ما بعد الزواج الدينيّ: الزواج المدنيّ، القوانين المدنيّة للأسرة، وتعزيز حقوق النساء في لبنان
يعالج هذا النص النظام الطائفي الحالي في لبنان، وإمكانية إحداث تغيير جذريّ نحو قيام دولة علمانيّة تُدار فيها الأحوال الشخصيّة وفقًا لأحكام القوانين المدنيّة. للقيام بذلك، سأعرّج على التجربة التونسية آخذة بعين الإعتبار التقاطعات التي تجمع البلدين لجهة تاريخ الاستعمار والجغرافيا والمنظومة الدينية. تباعًا، سأتطرّق إلى الآثار المحتملة التي من الممكن أن يُحدثها هكذا تغيير على حقوق المرأة في لبنان، مع الإضاءة على الأساليب التي تُرسّخ فيها القوانين اللبنانية الحالية النظام الطائفي في البلد. يوازي ذلك قراءة في المعوقات التي تحول دون التحوّل إلى العلمانية في دولة طائفية.
Tears in the fabric.png
السياق التاريخيّ
بعد الحرب الأهليّة اللبنانيّة التي دارت رحاها ما بين الأعوام 1975 - 1990، وقًّع البرلمان اللبناني على اتفاق مصالحة وطنية، منهيًا بذلك نزاعاً مسلّحاً دام 15 عامًا. إتفاق المصالحة هذا يُعرف أيضًا باتفاق الطائف. يُعتبَر الاتفاق "أساس لإنهاء الحرب الأهلية والعودة إلى الحياة الطبيعية السياسية [ أي العودة إلى نظام طائفي] في لبنان" (كريم، 1997). جلَّ ما غيّره اتفاق الطائف بشكل أساسي هو نسبة المسيحيين/ات مقابل المسلمين/ات في هيكلية النظام، وليس طبيعة النظام السياسي (الطائفي-المدني) بحدّ ذاته. بعد الاتفاق، أصبحت نسبة المسيحيين/ات مقابل المسلمين/ات المشاركين/ات في السلطة 50-50، على عكس ما كانت عليه، أي 6 مقابل 5.
في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، ارتفع عدد النوّاب في المجلس النيابي اللبناني من 99 إلى 126. إضافة إلى ذلك، أُزيحت مركزيّة السلطة التي كانت في يد الأحزاب المارونية عبر تعديل المادة 17 من الدستور، الأمر الذي حدٌّ من صلاحيات الرئيس الماروني.1 تمّ تعديل المادة إلى النص التالي: "تُناط السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء، ويمارسها المجلس وفقًا للشروط المنصوص عليها في هذا الدستور". وذلك على عكس المادة السابقة التي نصّت على: "تُناط السلطة التنفيذية برئيس الجمهورية الذي يمارسها بمساعدة الوزراء وفقاً للشروط المنصوص عليها في هذا الدستور" (كريّم، 1997).
