع إهتمامه”، تقول للنساء الأخريات، “والأمر ليس مختلفًا بالنّسبة إليكنّ وإلى شركائكنّ” (8). هنا، يمكننا تفسير وحدة الطبيعة مع عالم الإنسان وسطوتها عليه من خلال مفهوم “الخشوع” الذي يعرّفه كريس براولي على أنّه عناصر العالم الطبيعي، أو الكائن البشري، أو الوحدة بينهما التي تلهم “الشعور الدّيني بالرّهبة، التي هي جوهر كلّ التقاليد الدّينيّة الرّئيسة” (5-6). ويصوّر الكتّاب والكاتبات الخشوع كنظرةٍ أكثر تواضعًا وإكرامًا للطّبيعة، وهي نظرةٌ تماثل العبادة الدّينية (6). في رواية عالِم، تصبّ علاقة شُملة بالطبيعة والغيبيّة في تقليدٍ دينيٍّ محدّدٍ هو الصّوفيّة. بالطّبع، إن قبول شُملة بالموت ينسجم مع تقليد التصوّف الإسلامي، فبحسب الإيمان الصّوفيّ، تنبعث من القدّيسين/ات المتصوّفين/ات بعد موتهم/ن عطورٌ تشير إلى مكانتهم/ن الرّوحانيّة الرفيعة. في القسم التالي، أبيّن كيف ترتبط الفانتازيا بالصّور الصّوفيّة بغرض تتبّع تحوّل فاطْمة إلى إمرأةٍ ذات قدراتٍ شبيهةٍ بشُملة.
الرّحلة الباطنيّة: فاطْمة كتلميذةٍ وتابعةٍ متصوّفةٍ
كما جدّتها، تحسّ فاطْمة بارتباطٍ بالعالم الطّبيعيّ، وهو شعورٌ يزداد قوّةً بعد تعرّضها لعضّة الأفعى. وفي المرّة الأولى التي تفكّر فيها بزواجها الوشيك من شابٍّ إختاره لها والدها، تقارن فاطْمة نفسها بالنّحل: “الحاضِنة الصغيرة فاطْمة، سليلة ملكة المعمرين والمعمرات، كانت مستعدّةً لتصبح نحلةً في القفير” (10). وبعد ذلك بوقتٍ قصيرٍ، تفكّر فاطْمة في نفسها ك”وردةٍ آكلةٍ للّحوم”، أو “حيوانةٍ طافحةٍ بالطّاقة” (12). ويُلاحَظ أن هذه الإستعارات مستقاةٌ من المشاعر الإيروتيكيّة التي تعيشها فاطْمة. وكما جدّتها التي علّمتها عن الحبّ وقوّة الشعور، صارت فاطْمة مستعدّةً لتشعر بعمقٍ.
أجادل هنا أن دور الإيروتيكيّ في حياة فاطْمة لا يتوقّف عند مستوى اللّغة والإستعارة، بل يثبت أنه تحويليٌّ، إذ يُمدّد قواها الإدراكيّة والحدْسيّة. وكما في قصّة شُملة، يتّسم التحوّل بعناصر سحريّة. في مطبخها، تلمس فاطْمة زخارف “السموات السّبع” على الجرّة النحاسيّة المرصّعة بفرسانٍ من فضّةٍ على شكل نصف إنسانٍ ونصف عصفورٍ، فتبعث لمستها العطوفة الحياة في الفرسان، ما يبثّ الدفء في يديها وخدّيها، وتضجّ الصّور الموقَظة “بصيحاتِ الحرب وصرخاتِ البهجة” (12). تلمسهم مجدّدًا وتشعر بأنها “حيّةٌ بشكلٍ مستحيلٍ” (12). وفيما تترقّب دور الإيروتيكيّ في تمديد قواها، تلاحظ فاطْمة أن “الجزء الحيوانيّ منها يثب إلى الحياة وأنّ ذاتها الباطنيّة تتكشّف” (13). لكن لكونها لم تعيش قواها بالكامل بعد، فهي مازالت تتكلّم من موقعٍ نظريّ. كذلك ينقص فاطْمة الفهم التامّ لطبيعة هذا التحوّل، وينعكس هذا في أفكارها المتناقضة.
