إقالة العدالة من المعايير السائدة: الدول كآلاتٍ للقمع

السيرة: 

د. نور أبو عصب هي المؤسسة الشريكة والمديرة الشريكة لمركز التنمية والتعاون عبر الوطنية (CTDC). نور هي عالمة اجتماع فلسطينية نسوية كويريّة، حصلت على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع سنة 2012 من جامعة وارويك. لدى نور عدد من المنشورات حول الهويات والجنسانيّات والهجرة وما بعد الاستعمار ومناهج البحث غير الاستعماريّة ولديها كتاب قادم سيصدره I.B. Tauris تحت عنوان الأقليات العرقية والقومية في الشرق الأوسط: أكراد سوريا وشركس الأردن.

د. نوف ناصر الدين هي المؤسسة الشريكة والمديرة الشريكة لمركز التنمية والتعاون عبر الوطنية.(CTDC) هي عالمة اجتماع فلسطينية نسويّة كويريّة، حصلت على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع سنة 2011 من جامعة وارويك. لدى نوف عدد من المنشورات في مجلات أكاديمية مختلفة تركز على قضايا اللاجئين/ات والتقاطعيّة والطبقة والجندر والذكوريات والجنسانيّات والوكالة على الذّات. تشمل اهتمامات نوف البحثية أيضًا منهجيات البحث النسوية الكويريّة والأنوثات ونزع الاستعماريّة والممارسات الجنسية والآداء الجندري.

‫ ‫الملخص: 

في ضوء الاهتمام مؤخرًا بمسألة احتجاز ومراقبة وضبط الأشخاص غير المعياريين/ات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا يسعى هذا المقال إلى توفير بدائل لأنظمة العدالة، بل يطرح الحاجة إلى قلب مفهوم العدالة رأسًا على عقب، مبينًا أنه في سياق الدولة القومية، تغدو العدالة في جوهرها بحكم الواقع والقانون آليةً للضبط والمراقبة. ويبني المقال على مفهوم فوبيا الدولة لدى ميشال فوكو من منظورٍ مناهضٍ للاستعمار، كما يستلهم من النظرية النسوية التقاطعية، ومفهوم الدولة العربية كدولةٍ نيو-بطريركيةٍ وفقًا لهشام شرابي. ويسلّط المقال الضوء على الحاجة إلى الابتعاد عن التخيّل ما بعد الاستعماري الذي يحسن الظن بالدولة وكأنها نتاج لرغبة الشعب في تقرير المصير، ويحث المقال على النظر إلى الدول القومية بشكل أكثر واقعية و مناهضٍ للاستعمار، إذ أن تلك الدول بحد ذاتها أصبحت مراكز قمعية في مرحلة ما بعد الاستعمار العسكري. بالإضافة إلى ذلك، يتناول المقال دور المجتمع المدني في تعزيز العدالة غير العادلة ضمن أطر عمل الدولة القومية من خلال طرح مثالَين: أولًا، حملة القمع التي شنّتها السلطات المصرية مؤخرًا على الأشخاص غير المعياريين/ات، وثانيًا، وضع الفلسطينيّين/ات غير المعياريين/ات ممّن يعيشون تحت الاحتلال. ويقدّم المثال المصري حالة دولةٍ ذات سيادةٍ تقيّد علنًا الحريات الجنسية والجندرية، بينما يقدّم المثال الفلسطيني حالة دولة احتلالٍ تكفل ظاهريًا الحقوق الجندرية والجنسية. ويُستخدم المثالان لإظهار الأسُس النظرية التي يسعى المقال من خلالها إلى أشكَلة وكسر ثنائيات العدالة مقابل الظلم والدولة مقابل المجتمع المدني، في محاولةٍ لجعل مفهوم العدالة كويريًا أو تجريده من المعايير السائدة.

الكلمات المفتاحية: 
Justice
Sexuality
الجندر
Patriarchy
Nation-State
Borders
Intersectional Feminism
اقتباس: 
نور أبو عصب، نوف ناصر الدين. "إقالة العدالة من المعايير السائدة: الدول كآلاتٍ للقمع". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 4 عدد 1 (2018): ص. 48-59. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 24 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/queering-justice.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (615.82 كيلوبايت)
ترجمة: 

لين هاشم كاتبة ومؤدّية نسوية تعيش في بيروت. حازت على شهادة الماجستير في علوم الجندر والجنسانية من جامعة لندن، وهي جزءٌ من مجموعاتٍ نسويةٍ عدّة في لبنان والمنطقة. نُشرت كتاباتها وترجماتها في عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية من بينها ملحق "شباب السفير" ومجلة "كحل" لأبحاث الجسد والجندر. عملت كمدرّبة ومستشارة وباحثة في عددٍ من المؤسسات من بينها "فريدا: الصندوق النسوي الشاب" والجامعة الأميركية في بيروت. تشارك باستمرارٍ في أمسياتٍ شعريةٍ ومهرجاناتٍ فنيةٍ في لبنان والخارج. في أيار 2018، كتبت عرض "المسافة الأخيرة" وأدّته مع الفنان والراقص ألكسندر بوليكفتش في ختام معرض "رسائل حب إلى ميم" من تنظيم ديمة متى في بيروت، ثم في بلفاست وكتماندو. تعمل حاليًا على نشر مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان "حقد طبقي".

1

المقدّمة

غالبًا ما نسمع ونستخدم ونفكر في مفردة العدالة كردٍ على حالات الظلم واللامساواة والتمييز والقمع والاضطهاد. وفي سعينا لتحقيق العدالة، نتظاهر ونعتصم ونعلن الإضراب ونمارس الضغط والمناصرة والمقاومة. وعلى الرغم من أننا نادرًا ما نُسائل معنى العدالة، فإننا نعرف في باطن أنفسنا أننا نسعى لتحقيق الإنصاف. لكن، هل فعلًا من الممكن أن تتم معاملتنا بعدلٍ من خلال آليات وأطر عمل العدالة التي تدّعي فعل ذلك؟ من خلال النظر إلى نظريات العدالة، نجد أن معظم المنظّرين/ات السياسيّين/ات تناولوا/ن العدالة بصفتها مكفولةً من قبل الدولة – في إشارةٍ إلى تطبيق القانون والنظام في المجتمع والوصول إلى المواطَنة. وكان راول (1999) أحد أول من وصفوا العدالة بصفتها إنصافًا، لكن تنظيره ظلّ محدودًا بالعدالة المحققة ضمن بنية الدولة. أما يونغ (1990) فسعت للتوصل إلى مفهومٍ للعدالة كنظام مساواةٍ اجتماعيةٍ لا يفرّط بالاختلاف، ويقضي على الأوجه الخمسة للقمع: الاستغلال، والتهميش، والاستضعاف والإمبريالية الثقافية والعنف. ويرتكز تعريف يونغ ضمنيًا على النظرية النسوية التقاطعية، إذ تقرّ بأن العدالة غير ممكنة التحقّق إذا ما جرت المساومة على الاختلاف. هكذا، تغدو العدالة نظامًا يأخذ الاختلاف بعين الاعتبار في التصدّي لأوجه القمع الخمسة. لكن لطالما كانت أنظمة العدالة ضمن إطار الدولة القومية بعيدةً جدًا عن الاعتراف بالاختلاف، إذ أن ادّعاءها الموضوعية والحيادية في تطبيق القانون والنظام، يفرض على البنى القانونية للدولة التجانس والامتثال. ويقودنا هذا إلى السؤال عن إمكانية السعي إلى عدالةٍ كويريةٍ لا معيارية نسويةٍ تقاطعيةٍ تحت سقف أنظمة الدولة التي تمارس الأوجه الخمسة للقمع. وإن أردنا تقديم جوابٍ مبسّطٍ للظلم القائم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكننا القول أن الحلّ يكمن في الدمقرطة والقضاء على الديكتاتورية، ما يعني الالتجاء إلى الآليات الدولية لحقوق الإنسان – وهو حلٌ معلّبٌ في إطار (اللا)نظام العالمي الحالي، كما أنه يشدّد على تفوّق المفهوم العالمي للديموقراطية وحقوق الإنسان. في هذا المقال، نطرح نقدًا لمفهوم العدالة ضمن الإطار الضيّق للدولة القومية، مما يؤدّي ليس فقط إلى تبسيطٍ مفرطٍ لـ”العدالة”، بل يقولبها لتصبح أداةً للقمع.