هدفَ اتفاق الطائف إلى مساعدة لبنان على تجاوز حالة التوتّر الطائفي والتحوّل إلى دولة علمانية. كان من المفترض تحقيق الهدف الأخير بعد خمس سنوات من المصادقة على الاتفاق، إلا أنه لم يتحقق حتى يومنا هذا. لبنان بلدٌ يضم 18 طائفة. ديمغرافيًا، تنقسم الطوائف الخمس الرئيسية في لبنان على النحو التالي: 27 بالمائة من السكّان مسلمون/ات من الطائفة السنّية و27 بالمائة مسلمون/ات من الطائفة الشيعيّة و21 بالمائة مسيحيون/ات من الطائفة المارونيّة و8 بالمائة من الروم الأرثوذكس و5 بالمائة من الدروز ("مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل"). ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه الإحصاءات غير دقيقة لأنها تستند إلى القائمة الانتخابية لعام 2011. تشمل الطوائف الأخرى مذاهب مختلفة من المسيحية، ومجموعات أصغر من اليهود والهندوس… تحصل تقريباً الطوائف الـ 18 على تمثيل "عادل" في البرلمان، وفقًا للمبدأ القاضي بتناسب عدد المقاعد النيابية التي تحصل عليها الطائفة في البرلمان مع الحجم الديمغرافي العائد لهذه الطائفة. ومع ذلك، فإن تعزيز الحكومة لمفهوم "التمثيل العادل"، يبعدها أكثر عن الهدف النهائي الذي نصّ عليه اتفاق الطائف، ألا وهو علمنة لبنان. هناك عقبة أخرى تحول دون الانتقال إلى ما بعد الطائف، وهي الحُجّة القائلة بأن الطائف يُمثّل الضمانة الوحيدة لما يُعرف بالسلم الأهلي في البلاد. يُسارع السياسيون الحاليون والجماعات الدينية إلى تكريس موقع اتفاق الطائف كحارس للسلام والاستقرار. كما يهدف إبراز عنصر التنوّع الديني ضمن الدستور، إلى التشديد على وجوب حماية الحرية الدينية. ينصّ القانون الدستوري في مادته التاسعة على أن "حرية العقيدة مطلقة وعلى الدولة وجوب احترام جميع الأديان والطوائف، وضمان ممارسة الشعائر الدينية بحرّية، واحترام المصالح الدينية وقوانين الأحوال الشخصية" (صليبا، 2010). هكذا تكون السلطة2 اللبنانية قد وضعت حجر عثرةٍ لا بُدّ من التغلّب عليه في المسيرة نحو تحقيق العلمانية. بعد أن عرّجتُ على هذه الخلفية التاريخية للساحة السياسية اللبنانية، سأناقش الآن مسألة الزواج وقوانين الأحوال الشخصية في ظلّ النظام الطائفي الذي يحكم لبنان اليوم. كما سأشرع في مقارنة واقع الحال اللبناني بما يمكن أن يكون عليه في سياق دولة علمانية. من شأن ذلك أن يفتح لنا الباب لمناقشة أبعاد تعزيز حقوق المرأة في المرحلة العلمانية التي تعقب اتفاق الطائف.
في ما يتعلّق بمظاهر تطييف الزواج وقوانين الأحوال الشخصية فهي تظهر على النحو التالي: يوجد حاليًا 15 قانونًا مختلفًا للأحوال الشخصية في لبنان، تتعلق بشكل رئيسي بالعقائد المسيحية والاسلامية والدرزية واليهودية (هيومن رايتس ووتش، 2015). يُربط الأشخاص بقوانين الأحوال الشخصية العائدة لدينهم المُحدّد عند الولادة. من شأن ذلك أن يخلق تفاوتات ضمن المجتمع لجهة الحقوق التي يتمتّع بها الأشخاص من خلفيّات دينية مختلفة. كما تساهم التفاوتات بالوقت نفسه في خلق فجوات بين الناس فيما يتعلق بالزواج والميراث والطلاق والوصاية، إلخ، الأمر الذي ينعكس تباينًا في الامتيازات ضمن كل طائفة دينية، وهي ظاهرة تُناقض واقع الحقوق المدنية في المجتمع المدني.