تنتِج رحلة فاطْمة الباطنيّة لاستكشاف قواها الإيروتيكيّة والتّواصل معها هويّةً جديدةً بلا حدودٍ ثابتةٍ بين ذاتَيها البشريّة وغير البشريّة. وتلوح هذه الهويّة المُطوّرة في بدايات الرواية، حين تطمس تجربتها القريبة من الموت الفرقَ بين ثنائيّاتٍ عدّة، مثل الحياة والموت والبشريّ وغير البشريّ. وفيما يتوقّع ساجر ووالدها أن تموت سريعًا، تعيش فاطْمة وتدخل طورًا لا يمكنهما فهمه، إذ يعجزان عن معرفة ما إذا كانت ميتةً أم حيّة (20). بعد ذلك، تغدو فاطْمة في حالٍ “بين ما كانته كبشريّةٍ، ونوعٍ آخر صادمٍ من الوجود” (22). وبعد ذلك بقليلٍ، تتموضَع في مكانٍ بين حيوانٍ ونباتٍ (المسك) وإمرأة (25). وأقترح هنا أنّ هذا التجاوز للهرميّات والقيود يُرمز إليه بتسكين حرف “الطاء”5 في إسم “فاطْمة” بدلًا من الإبقاء على كسرِها كما في النّسخة الأصليّة منه “فاطِمة”، ما يشير إلى شطب الأنا الأعلى.
بعد تعرّضها لعضّة الأفعى، يزداد إدراك فاطمة تمدّدًا من خلال توظيفها حواسّها الباطنيّة، ما يقود بها إلى بصيرةٍ متصاعدةٍ جديدةٍ، فتغدو قادرةً على الرؤية عبر أرواح الأشياء والناس، بمن فيهم/ن زوجها. ومن خلال نظرةٍ واحدةٍ إلى ساجر، “إنفتح قلبه وروحه أمامها ككتابٍ. وكانت الرؤية شديدة الوضوح إلى درجة أنها إضطرّت إلى النّظر بعيدًا لتترك له بعض الخصوصيّة”. بالطبع، يكشف تفحّص فاطْمة روحَ ساجر خوفَه التعجيزيّ الذي يمنعه من فعل المثل: “كان محبوسًا لدى عدوٍّ لا إسم له، لدى وحش” (27). إن نقص الفهم الدّاخلي لدى ساجر يجعله منقطعًا عن الناس والعوالم الأخرى، لذلك بالكاد نراه يتحدّث إلى أحدٍ، وكلّما إزداد عجزه عن فهم تحوّلات فاطْمة، إزداد إبتعادًا عنها وعن الآخرين/ات. وربّما كما هو متوقّعٌ، يعتبر ساجر فاطْمة شرّيرةً وسامّةً، كما لو كانت أفعى حقيقيّةً، حتّى أنّه يحذّرها ألّا تقترب منه ليقينه بأن خدشًا واحدًا منها كفيلٌ بقتل رجلٍ، “كانت المرأة سامّةً إلى هذا الحدّ” (28). وكما في طرح أنزالدوا، ترتبط فاطْمة بالمدنّس وتبعث الخوف في زوجها (17). وعلى الرغم من ذلك، يؤمن ساجر بأن الأفاعي ستمنحه القوّة أيضًا: قوّة الحياة المديدة، لذلك يستحمّ في المياه التي يستخدمها لاستيلاد الأفاعي غير السّامة (29)، لكن “مهما بلغت مياه الأفاعي من القوّة”، يظلّ ساجر عاجزًا عن التحوّل (30). وعلى العكس من ساجر الذي يحاول فرض قوّته على الأفاعي ويفشل، باتت لدى فاطْمة القدرة على التحكّم فيها من خلال الإحتضان والرّعاية – فهي الحاضِنة، كما يعني إسمها. في النهاية، وبعد رؤية نجاحها، يسلّم ساجر قواه لفاطْمة، ويرضى بتكليفها بالتعامل مع الأفاعي التي تغدو مفتونةً بها. ونتيجةً لذلك، يشعر الزّوج بالإرتياح والإستسلام العذب (26)، ما يشير إلى تخلّصه من حملٍ ثقيلٍ متمثّلٍ في محاولته التحكّم في مشاعره، وحياته وزوجته.