أما في ما يتعلّق بالجندر والجنسانية وضبط الأجساد وحركتها من منظورٍ غير معياري (كويري)، فإن السعي إلى العدالة كما نريدها نحن كنسوياتٍ لا معياريات (كويرياتٍ) هو مستحيلٌ ضمن أطر الدولة القومية التي تفرض التوحيد والامتثال. وفي سياق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ترتكز حجّتنا على ثلاث ركائز رئيسة: (1) إن الدول القومية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كنتاجٌ للكولونيالية2 هي في جوهرها دولٌ نيو-بطريركية، (2) نظام الدولة القومية يعتمد بحكم الواقع على استخدام الأجساد الأنثوية للانجاب واستخدامها لضمان استمرارية الأمة، وبالتالي (3) إن المدخل إلى التحكم بالأجساد هو التحكم بالحدود وبحرية الحركة. إذًا، إن السعي إلى العدالة الغير المعيارية (الكويرية) النسوية التقاطعية يقوّض الحدود القومية ويتحدّاها ويسائلها. وبغرض شرح حجّتنا في هذا المقال، نستعين بإيجازٍ بدراسة حالاتٍ من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما فيها حملة القمع التي شنّتها السلطات المصرية على الأشخاص غير المعياريين/ات،3 وحالة الفلسطينيّين/ات ممّن يعيشون تحت الاحتلال. بالإضافة إلى ذلك، نسلّط الضوء في هذا المقال على مسائل التحكّم بالحدود وحرية الحركة لنبيّن أن التحكم بالأجساد والجندر والجنسانيات هو في واقع الأمر مسألةٌ سياسيةٌ لا يمكن التعامل معها كمشكلاتٍ معزولة. بدلًا من ذلك، نحتاج إلى النظر في السياقات الاجتماعية السياسية العالمية الأوسع، وفي الظروف والبنى التي تولّد بعض الأنماط الشائعة من القمع الجسدي والجندري والجنسي4 الذي نعيشه ونشهده اليوم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ونحاول من خلال ذلك تجريد مفهوم العدالة المحضة – وهي مفردةٌ مجرّدةٌ نصبو إليها ضمن الحركات والنضالات الخارجة عن المعايير السائدة (الكويرية) في سعينا إلى تحقيق العدالة الجندرية والجنسية والكرامة الجسدية – من قدسيّتها، لنموضعها بدلًا من ذلك ضمن الإطار الاجتماعي السياسي الأوسع لـ”لا نظام العالمي”5 القائم (Anderson, 1992). وبتحقيق ذلك، نُموضع النضال ضد المعايير السائدة (الكويري) كمعركةٍ ضد أشكال القمع المتقاطِعة التي تؤثّر فينا جميعًا، كمواطنين/ات، ومقيمين/ات، ومهاجرين/ات، وعمالٍ وعاملاتٍ مهاجرين/ات، وأشخاصٍ غير مسجّلين/ات وبلا جنسيةٍ موجودين/ات في محلاتٍ كولونياليةٍ مختلفةٍ، يوحّدنا النضال وتفرّقنا الحدود.6

 

العدالة النيو-بطريركية

خلف المظهر الذي يدّعي التفكّر في الأمر، تشترك معظم الكتابات المكرّسة للدولة على نحوٍ فعالٍ ومباشرٍ تقريبًا في تشكيل الدولة، بمعنًى آخر، في وجودها في حدّ ذاته… لطالما كان علم الاجتماع في حد ذاته جزءًا لا يتجزأ من عمل تشكيل تمثيل الدولة الذي يشكّل جزءًا من واقع الدولة نفسها (Bourdieu, 1999: 55).

اتفاقًا مع بورديو (1999)، دفع الكثير من علماء الاجتماع باتجاه تحولٍ كاملٍ من التركيز على دراسة الدولة كممثلةٍ مطلَقةٍ للسلطة والقوة الاجتماعية، إلى دراسة القوة الكامنة في المجتمع خارج نطاق الدولة، بما في ذلك المجتمع المدني7 – وهي ظاهرةٌ سمّاها فوكو بـ”فوبيا الدولة” (Dean and Villadsen, 2016). لكن تصوير فوكو للدولة بوصفها حاملة للقوة الاجتماعية لا يقوّض على الإطلاق الوكالة الذاتية للأطراف الاجتماعية، إلا أن هذه الوكالة تتخذ أشكالًا مختلفةً نظرًا إلى توسّع الدولة (Nasser-Eddin, 2011). ويقول فوكو في إحدى المحاضرات في العام 1979:

بوسعنا القول أن المسألة موضع السؤال حاليًا، انطلاقًا من آفاقٍ بالغة التنوّع … هي على الدوام تقريبًا مسألة الدولة، الدولة في نموّها اللامتناهي، الدولة في حضورها الطاغي، الدولة في تطوّرها البيروقراطي، الدولة وجراثيم الفاشية التي تأتي معها، الدولة والعنف المتأصّل (المخبّأ) تحت أبويّتها القديرة (ترجمة Provenzano, 2016).

وعلى الرغم من انتقاده الدولة، حرص فوكو على انتقاد تقديس المجتمع المدني كموقعٍ للحرية على حدٍ سواء – وهو تحليلٌ نعود إليه لاحقًا في هذا المقال. هذه الآراء لفوكو بشأن الدولة – والمُساء فهمها غالبًا – أُعيدت قولبتها بغرض إسكات النقد الموجّه لنظام الدولة، واستُخدمَت لانتقاد ما بات متعارفًا عليه ومشارًا إليه بالحركات اليسارية الراديكالية. على سبيل المثال، تجادل دهاوان (2016) بخطورة الفوبيا اللامعيارية (الكويرية) من الدولة، إذ تقوّض تجارب المجموعات المهمّشة والمقموعة التي ترغب بالوصول إلى وظائف الدولة وحمايتها لكنها لا تستطيع ذلك. هذا التقويض لأهمية الدولة والسلوك اللامعياري (الكويري) المتّسم بفوبيا الدولة، وفقًا لدهاوان، يعتمان على رغبة الأشخاص غير الحاملين/ات لأيّ جنسيةٍ في الحصول على واحدةٍ، كما على رغبة المهاجرين/ات في الوصول إلى الخدمات التي توفّرها الدولة. من وجهة نظر دهاوان، يرغب المهاجرون/ات والأشخاص غير المسجّلين/ات ومن لا يحملون أيّ جنسيةٍ في الوصول إلى خدمات الدولة، بينما نقوّض نحن تجاربهم/ن ورغبتهم/ن من خلال نقدنا المستمر لنظام الدولة. نحن نتفق مع دهاوان على أن بعض المجموعات المهمّشة المحرومة من الوصول إلى خدمات الدولة ترغب بالطبع في الحصول على دعم الدولة، لكننا نجادل أن النظام نفسه هو سبب الإقصاء والتهميش والعنف الذي يختبره هؤلاء في المقام الأول. بالتالي، نعارض زعم دهاوان بإمكانية أن تكون الدولة “حسنة النيّة” في الأساس.

انبثق نظام الدولة في بداية الأمر بعد معاهدات سلام وستفاليا في العام 1648 بهدف وضع حدٍّ للحروب الدينية الأوروبية. وتظهر مراجعةٌ سريعةٌ8 لتاريخ نظام الدولة القومية الأوروبية أن الحروب الدينية الأوروبية بدأت نتيجة عداواتٍ وخلافاتٍ على السلطة والقوة، وليس نتيجة رغبة الشعوب في تقرير المصير. في الواقع، معظم الأنظمة الملَكية ذات السيادة التي وُلدت بعد معاهدات السلام واجهت معارضةً جماهيريةً تجلّت في سلسلةٍ من الثورات التي اجتاحت أوروبا. لكن مع مرور الوقت، أصبح هذا النظام طريقة عملٍ لبقيّة العالم، أو بالأحرى أصبح العالم كما يعرفه معظمنا. وبعد الثورات الأوروبية، تغيّر قليلًا تصوّر الدولة القومية ذات السيادة لفترةٍ وجيزةٍ من الزمن، وصار مرتبطًا بمفاهيم الحربة، والمساواة، والعدالة والرعاية، إلخ. إذًا، تصوّرنا للدولة بشكلٍ عامٍ يتغيّر بحسب نوع الحكم الذي نعيشه فيها.

وعودةً إلى المنطقة التي نعنى بها، نتجت الدولة القومية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن رغبة الشعوب في إسقاط الاستعمار الذي كان يقتات على مقدّراتهم/ن البشرية والمادية. وكما في سياقاتٍ مستعمَرةٍ أخرى كالهند، كان التحرّر من الاستعمار يعني إقامة الحدود الوهمية التي قطعت أوصال عائلات في أحيانٍ كثيرة. لكن “لطالما كانت الدولة القومية نموذجًا “إلزاميًا” لاستقلال المستعمَرات والملحَقات السابقة، جزئيًا بسبب غياب أيّ نماذج أخرى جديرة بالاحترام لإقامة الدول” (Zubaida, 2001: 121). ويمكن اعتبار نظام الدولة الناتج الأكثر كولونياليةً في عالم ما بعد الاستعمار. وكما يجادل كثرٌ (Aburaiya, 2009; Anderson, 2001 & 2002; Halliday, 2000; Kumaraswamy, 2003 & 2006; Massad, 2001)، إن خلق الحسّ القومي في دول ما بعد الاستعمار جاء بعد تشكيل الدولة. ويورد زبيدة (2002: 214) مثال العراق، حيث تم خلق أمةٍ “قطريةٍ واقتصاديةٍ وذات واقعٍ اجتماعي” بعد تشكيل الدولة التي استخدمت الاستبداد لضمان استمرارية سيادتها. وفي الأردن أيضًا، صيغ الحسّ الوطني الأردني في تضادٍ مع الوطنية الفلسطينية عقب الحرب الأهلية التي وقعت في الأردن في مطلع السبعينيّات (Massad, 2001). وأظهرت الحرب الأهلية اللبنانية والأزمة السورية هشاشة الدولة القومية وخطاب الوحدة الوطنية. إن واقع تعرّض الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتحدّيات سيرورات التحديث وخطاب الأصالة في آنٍ معًا يولّد ما يسمّيه شرابي (1988) النيو-بطريركية في العالم العربي على مستوى الدولة؛ فخطاب الأصالة الذي برز بعد إنشاء نظام الدول القومية في المنطقة قد تجلّى في محاولات المجتمعات المحلّية خلق هويّاتٍ “أصيلةٍ” لدولها الخاصة، غالبًا بقيادة من يمسكون بمقاليد السلطة في الدولة، ومعظمهم من الرجال الذين عزّزوا النيو-بطريركية في مجتمعاتهم. ويقول شرابي:

بين الحاكم والمحكوم، وبين الوالد والولد، توجد فقط علاقاتٌ رأسية: في كِلا الحالَين، الإرادة الأبويّة هي الإرادة المًطلَقة… في الممارسة الاجتماعية لا يُحرَم المواطنون/ات العاديون/ات تعسفيًا من بعض حقوقهم/ن الأساسية فحسب، بل هم/ن السجناء الافتراضيون للدولة، هم/ن مواضيع عنفها الاعتباطي ودائم الحضور (Sharabi, 1988: 7).

ضمن هذا السياق، يُنظر إلى مفهوم الحرية إلى حدٍ كبيرٍ كمفهومٍ “مضادٍ للدولة… كلما تمدّد مفهوم الدولة، ضاق نطاق الحرية (Ayubi, 2006: 24). وعلى نحوٍ مماثلٍ، يعرّف فيبير (1978) الدولة كـ”منظمةٍ سياسيةٍ إلزامية… ينجح موظفوها الإداريّون في احتكار الاستخدام المشروع {قانونياً} للقوّة المادية في تطبيق نظامها” (Weber, 1978: 54-5). إنّ تطبيق النظام، أو حكم القانون كما يسمّيه البعض، هو في الواقع في قلب التعريفات المعاصِرة للعدالة. فالبنسبة لحملة القمع ضد الأشخاص غير المعياريين/ات في مصر، والتي تجسّدت في سجن حوالي 62 شخصًا عقب التلويح بعلم قوس قزح في حفلٍ موسيقيٍ في القاهرة في أيلول/ سبتمبر 2017، فالحملة بذاتها تمثّل من نواحٍ عدةٍ إحدى الطرق التي تستخدم الدولة فيها آليات العدالة خاصتها لضبط جنسانيات الناس وممارساتهم/ن وأجسادهم/ن. وهذا الضبط عميق التجذّر في رغبة النخب الحاكمة في الحفاظ على سلطتها عن طريق حفظ الوضع القائم. وفي هذه الحال، كما في حالاتٍ كثيرةٍ أخرى، جُعل الأشخاص غير المعياريون/ات كبش فداءٍ لحفظ النظام. إن رغبة حكام مصر في تعبئة فئاتٍ من المجتمع المتعاطفة أو المؤيّدة للأخوان المسلمين بهدف ضمان استقرار البلاد هي إحدى الدوافع الرئيسة لحملة القمع تلك (Parvaz, 2017). ومن خلال سجن الأشخاص غير المعياريين/ات، أرسلت الدولة المصرية رسالةً واضحةً إلى المجتمع ذي الميول الإسلامية بأن الدولة تقف في صفّه. وشكّلت هذه الخطوة محاولةً لمحو استبداد السلطة وحكمها العسكري والتهميش الاقتصادي لغالبية المصريّين/ات، لاسيما في ضوء عدم الاستقرار الذي شهدته البلاد في العام 2017 بعد الاعتداء على الكنيسة القبطية في القاهرة، ومن ثم الاعتداء على مسجدٍ في سيناء. بالإضافة إلى ذلك، وجّهت السلطات المصرية التهم إلى بعض موقوفي/ات حملة قمع 2017 بالانتماء إلى “جماعاتٍ” تهدّد استقرار البلاد، كما تعاملت مع المسألة في بعض الأحيان كتهديد للأمن القومي وفقًا للمادة 86 من القانون 58/1937.9