لقد قرأت فاطْمة كنظيرةٍ لتلميذةٍ متصوّفةٍ ترتقي معرفتها التي تتجاوز الحدود التقليدية على طول الدّرب الروحانيّ. وأقترح هنا أنها كالمتصوّفة، تتطوّر من القدرة على الرؤية عبر الأشياء، إلى القدرة على الرؤية من دون النظر، أو ما يُعرف ب”فنّ العمى”. وبشكلٍ مثيرٍ للإهتمام، تتعلّم فاطْمة هذا الفنّ من خلال مراقبة ظلال الأفاعي، فالفنّ في حدّ ذاته يعكس ثنائيّة الظّلمة/النّور، إذ توصف الظّلمة بأنّها الوسيط الأفضل للإدراك الإنساني، ما يسائل الفرضيّات السّائدة عن التنوير والممارسات التقليديّة للروحانيّة. إنّ سعيها وراء هذا الفنّ يذكّر بالسّعي الواعي وراء تحقيق الذّات والكمال في أفعالنا، وإدراكنا ومشاعرنا التي وفقًا لأودري لورد، قد تنتج عن قوّة الإيروتيكيّ. إنّ هذه الطريقة الجديدة/القديمة للرؤية تقود إلى روابط أعمق، إذ تسمح لها بالعيش في وحدةٍ مع مخلوقاتٍ مجهولةٍ (26)، ما يؤكّد التلازم بين معرفة الذّات والتّواصل مع الآخرين/ات.
إنّ المبلغ الأقصى للدّرب الصّوفي هو فقدان النّفس في الله، الحقيقة المطلقة أو النّور. وبالتّوازي مع حواسّها الباطنيّة حديثة النشوء، يمكن لفاطْمة الآن الإنطلاق في رحلةٍ إلى أصل الذّات والحياة، تكون محطّتها الأولى إحياء مخيّلتها الإبداعيّة كطفلةٍ صغيرةٍ، لكن بقوّةٍ أشدّ يمكنها بعث الحياة في الجماد. تغدو فاطْمة قادرةً على تحويل ظلٍّ إلى “نور”، حامل الرّاية نصف الإنسان/ نصف الأسد الآتي من طفولتها، الذي كان مرسومًا على جرّة والدها النحاسيّة (28). وتقع الحادثة حين تلاحظ ظلًّا معيّنًا على شكل جسم إنسانٍ، لكن بوجهٍ خالٍ من الملامح. بعدها، تقضي فاطْمة عدّة ليالٍ بجانبه إلى أن تنبعث فيه الحياة، فيتّخذ شكل “نور” ذا رأس الأسد، فيما يبدو نصفه الآخر كأفعى، مثل فاطْمة التي باتت تمتلك الكثير من قوى الأفاعي (29). إذًا، يمثّل “نور” براءة الطفولة والذّات الإبداعيّة الأصليّة، وكذلك فاطْمة الجديدة المتمكّنة. بالإضافة إلى ذلك، وبإسمه الذي يحمل معنى الضوء ويُعدّ مؤنّثًا ومذكّرًا، يقود “نور” فاطْمة في الدّروب والطّرق المهمّشة إنما التمكينيّة لرؤية ومعرفة ومحادثة أصل الأشياء – ألا وهي السبل الروحانية. ويمثَل “نور” الدّليل الرّوحانيّ لفاطْمة، ما يذكّر بالمعلّم/ة الصّوفيّ/ة الذي/التي يرشد/ترشد تلامذته/ا على طول الطّريق الروحانيّ، وإرتباط هذه الطّرق الروحانيَة برفيق الطّفولة يشير إلى مفهومٍ إسلامي آخر عن الروحانيّة، هو كونها فِطريّة.
وبما يذكّر بالمفهوم الصّوفي القائل بأن نور الله هو مصدر الحياة، تعود فاطْمة إلى مصدرٍ مشابهٍ، “النّهر الموسيقيّ” التي تغدو مهووسةً به، إذ “لديه القوّة ليخترق سطح الكائنات الحيّة ويُطلق مصدر طاقتهم/ن، مغيّرًا كلّ ما هم/ن عليه” (36). النّهر الذي يشعّ نورًا موسيقيًّا، يمتاز أيضًا بموسيقاه التي تمثّل في الصوفيّة تناغم العالم، وتساعدنا في العودة إلى مصدره. وكما في الصّوفيّة أيضًا، تغدو فاطْمة مؤمنةً بأن كلّ شيءٍ هو إنعكاسٌ وصدىً للنّور والموسيقى الأصليّين، من خلال الجمال والقوّة. يصير العالم عمليّةً إبداعيّةً: “كان بإمكان فاطْمة أن تحسّ بتغيّر الجبال، بحركتها من عصرٍ إلى عصر. كانت موسيقى هذه الحركة تدور في رأسها. كانت فاطْمة كلّ الأشياء – كلّ مخلوقٍ/ةٍ، وكلّ غرضٍ في العالم – مجرّد ظلالٍ يلقيها النّور الموسيقيّ ]…[ راقصةً في الرّقط (الخاصّة بالأفاعي). الموسيقى والنّور – كانا حقيقيّين ]…[ كلّ شيءٍ آخر كان شريكًا عابرًا في هذه الرّقصة” (37). وتردّد رقصة العالم هذه صدى الرّقص الصّوفيّ الذي يمثّل إرتقاءً روحيًّا إلى الحبّ الإلهيّ.