وردًا على حملة القمع ضد الأشخاص غير المعياريين/ات في مصر، أدان المجتمع المدني10 الهجوم واستخدم المنصّات الإعلامية للضغط على السلطات المصرية للإفراج عن المعتقلين/ات. لكن لسوء الحظ، وربما لما فيه ضررٌ للمسجونين/ات، تمت مواجهة تدخّل دول عالم الشمال كما في غالب الأحيان بمزيدٍ من التشدّد والسيطرة على الأجساد والجنسانيات. وفي هذه الحالة، دُفِعَت الدولة المصرية إلى تشديد حملتها القمعية من أجل حفظ ماء الوجه والحفاظ على صورتها السيادية في وجه معارضيها. وعلى نحوٍ مثيرٍ للانتباه، وعلى الرغم من الاهتمام الإعلامي والاجتماعات البرلمانية والتظاهرات، لم تصدر أي إدانةٍ للحملة القمعية عن أي حكومةٍ من حكومات دول الشمال لأسبابٍ سياسيةٍ ومصلحيةٍ تقضي بالحفاظ على الوضع القائم في ما يتعلّق بإدارة البلاد. وفي ظل هذا الظرف، لا يمكن احتواء السعي إلى عدالةٍ لامعيارية (كويريةٍ) نسويةٍ تقاطعيةٍ ضمن السرديات العالمية لحقوق الإنسان، نتيجة النفاق الذي تتّسم به هذه المبادئ التي تدّعي حسن النيّة. إن السعي إلى عدالةٍ لا معيارية (كويريةٍ) نسويةٍ تقاطعيةٍ يجب أن يتّسم حكمًا بفوبيا الدولة؛ بل إن هذا النوع من فوبيا الدولة هو في الواقع ضروريٌ لمعالجة الأسباب الجذرية للآليات القمعية لما يُسمّى بالعدالة. وفي مثل هذه الحالات، تكون آليات العدالة التابعة للدولة النيو-بطريركية في حد ذاتها قمعية، في وقتٍ ترى فيه النخب الحاكمة أفعالها القمعية كأفعالٍ عادلة، وفقًا لهذه الآليات.

لكن عودةً إلى تصور فوكو مجددًا، لا يُستثنى المجتمع المدني على المستويَين المحلّي والعالمي من اللا نظام العالمي المعاصِر، فالمجتمع المدني العالمي يخضع في الواقع لسيطرة الحكومات المانِحة، ويمثّل أجندته النخبويّة الخاصة، بينما يقع المجتمع المدني المحلّي11 غالبًا بين مطرقة ظلم دولته وسندان احتكار الخطاب الحقوقي من قبل نظيره العالمي. بهذا المعنى، يواجه المجتمع المدني المحلّي في عالم الجنوب قوًى متنافسةً ومتضادّة: التواطؤ مع أنظمة الدولة القمعية من جهةٍ، وخطابات الحقوق والعدالة التي تماشي السرديات الثقافية الإمبريالية لعالم الشمال من جهةٍ أخرى، وهو عالمٌ يعمل أيضًا ضمن بنى الدولة النيو-بطريركية. بالإضافة إلى هذه النيو-بطريركية، فإنّ السرديات الوطنية في الدول القومية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتّسم بالقمع ما دامت تُصاغ بهدف خدمة استمرارية الأمة من خلال الإنجاب والتحكّم بالأجساد.

 

إعادة إنتاج الأمم

إن فهم طبيعة الزواج هو أمرٌ ضروريٌ لأي نظام قرابة … القرابة والزواج ينظّمان علاقات الإنتاج وإعادة الإنتاج … إن منظومة الزواج والعلاقات المبنية حولها تقدّم شرحًا لمنظومة العلاقات الجندرية (Shahd, 2004: 13).

“ممزّقًا” بين “حتميّتَي” البطريركية والتحديث (Moghadam, 1995: 12)، يحرص نموذج الدولة القومية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على التحكّم بالأجساد، ولاسيما الأجساد الأنثوية، من أجل ضمان استمرارية الأمة. وكما أثبتنا حتى الآن، الدولة القومية في هذه المنطقة هي دولةٌ نيو-بطريركية إذ أنها تنسخ البنى ذاتها القائمة ضمن الوحدة الأسرية البطريركية التي تمثّل موقع القمع الأول للنساء، وحيث تُحمل النساء كزوجاتٍ وأمهاتٍ وأخواتٍ مسؤولية إعادة إنتاج الهويات الإثنية والقومية (Charles and Hintjens, 1998). في دراستها لتونس والمغرب والجزائر، تشدّد شرّاد (2003) على الدور المركزي لتشريعات الدولة في صياغة العلاقات الجندرية ضمن الأسرة، مؤكّدةً على أن الأطر القانونية تجعل من الأسرة محور حيوات النساء.12 ولهذه السردية المتعلقة بأدوار النساء في الدولة القومية تبِعاتٌ تتضمّن على سبيل المثال لا الحصر التحكم بجنسانية النساء وضمان استمرارية البنية الأسرية القائمة على أساس المعيارية المغايِرة جنسيًا. ووفقًا لفورتييه (Fortier, 2000: 168)، ” تُعرّف أفكار الأصالة من منظور الأدوار الجندرية والمعايير المغايِرة جنسيًا الثابتة … منح الأولوية للفروقات الجندرية غير القابلة للاختزال – التي تؤشّر أيضًا إلى التكامل المغايِر غير القابل للاختزال – تخدم مصلحة الاستمرارية الثقافية.” بالتالي، إن ضبط الأجساد والجنسانيات والتحكّم فيها وتنظيم العلاقات يخدم مصلحة الدولة النيو-بطريركية من جهةٍ، ويحفظ الوضع القائم من جهةٍ أخرى.