من الملحوظ أن النّهر الموسيقيّ هو الذي تسبح فيه أفاعي ساجر (36). إذًا، هي مياه الأفاعي التي تشكّل مصدر الطاقة التجاوزيّة، النّور، الموسيقى وكذلك الإيروتيكيّ. وتشير عالِم هنا إلى إرتباط العالم الروحاني بالإيروتيكيّ. بالطّبع، تتعلّم فاطْمة أن النّهر هو أيضًا أصل الإنسانيّة بما أنّ الناس وُلدوا/ن من موسيقاه ونوره، حاملين/ات “أنغامه وبنيته المتناغمة في دمهم/ن” (36). إنّ توق فاطْمة المتواصل يدفع بها إلى السّعي أكثر وراء عالمٍ متناغمٍ أسمى، هو الأصل. ومجدّدًا تتعلّم فاطْمة من الأفاعي، ف”تجلس وحيدةً حتّى وقتٍ متأخّرٍ من اللّيل، محاطةً بتلوّيها البدائيّ اللّامتناهي، محاولةً الوصول إلى حال العمى الذي يبدأ فيه جسدها بالغرق في النّهر الموسيقيّ” (36). إنّ صورة فاطْمة وهي تسبح أخيرًا في النّهر الموسيقيّ تدلّ بوضوحٍ على ولادةٍ جديدةٍ وعودةٍ إلى المصدر حيث الجسد والرّوح واحدٌ. ويبدأ جسدها أيضًا بإظهار علاماتٍ مرئيّةٍ تعكس تحوّلها الباطنيّ، ك”خيطٍ رفيعٍ كُحليّ اللّون مُهدّبٍ بأجنحةٍ من الفضّة” يظهر على وجهها ويتنقّل على طول جسدها، مولّدًا المزيد من الصّور كلّما تحرّك (37-8).
ومع التغيّرات التي تحدث لفاطْمة، ومع إكتسابها قوىً شبيهةً بقوى شُملة، تنخرط في الفنّ، نشاطها الأوّل بعد إنبعاثها الرّمزي. تبدأ فاطمة بنقش قصصها وقصص جدّتها من خلال تطريزها على فستانها، لكن بمساعدةٍ من “نور” الذي “أبدى إهتمامًا كبيرًا في كلّ ثنيةٍ من ثنايا الحكاية التي كانت فاطْمة تخبرها من خلال التطريز، حتّى أنّه كان يوجّه الغُرزات” (46). هنا مجدّدًا، وعلى عكس التقاليد العربيّة واليهوديّة – المسيحيّة، لا تُعدّ الأفعى والنساء في فاطْمة مسؤولات عن الهبوط، بل عنالعودة إلى الأصل. أكثر من ذلك، إنّ الإقتران بين الأفاعي والمياه والكتابة يطرح الحاجة إلى تجديد وإعادة إبتكار وكتابة قصّة الخلق بناءً على هذه الرّمزية الجديدة والمُسترَدّة. إذًا، على فاطْمة أن تتعلّم أنماطًا جديدةً من الإدراك والكينونة قبل أن تتمكّن من الكلام والكتابة عن قصّتها، بل حتّى قبل أن تتمكّن من القراءة.
ومن المهمّ أيضًا أن العودة إلى الذّات الأصليّة تقوّض ثنائيّات الجندر والجنس. وتلوح هذه العودة في باكورة الرّواية، إذ أن الأفعى التي تعضّ فاطْمة غير محدّدة الجندر (24). أكثر من ذلك، إنّ “نور” الذي يحمل إسمًا مؤنّثًا ومذكّرًا، يعلّم فاطْمة أهميّة طمس هذه الفروقات، وحين تحاول فهمه وتعريفه بشكلٍ أفضل من خلال سؤاله عن دلائل تقليديّةٍ على الهويّة كلغته وجندره، يجيب:
ما الفرق الذي يصنعه هذا؟ ]…[ ما الرّجل؟ والمرأة؟ ما أنتِ؟ لماذا تهتمّين بهذا؟ كلّ ما عليكِ فعله هو أن تتبعيني. ستصلين إلى إستنتاجاتك الخاصّة. ]…[ أنتِ تفترضين أن هناك حاجزٌ بين الأجناس. ليس من حاجز. سوف تصبحين كلّ الأجناس. في النّهاية، سيُسقِط كلّ مخلوقٍ/ة وكلّ كائنٍ قناعه/ا ويكون ببساطةٍ نفسه/ا – الذّات الواحدة (32).
وفي خلال شرحه لفاطْمة سبب إضطراره للمغادرة كلّما حلّ ضوء النهار، يقول “نور”: “ضوء النهار يجعل الظلّ واضحًا ]…[ لكن أحيانًا من الجميل أن نكون مُبهمين/ات، من دون حوافّ قاطعة” (30). وبينما يجعل ضوء النّهار الهويّة الجندريّة مرئيّةً، يفضّل “نور” أن يبقى في الظّلام وأن يعيش كذاتٍ غير محدّدة الجندر. إذًا، يرمز الظّلام إلى زمنٍ لا تُقيّد فيه الذّات بهويّاتٍ وهرميّاتٍ محدّدةٍ، ويُمنح فيه الناس والأرواح على حدّ سواء، الفرصة للعيش بحريّةٍ خارج القيود البشريّة، في وحدةٍ مع النّور الروحاني.
في الختام، أرى عالِم ككاتبةٍ صانعةٍ للأساطير. والكاتب/ة صانع/ة الأساطير يحاول/تحاول “إعادة خلق ]…[ ميثولوجيا جديدةً من أجل دمج القرّاء والقارئات في إحساس المُتسامي، من خلال توظيف الفانتازيا كنمطٍ تخريبيٍّ من الأدب، بهدف مراجعة معارفنا عن العالم الطّبيعي؛ ولعلّ السّمة المميّزة لهؤلاء الكتّاب والكاتبات سيكون غرس “شعورٍ” دينيٍّ وصوفيٍّ معيّنٍ بالخشوع في القارئ/ة” (براولي، 9). بالطّبع، تدعونا عالِم للنّظر بطريقةٍ روحانيّة إلى العالم الطبيعي وإلى الترابط الذي يجمع بيننا. وفي مقابلاتٍ عدّةٍ معها، تذكر عالِم قراءتها المكثّفة للأدب العربي الكلاسيكي والقصص التي سمعتها من الحجّاج الذين/اللواتي يتقاطرون إلى مكّة في كلّ عامٍ، وأثر ذلك في منحها الإلهام في تجربتها الأدبيّة (بورتر، 33). وتبدو هذه التأثيرات جليّةً في فاطْمة، حيث لا تُسائل عالِم أفكارنا عن الإيروتيكيّ فحسب، بل تمدّنا أيضًا بطرقٍ جديدةٍ لاختبار العالم وخلق واقعٍ بديل. إنّ أنماط الإدراك الجديدة هذه تتمحور حول النساء، وتتحدّى وتتجاوز القمع والقيود التي يفرضها زمن الرّواية المعاصر، من خلال إستعادة الذّات الباطنيّة. إن الرّحلة التي تنطلق فيها فاطْمة وكذلك حياة جدّتها من قبلها، تندمجان في عناصر الفانتازيا والحساسيّة الصوفيّة، ما يطرح فكرة أن إحتضان الذّات الباطنيّة قد يقود في النهاية إلى الإلهيّ. من جهةٍ أخرى، يؤدّي كبت الإيروتيكي إلى خسارة العلاقات الحميمة وتراجع الذّات الإجتماعيّة، وكذلك إلى إنفصالنا عن الروحانيّ وعن القوى الخياليّة المخفيّة التي يمكن أن تكون في متناولنا.
- 1. تستخدم إيلاين شووالتر تعبيرَي الكتابة “الأنثوية” و”النسويّة” في دراستها التصنيفية للتقليد الأدبي الأنثوي في الرواية الإنكليزية (2001). ويحدّد صبري حافظ مراحل مشابهةً في دراسته التصنيفيّة للكتابة النسائيّة العربية (158). هناك بالطّبع بدائل عن الكتابات النسويّة البيضاء ومسارها، فالنسويّات اللواتي لا يأتين من خلفيّاتٍ أوروبيّةٍ أرسَين أو سَعَين إلى تشكيل تقاليدهنّ الأدبيّة والنسويّة الخاصّة بهنّ. وعلى سبيل المثال، إستحدثت الكاتبة الإفريقيّة الأميركيّة أليس ووكر مصطلح “المَرأويّة” (womanism) للإشارة إلى تقليد النساء السوداوات وذوات البشرة الملوّنة ضمن سياق تاريخهنّ المحدّد، وبهدف فضح أشكال العنف داخل النسويّة البيضاء المهيمِنة، مثل العنصريّة والتمييز ضدّ من هم/ن ليسوا/ن مغايرين/ات جنسيًّا. راجع/ي بحثًا عن جنائن أمّنا: نثر مَرأوي (1983) لأليس ووكر.