بالإضافة إلى الطبيعة السياسية لضبط الأجساد الذي حدث في مصر، يخدم حفظ الوحدة الأسرية أجندات الدول النيو-بطريركية. ويُعدّ حفظ الوحدة الأسرية البطريركية بصفتها اللبنة الأساسية للمجتمع والتحكّم بالأجساد ضرورةً لحفظ الهوية الوطنية الثقافية “الأصيلة” المفترضة، إذ يُنظر إلى الدولة كامتدادٍ للوحدة الأسرية البطريركية (Sharabi, 1988). ويُصوّر الملوك والحكام كـ”آباءٍ” للمجتمعات التي يحكمونها وكرؤساء للمجتمعات، بينما تُصوّر الأمم كأسرٍ تابعةٍ لهم. وكما في الأسر البطريركية، يمتلك الملك أو الرئيس سلطةً مطلقةً على مجتمعه، وعلى الأمة تقديم فروض الاحترام والخوف والتبعيّة له. إن الاستخدام الرمزي للأسرة البطريركية في وصف علاقة الحكام بالمواطنين/ات يعزّز نموذج الأسرة البطريركية، والعكس بالعكس، إذ يعزّز حفظ هذه الأسرة سلطة الحكام وقوّتهم. ووفقًا لشرابي:

الأمة كأسرة، هي استعارةٌ عزيزةٌ جدًا على قلوب الحكام العرب من الثوريّين، والمحافِظين وشبه القبليّين على حدٍ سواء – هو نموذج السلطة العابر للأيديولوجيات والمشترك بين كل الأنظمة النيو-بطريركية بغض النظر عن أيديولوجيتها أو نظامها الاجتماعي الاقتصادي… العلاقات السلطوية الرأسية ذاتها وُجدت في كل مكانٍ، مانعةً أيّ اندماجٍ اجتماعيٍ حقيقي ومبقيةً على غالبية الشعب خارج الحياة الاجتماعية والسياسية السائدة (Sharabi, 1988: 132-3).

وبغرض حفظ التخيّل الهشّ أساسًا للأمة، تنظّم الدول عبر العالم، وإن بدرجاتٍ متفاوتة، العلاقات الجنسية الحميمة من خلال تشريع بعضها عبر مؤسّسات الدولة وأجهزتها. ومن خلال الزواج، لا تكتفي الدولة في تتبّع أثر الإنجاب فحسب، بل تخلق أيضًا نظام مراقبةٍ وضبطٍ للجنسانيات والعلاقات الحميمة. هكذا، يصبح الزواج العلاقة الأكثر شرعيةً، بينما تُنزَع الشرعية عن أشكال العلاقات البديلة كالعلاقات المفتوحة أو متعدّدة الشركاء والشريكات. بالتالي، العدالة اللامعيارية (الكويرية) النسوية التقاطعية هي عدالةٌ تقرّ بالاختلاف وتعترف به لدى معالجة الأوجه الخمسة للقمع، وهي عدالةٌ لا يمكن تحقيقها عن طريق الوصول إلى نظام الدولة أو إلى الزواج المثلي، فمراقبة الدولة وضبطها العلاقات يمثّلان شكلًا آخر للقمع. إذًا، السرديات المثلية الليبرالية13 السائدة المؤيّدة للزواج المثلي لا تمثّل بأي شكلٍ من الأشكال خطوةً نحو تحقيق العدالة كما نريدها نحن.

وتشكّل المستعمَرة الإستيطانية الصهيونية المثال الأقصى لتبنّي مثل هذه الخطابات الليبرالية عن الحقوق المثلية، إذ تموّه “إسرائيل” الفظائع التي ترتكبها ضد الفلسطينيين/ات من خلال الترويج لنفسها كمدافعةٍ عن حقوق المثليين/ات ومخلّصةٍ للفلسطينيين/ات الهاربين/ات من اضطهاد أسرهم/ن، كما من خلال الترويج لعاصمتها بصفتها العاصمة العالمية للمثليين/ات. ومن خلال ذلك، تقدّم “إسرائيل” نفسها ككيانٍ تقدّميٍ وحديثٍ مقابل الآخر “العربي” الفلسطيني “الهمجي” و”المصاب برهاب المثلية” – وهي ظاهرةٌ تُسمّى الغسيل الوردي (Abu Assab, 2014a).14 في الواقع، هذه المستعمَرة الإستيطانية المسمّاة “إسرائيل” بعيدةٌ كل البعد عن دور المخلّص والضامن لحقوق المثليين/ات؛ ففي المستعمَرة، يُقبَل المثليون/ات فقط إذا ما اتبعوا/ن أسلوب حياةٍ يخضع للمعيارية المغايِرة، بينما يتعرّض العابرون/ات جنسيًا وجندريًا لكثيرٍ من التمييز وجرائم الكراهية (Abu Assab, 2014b). لكن الإنجاب يحظى بالأولوية، إذ تُشجع المثليات على الإنجاب، وتوفّر الدولةُ التلقيحَ الصناعي المجاني لهنّ من أجل زيادة عدد اليهود/يات في فلسطين المحتلّة بغرض تحقيق التفوّق العددي على الشعب الفلسطيني. أما الرجال المثليون المستعمِرون، فيُشجّعون على إيجاد أمهاتٍ بديلاتٍ يحملن حيواناتهم المنويّة في دول شرق آسيا مقابل أسعارٍ مخفّضة. إذًا، التقبّل ضمن سياق المستعمَرة يعني ضمان استمرارية الأمة. وبالإضافة إلى الإنجاب، فإن الفلسطيني/ة “العربي/ة” هو/هي الخاضع/ة دومًا في هرميّات القوة القائمة وفقًا للمخيّلة الإستعمارية الصهيونية، حتى في الأوضاع الحميمة. وفي لقاءٍ15 مع امرأةٍ تعرّف عن نفسها كـ”إسرائيليةٍ” مثلية، لها شريكةٌ فلسطينية، قالت: “كانت رد فعل رفاقي من الإسرائيليين/ات القوميّين/ات على علاقتي بشريكتي مقزّزة. أخذوا يقولون أمورًا مثل، هل تفعلين بها ما نفعل بهم؟” في إشارةٍ إلى الممارسات الجنسية العنيفة والقسرية، والإخضاع الجنسي وهرميّات القوة الجنسية.

لا يقتصر أثر الإنجاب على الأمة على الدولة الصهيونية، بل يتعدّاها ليطال وسائل المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، ما يُشدّد التحكّم بالأجساد والجنسانيات بذريعة ضمان أمن الدولة القومية. وفي خلال عملنا على أحد البحوث النوعية، سعينا16 إلى النظر في تصوّرات الفلسطينيين/ات عن المثلية، فوجدنا أن طريقة تشكيل الكيان الصهيوني للـ”آخر/أخرى” يدفع بالفلسطينيين/ات إلى ترسيم حدود جماعتهم/ن، ويفاقم مشاعر العداء للمثليين/ات في المجتمع الفلسطيني. وقيل لنا في خلال المقابلات التي أجريناها مع فلسطينيين/ات: “تريد إسرائيل الترويج للمثلية بين الفلسطينيين/ات بغرض التقليل من عددنا والتفوّق علينا عدديًا من أجل الاستيلاء على المزيد من الأرض.”17 وفي حوارٍ مماثلٍ آخر، قيل لنا: “هكذا تريد لنا إسرائيل أن نصبح، أمة فاسدة يتوقف فيها الناس عن الإنجاب لينتهي بنا الأمر إلى التطهير العرقي.” ويُبرّر هذا النوع من المشاعر المعادية للمثلية من خلال ادعاءات مقاومة الاحتلال والتطهير العرقي للفلسطينيين/ات، ما يمنحها الشرعية ويجعل مواجهتها أكثر صعوبةً، إذ يؤطّر الأمر كرد فعلٍ على الأجندة الصهيونية. ويكرّس الغسيل الوردي الصهيوني هذه الدائرة المفرغة من المشاعر السلبية تجاه الجنسانيات والهويات الجندرية غير المعيارية وهي مشاعر يصعب على الفلسطينيين/ات غير المعياريين/ات تذليلها نظرًا لواقع الاحتلال، إذ يُنظر إليهم/ن كـ”متشبّهين/ات بالغرب”، و”خونة” و”غير وطنيين/ات”.

بالإضافة إلى ذلك، يقع المجتمع المدني الفلسطيني عمومًا بين المطرقة والسندان، ولاسيما من يعملون في مجال الحقوق الجندرية والجنسية والمنظمات التي تعرّف عن نفسها كمنظماتٍ نسوية، فيصبح هذا المجتمع موقعًا إضافيًا لقمع وإسكات الأشخاص غير المعياريين/ات. أما المجتمع المدني الفلسطيني الغارق في المعركة ضد الغسيل الوردي وفي الدفاع عن حقوق النساء، فلا يكتفي بتجاهل الفظائع التي ترتكبها السلطة الفلسطينية في الضّفة الغربية، بل يمنع الناس من الكلام عنها كي لا تعزّز تلك القصص صورة الفلسطيني “الذكوري” و”المصاب برهاب المثلية.” هكذا، يصبح التصدّي للسلطة الفلسطينية أو مجابهة القمع الاجتماعي الثقافي محرماً يُضحّى به من أجل حماية الأمة وصورتها، كما ترفض بعض المنظمات النسوية تمامًا الكلام عن المسائل المتعلّقة بالجنسانيات والهويات الجندرية غير المعيارية أو الاشتباك معها، زاعمةً أنها لا تمثّل أولويةً في الخطابات الوطنية القائمة. بالتالي، يوظّف المجتمع المدني أدوات السيّد ضد شعبه ومجتمعه، مساهمًا في الظلم الواقع من أجل عدالةٍ وطنيةٍ مُتصوّرة. ويدعم هذا المثال نقد فوكو بشأن تقديس المجتمع المدني: في ظل غياب الدولة الفلسطينية ذات السيادة، يشكّل المجتمع المدني الفلسطيني المقاوم للاحتلال موقعًا آخر للقوة والسيطرة السياسية، وإن على نحوٍ محدود. وفي تواطئه مع “الحفاظ على صورة الأمة”، يقيّد المجتمع المدني تحت الاحتلال حقلَ الرؤية خاصته ويحدّه بحدود الأمة، فيفشل في تحديد الإمكانيات التي تتجاوز حدود الدولة. وفي سياق فلسطين، لا يتم السعي إلى تحقيق العدالة الجندرية والجنسية على نحوٍ داخليٍ أو خارجي. لذا، فإنّ استكشاف الهوية الوطنية أحيانًا “يتطلّب ’قراءةً في الصمت‘ … [ف]ـفهم ما هو غير محكيٍ هو جانبٌ ضروريٌ من أي تحرٍّ، على نحوٍ يلتقط الصمت” (Handrahan, 2002: 39). إن قراءة مكامن الصمت في المعركة من أجل إلغاء الحدود، هو إذًا ضروريٌ للتوصّل إلى عدالةٍ مضادة للمعايير السائدة (كويريةٍ) نسويةٍ تقاطعية.

 

الخاتمة: التحكّم بالحدود مقابل التحكّم بالأجساد

حتى مَن يبقون في أماكن مألوفةٍ تعود لأسلافهم/ن، يجدون أن طبيعة علاقتهم/ن بالمكان تتغيّر حتمًا، ويدركون انكسار وهم الرابط الطبيعي والضروري الذي يجمع بين المكان والثقافة (Gupta and Ferguson, 1992: 10).

الأمم هي صنيعة الخيال، وكذلك الدول القومية وحدودها. الدول، وبالتالي أممها، ولاسيما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أصبحت بأشكالها كافة آلاتٍ للقمع. ولا تكتفي آلات القمع هذه بالضبط والمراقبة والاحتجاز، بل تشكّل أيضًا سجونًا افتراضيةً لمواطنيها ومواطناتها، لاسيما سكانها غير المعياريين/ات. إن علاقتنا بالدولة في هذه المنطقة من العالم ليست طبيعيةً ولا فطرية، بل سلِسة ومتغيّرة. وبالنسبة إلى كثيرٍ منّا ممّن يعيشون تحت حكم الديكتاتوريات، لا تتّسم علاقتنا بنظام الدولة بالإيجابية، ليس فقط بسبب الكويرية واللامعيارية، بل أيضًا لكون دولنا مثّلت لزمنٍ طويلٍ مواقع للقمع. لقد أظهرنا في هذا المقال أن معظم القمع الجندري والجنسي يحدث باسم حق الشعوب في تقرير المصير، والحق في الدولة القومية وفي الوصول إلى العدالة عن طريق آليات الدولة. وعندما نتحدث عن العدالة في إطار الدولة، فإننا نتحدّث في الأساس عن عدالةٍ تُصاغ من خلال آلات القمع وضمنها، ولذلك فلا اعتبار لعدالةٍ مبنيةٍ على الظلم.