- 2. يمكن وصف العناصر الخياليّة في فاطْمة بالواقعيّة السحريّة، وهي تقنيّةٌ أدبيّةٌ تصوّر “العناصر الخياليّة في موقفٍ من العالم الحقيقي” (هينيتويك، 11-410)، وقد وظّفها العديد من الكتّاب بمن فيهم/ن النساء، بغرض مَركَزة العناصر والأصوات ووجهات النظر الثقافيّة التي لطالما جرى تهميشها (دهاين، 200).
- 3. أستخدم هنا “الإيروتيكي” بمعنى الرّغبة الجنسيّة، لكن أيضًا في إطارٍ تبادليٍّ مع تعريف لورد له. وكما تشير الرواية، المعنيان مترابطان بشدّةٍ، إذ أنّ مشاعر النساء الجنسيّة تقودهنّ إلى تمكين وتحقيق ذواتهنّ.
- 4. المرّتان الوحيدتان اللتان تركت فيهما فاطْمة بيتها قبل ذلك كانتا حين مرض والدها، ثم حين ذهبت لحضور جنازته.
- 5. في الرواية الإنكليزيّة، تستخدم الكاتبة Fatma بدلًا من Fatima
أبو يحيا، أحمد إسماعيل. الحيَة في التراث العربي. بيروت: المطبعة العصريَة للطباعة والنشر، 1997.
Abu Yahya, Ahmad Isma‘il. Al-Hayyah fi al-turatha al-‘Arabi. Beirut: al-Matba‘ah al-‘Asriyah, 1997.
Alem, Raja. Fatma. Syracuse: Syracuse University Press, 2002.
Anzaldúa, Gloria. Borderlands/La Frontera: The New Mestiza. San Francisco: aunt lute books, 1987.
Bordo, Susan. “The Body and the Reproduction of Femininity.” Writing on the Body: Female Embodiment and Feminist Theory. Eds. Katie Conboy, Nadia Medina, and Sarah Stanbury. New York: Columbia University Press, 1997. 90- 110.
Brawley, Chris. Nature and the Numinous in Mythopoeic Fantasy Literature. Jefferson: McFarlan & Company, Inc., Publishers, 1987.
D’hean, Theo L. “Magic Realism and Postmodernism: Decentering Privileged Centers.” Magic Realism: Theory, History, Community. Ed. Lois Parkinson Zamora and Wendy B. Faris. Durham: Duke University Press, 1995. 191-208.
Foucault, Michel. Discipline and Punish: The Birth of the Prison. New York: Vintage, 1979.
Hafez, Sabry. “Women’s Narrative in Modern Arabic Literature.” Love and Sexuality in Modern Arabic Literature. Eds. Roger Allen, Hilary Kilpatrick, and Ed de Moor. London: Saqi Books, 1995.
Henitiuk, Valerie. “Step Into My Parlour: Magic Realism and the Creation of a Feminist Space.” Canadian Review of Comparative Literature (June 2003): 410-27.
Irigaray, Luce. This Sex Which is Not One, trans. Catherine Porter with Carolun Burke. Ithaca: Cornell University Press, 1985.
Jackson, Rosemary. Fantasy: The Literature of Subversion. New York: Routledge, 1981.
Lorde, Audre. “Uses of the Erotic.” Weaving the Visions: New Patterns in Feminist Spirituality. Eds. Judith Plaskow and Carol Christ. San Francisco: Harper, 1989. 208-213.
Porter, Venetia and Henry Hemming. Edge of Arabia: Contemporary Art from Saudi Arabia. Paris: Booth-Clibborn Editions, 2005.
Showalter, Elaine. Investing Herself: Claiming a Feminist Intellectual Heritage. New York: Scribner, 2001.
Walker, Alice. In Search of Our Mothers’ Gardens: Womanist Prose. San Diego: Harcourt Brace Jovanovich, 1983.