نحن نناور ونفاوض ونتعامل يوميًا مع نظامٍ عالميٍ يتّسم في جوهره بالفوضى. تتحرّك أجسادنا ضمن حدود دولٍ يبدو أنها تحمي حدود دول عالم الشمال، وغالبًا ما تخضع الحركة خارج هذه الحدود لشرط توفّر رأس المال. إن الدولة في كافة أشكالها بحدودها المصطنعة هي موقع تقييدٍ وضبطٍ وقمع. هي تقيّد وتحتجز وتعاقب الإنسان/ة ضمن حدودها – إنها زنزانةٌ كبيرة. ولا تكتفي هذه الحدود بضبط أجسادنا والتحكّم بها فحسب، بل تقيّد مخيّلاتنا أيضًا عن طريق ابتكار روابط غير طبيعيةٍ بأمةٍ مُتخيّلةٍ، ووطنٍ مُتخيّلٍ وذكرياتٍ جماعيةٍ مُتخيّلة. إن تفكيرنا محصورٌ في علبةٍ مقفلة – علبة من صنع الرجال18 – تغلّف المقاومة وتقيّدها. إنها العلبة ذاتها التي تهزم لا معياريتنا (كويريّتنا) التي يُفترض بها أن تهزّ الهويات بدلًا من أن تعرّفها. لا يقصد هذا المقال طرح البدائل، بل فتح إمكانياتٍ لامعيارية (كويريةٍ) يمكنها أن تنوجد، في سعينا لتحقيق عدالةٍ خارجة عن المعايير السائدة (كويريةٍ) نسويةٍ تقاطعيةٍ، إذا ما فكّرنا وتصرّفنا خارج قيود العلبة والحدود العائدة إلى الدولة القومية القمعية. إذًا، العدالة اللامعيارية (الكويرية) النسوية التقاطعية هي العدالة التي تعترف بالاختلاف، وتحتضن اللامعيارية وعدم الامتثال، وتدرك أنه نظرًا لتقاطعية تجاربنا، لا يوجد نظامٌ واحدٌ من القانون أو الحوكمة أو الحقوق، بوسعه أن يكون ترياقًا يقضي على أوجه القمع كافة. العدالة اللامعيارية (الكويرية) النسوية التقاطعية هي العدالة التي تدفع نحو أشكالٍ متنوعةٍ من العدالة، وتعالج الأسباب الجذرية للظلم الاجتماعي بدلًا من معاقبة الفرد على ارتكاب “الخطأ.” إنها العدالة التي تحفّز التساؤل عن سبب وكيفية تكرّر الظلم، وتعالج المشكلات البنيوية التي تؤدّي إلى القمع، مركزةً على علاج السبب بدلًا من العوارض. بالتالي، نحن ننشد إقالة العدالة من المعيارية الحالية السائدة كما نعرفها، كي نصبح قادرين/ات على صياغتها جماعيًا كما نريدها.

 

الحواشي:

[1] ملاحظة على الترجمة: إرتأت الكاتبتان اختيار مصطلح بديل لكملة “كوير” فبدلاً من ترجمة العنوان بجعل العدالة كويرية، اختارتا مصطلح إقالة العدالة من المعايير السائدة لأن تعريفهما لكلمة ومصطلح كوير هو ما أو من خرج/ت عن المعايير السائدة المهيمنة مجتمعياً أو سياسياً أو اقتصادياً. فبإقالة العدالة من المعايير السائدة نجعلها كويرية وبالتالي نمشكل مفهوم العدالة ككل بصفته مرتبط تقليدياً بسلطات الدولة النخبوية. وعلى ذلك نعتبر من خرج/ت عن المعايير السائدة كويرياً/ةً ولا معياري/ة.

 

  • 1. ملاحظة على الترجمة: إرتأت الكاتبتان اختيار مصطلح بديل لكملة "كوير" فبدلاً من ترجمة العنوان بجعل العدالة كويرية، اختارتا مصطلح إقالة العدالة من المعايير السائدة لأن تعريفهما لكلمة ومصطلح كوير هو ما أو من خرج/ت عن المعايير السائدة المهيمنة مجتمعياً أو سياسياً أو اقتصادياً. فبإقالة العدالة من المعايير السائدة نجعلها كويرية وبالتالي نمشكل مفهوم العدالة ككل بصفته مرتبط تقليدياً بسلطات الدولة النخبوية. وعلى ذلك نعتبر من خرج/ت عن المعايير السائدة كويرياً/ةً ولا معياري/ة.
  • 2. نركز هنا على نظام الدولة القومية في الدول المتحدّثة باللغة العربية كنتاجٍ للكولونيالية من دون أن نشير إلى وجود تجانسٍ يجمع بينها. ونلحظ أن دول المنطقة تتخذ أشكالًا مختلفة، بما في ذلك جمهورياتٍ مزعومة، وملَكيّاتٍ أو شبه ملَكيّات، إلخ. كما نلحظ أنه وإن كان نموذج الدولة القومية في حد ذاته نتاجًا كولونياليًا، فإنّ تجلّياته الحالية قد جرى تكييفها لتلائم السياقات المحلّية. لكن هذه التكيّفات لا تقلّل من كولونيالية النموذج و/أو بطريركيته.
  • 3. نعرّف اللامعيارية بعدم الامتثال للتوقعات الجندرية والجنسية البطريركية و/أو الخاضعة للمعيارية المغايِرة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر من يعرّفون أنفسهم/ن كمثليين/ات ومزدوجي/ات الميول الجنسية وعابرين/ات جندريًا وجنسيًا وكويريين/ات.
  • 4. إن تفصيل الأنماط الشائعة من القمع والاختلافات ضمن السياقات المحلّية يتجاوز نطاق هذا المقال. للاطلاع على المزيد من المعلومات، تمكن مراجعة:
    Nasser-Eddin, N., Abu-Assab, N. & Greatrick, A. 2018. “Reconceptualising and contextualising sexual rights in the MENA region: beyond LGBTQI categories.” Gender & Development, 26:1, 173-189.
  • 5. نتفق مع أندرسون في اعتباره النظام العالمي الحالي المنظّم وفقًا لنظام الدولة القومية هو في الواقع “لا نظام”، إذ أن صناعته ولّدت الكثير من التبِعات التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر سياسات الإقصاء/ الشمول، والتهميش/ منح الامتياز وغير ذلك، ما ساهم إلى حدٍ كبيرٍ في إرساء أشكال اللامساواة العالمية.
  • 6. نستخدم مصطلح “المحلات الكولونيالية” للإشارة إلى أنظمة الدولة كافةً في عالمَي الشمال والجنوب على حدٍ سواء، إذ نرى فيها نتاجًا للكولونيالية. كما نستخدم عبارة “يوحّدنا النضال” للإشارة إلى النضال ضد بنى الدولة القمعية على نحوٍ واسع.
  • 7. نستخدم في هذا المقال مصطلح المجتمع المدني على وجه التحديد لوصف المنظمات والمجموعات المسجّلة وغير المسجّلة العامِلة على مسائل الجندر والجنسانية باستخدام إطار العمل الحقوقي السائد الخاص بالمثليين/ات ومزدوجي/ات الميول الجنسية والعابرين/ات جندريًا وجنسيًا والكويريين/ات.
  • 8. للاطلاع على موجزٍ عن دور النخب في الحروب الدينية الأوروبية، راجع/ي:
    Nolan, C. J. 2006. The Age of Wars of Religion, 1000-1650: An Encyclopedia of Global Warfare and Civilization, Volume 2. London: Greenwood Publishing Group. 708–710.
  • 9. CTDC 2017. “Crackdown on Non-Normative People in Egypt: A Policy Brief.” Policy Brief No. 5, October 24, 2017.
  • 10. نشير هنا بشكلٍ رئيسٍ إلى المنظمات والمجموعات المسجّلة وغير المسجّلة العامِلة على مسائل الجندر والجنسانية باستخدام إطار العمل الحقوقي السائد الخاص بالمثليين/ات ومزدوجي/ات الميول الجنسية والعابرين/ات جندريًا وجنسيًا والكويريين/ات.
  • 11. المصدر ذاته.
  • 12. تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الظاهرة لا تتفشّى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حصرًا، فالحكومات ذات الميول اليمينية في دول عالم الشمال، بما فيها إدارة ترامب في الولايات المتحدة الأميركية، والحكومة المحافِظة في المملكة المتحدة، غالبًا ما تشدّد على أهمية الأسرة، والقيَم الأسرية ومصلحة المجتمع.
  • 13. تُبنى غالبية السرديات السائدة عن الحقوق المثلية من قبل النخب النيوليبرالية عبر العالم، إذ أن اللا نظام العالمي القائم أنتج طبقةً عالميةً تتمتع بالثراء والوصول إلى رأس المال الثقافي المتشابه، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر أسلوب الحياة والموضة، والتواطؤ مع بنى الظلم العالمية، وهي مسائل تتجاوز نطاق هذا المقال.
  • 14. يشير مصطلح الغسيل الوردي إلى استخدام خطابات حقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات الميول الجنسية والعابرين/ات جندريًا وجنسيًا والكويريين/ات من قبل الاحتلال الصهيوني بغرض الترويج لنفسها كحامٍ عصريٍ وتقدّميٍ لتلك الحقوق، بل كحامٍ للمثليين/ات ومزدوجي/ات الميول الجنسية والعابرين/ات جندريًا وجنسيًا والكويريين/ات الفلسطينيين/ات أيضًا، بهدف كسب الدعم العالمي، مبررًا غزواته الكولونيالية للأراضي الفلسطينية، ومحاولًا تمويه الجرائم الوحشية التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني.
  • 15. ضمّ اللقاء إحدى الكاتبتَين في مؤتمرٍ أكاديميٍ عالمي. جرى الاستحصال على الموافقة الصريحة اللازمة لاستخدام هذه التجربة في البحث.
  • 16. نتائج بحثٍ عُرضَت في مؤتمر (Abu Assab, 2014b).
  • 17. المصدر ذاته.
  • 18. نستخدم عبارة “من صنع الرجال” على نحوٍ قصدي.
ملحوظات: 
المراجع: 

Abu Assab, N. 2014a. “Affected and Saviours: Power, Agency and LGBTQ Struggle in Conflict Areas.” Emergencies and Affected People Conference: Philosophy, Policy and Practice. The University of Birmingham.

Abu Assab, N. 2014b. “‘Decolonising’ Queer Migration.” Queer Migration and Mobilities Workshop. The Department of Sociology, Lund University, Sweden.

Aburaiya, I. 2009. “Islamism, Nationalism, And Western Modernity: The Case Of Iran And Palestine.” International Journal Of Politics, Culture And Society, 22, 57-68.

Anderson, B. 1992. “The new world disorder.” New Left Review, 193, 3-13.

Anderson, B. 2001. “Writing the Nation: Textbooks of the Hashemite Kingdom of Jordan.” Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, xxi, 5-14.

Anderson, B. 2002. “The Duality of National Identity in the Middle East: A Critical Review.” Critical Middle Eastern Studies, 11, 229-250.

Ayubi, N. N. 2006. Over-Stating The Arab State: Politics And Society In The Middle East. London: I.B. Tauris.

Bourdieu, P. 1999. “Rethinking The State: Genesis And Structure Of The Bureaucratic Field.” In: Steinmetz, G. (Ed.) State/Culture: State-Formation After The Cultural Turn. Cornell: Cornell University Press.

Charles, N. & Hintjens, H. (Eds.) 1998. Gender, Ethnicity And Political Ideologies. London: Routledge.

Charrad, M. 2003. “State And Gender In The Maghrib.” In: Sabbagh, S. (Ed.) Arab Women: Between Defiance And Restraint. Massachusetts: Olive Branch Press.

CTDC 2017. “Crackdown on Non-Normative People in Egypt: A Policy Brief.” Policy Brief No. 5, October 24, 2017.

Dean, M. & Villadsen, K. 2016. State of Phobia and Civil Society: The Political Legacy of Michel Foucault. Standford: Stanford University Press.

Dhawan, N. 2016. “Homonationalism and State-phobia: The Postcolonial Predicament of Queering Modernities.” In: María Amelia Viteri and Manuela Lavinas Picq (Eds.) Queering Paradigms V: Queering Narratives of Modernity. Oxford: Peter Lang. 51-68.

Fortier, A. M. 2000. Migrant Belongings: Memory, Space, Identity. Oxford: Berg.

Gupta, A. & Ferguson, J. 1992. “Beyond ‘Culture’: Space, Identity, And The Politics Of Difference.” Cultural Anthropology, 7, 6-23.

Halliday, F. 2000. Nation, and Religion in the Middle East. London: Saqi Books.

Handrahan, L. 2002. Gendering Ethnicity: Implications For Democracy Assistance. London: Routledge.

Kumaraswamy, P. R. 2003. “Problems of Studying Minorities in the Middle East.” Alternatives: Turkish Journal of International Relations, 2, 244-264.

Kumaraswamy, P. R. 2006. “Who Am I? The Identity Crisis in the Middle East.” Middle East Review of International Affairs, 10, 63-73.

Massad, J. A. 2001. Colonial Effects: The Making Of National Identity In Jordan. New York: Columbia University Press.

Moghadam, V. M. 1995. “The Political Economy Of Female Employment In The Arab Region.” In: Khoury, N. F. & Moghadam, V. M. (Eds.) Gender And Development In The Arab World: Women’s Economic Participation: Patterns And Policies. New York: Zed Books.

Nasser-Eddin, N. 2011. The Intersectionality of Class and Gender: Women’s Economic Activities in East and West Amman. Unpublished thesis.

Nasser-Eddin, N., Abu-Assab, N. & Greatrick, A. 2018. “Reconceptualising and contextualising sexual rights in the MENA region: beyond LGBTQI categories.” Gender & Development, 26:1, 173-189.

Nolan, C. J. 2006. The Age of Wars of Religion, 1000-1650: An Encyclopedia of Global Warfare and Civilization, Volume 2. London: Greenwood Publishing Group. 708-710.

Parvaz, D. 2017. “U.S. silent as Egypt considers new law outlawing homosexuality — and it’s worse than you think.” Think Progress. Available at: https://goo.gl/CCP5w6. November 10, 2017. [Accessed: May 20, 2018].

Provenzano, L. 2016. “Foucault on the Aporias of State-Phobia: Michel Foucault’s Collège De France Lectures.” [Blog]. Available at: http://bit.ly/2FnTFev. [Accessed March 1, 2018].

Rawl, J. A. 1999. Theory of Justice: Revised Edition. Oxford: Oxford University Press.

Shahd, L. S. 2004. An Investigation of the Phenomenon of Polygamy in Rural Egypt. Cairo: The American University In Cairo Press.

Sharabi, H. 1988. Neopatriarchy: A Theory of Distorted Change in Arab Society. Oxford: Oxford University Press.

Weber, M. 1978. Economy and Society: An Outline of Interpretive Sociology. Berkeley: University Of California Press.

Young, I. M. 1990. Justice and the Politics of Difference. Princeton: Princeton University Press.

Zubaida, S. 2001. Islam, the People and the State: Political Ideas and Movements in the Middle East. London: I.B. Tauris.

Zubaida, S. 2002. “The Fragments Imagine The Nation: The Case Of Iraq.” International Journal of Middle East Studies, 34, 205-215.