أما في تونس فالمشهد مختلف تمامًا. بعد استقلالها عام 1956، صاغت تونس قوانين الأسرة الخاصة بها. تمّ تطبيق تلك القوانين لأوّل مرة في عهد الحبيب بورقيبة، الرئيس التونسي الأوّل الذي ركّز خطابَه، كما سنناقش لاحقًا، على المساواة بين الرجل والمرأة لأسباب سياسية. مع ذلك، على المستوى القانوني، كان لهذا التركيز على المساواة آثارٌ بارزة على صنع السياسات. بيد أنه لا ينبغي أن تُعزى الجهود المبذولة لتنفيذ تلك الإصلاحات حصريًا إلى الحركة النسوية الحكومية أو إلى بورقيبة نفسه، لأنّها كانت في الواقع ثمرةَ نضالات جماعية بقيادة عدد من الناشطات أمثال بشيرة بن مراد ورضية حداد ومنوبة الورطاني (عرفاوي، 2007) كما يجب أن يُولى جزء من الفضل إلى طاهر حداد، الأكاديمي الذي جاء كتابه المعنون "نساؤنا في القانون والمجتمع" سابقًا لتلك الإصلاحات. وقد عارض المُحافظون هذا الكتاب إلى حدّ كبير، لكنه كان لبنة أساس للإصلاحات المدنية التي جاءت لاحقًا (مقدم، 2018). ما يميّز هذا الأكاديمي هو أنه اعتنق ثقافة بلاده، في خضمّ معالجته لقضايا الحقوق المدنية والمساواة متمسّكًا بالمنظور الإسلامي، فبالنسبة له كان يستحيل الفصل بينهما (تشرشل، 2013). على الرغم من أن تكريس هذا القانون جاء من جهة السلطة نزولًا نحو القاعدة الإجتماعية، إلّا أنّه كان بالفعل تمثيلًا للمساواة الممكنة ضمن قانون مدنيّ للأحوال الشخصية. على الرغم من الإشكاليات الكامنة ضمن القانون، كان يُعتبر نسويًا في ذلك الوقت، لأن الأيديولوجية الوحيدة التي سبقته كانت أيديولوجية "المجال المنفصل"، التي تفترض أن الموقع الوظيفيّ للمرأة ينحصر ضمن مجال المنزل، أما الرجل فينتمي إلى مجال العمل، وبذلك لا تكون النساء سوى عنصرًا مكمّلاً للرجال. بالطبع لم يبق القانون على حاله مع مرور الزمن، فقد خضع للتعديل عام 1993 في عهد خليفة بورقيبة، زين العابدين بن علي الذي شغل منصب الرئيس حينها. ومع ذلك، جاءت هذه التعديلات بفعل النسويات الناشطات والمجتمع المدني وليس مباشرة من جهة السلطة، مما جعل هذا القانون يُشكّلُ تمثيلًا أفضل، وإن لم يكن بالضرورة مثاليًا، لمطالب واحتياجات المرأة التونسية (قانون الأحوال الشخصيّة، 2012). تناولت الإصلاحات تعديلات تخصّ الممارسات الدينية التقليدية التي تُعتبر قمعية للمرأة، على غرار تعدّد الزوجات وسنّ الزواج، والحقّ في الطلاق والحق في الوصاية / الحضانة ... من الجدير بالذكر أن الوثائق القانونية وتطبيقاتها لا تشير بالضرورة إلى إجماع عام حول هذه الإصلاحات، ولا تؤمّن للنساء مساحات آمنة لتعزيز قضاياهم. لكن بعض الإصلاحات التي أعقبت المصادقة على قانون الأحوال الشخصية جاءت على إثر جهود الجماعات النسوية الناشطة، مثل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (ATFD) وجمعية النساء التونسيات من أجل بحوث التنمية (AFTURD) وغيرها من المجموعات. في عام 1990، على سبيل المثال، لم تعُد النساء مجبرات على إطاعة أزواجهن، بل كان لا بدّ من أن يُعامَلن باحترام، كما شُرّع لهنّ الحق في التعامل بشؤون الأسرة (شؤون الأطفال والسفر والشؤون المالية). ثم مُجددًا في العام 2004، أصبحت المرأة تتمتّع بحق إعطاء اسمها لطفلها إذا كان الأب غير معروف (تشرشل، 2013). وأخيرًا، في العام 2018، صارت النساء تتمتّعن بالمساواة في الميراث (صادق، 2018).
جليٌّ هو التباين الحاد بين النهج الذي اعتمد في لبنان وذاك الذي اعتمدته تونس لتطوير قانون الأحوال الشخصية على الرغم من كونهما بلدين ناطقين باللغة العربية، وقد تجمعهما تجارب مشابهة بسبب القواسم المشتركة في تاريخ كلّ منهما، إضافة إلى التقاطعات الشكليّة بين ثقافاتهما ومجتمعاتهما المختلفة. أزعم أن العنصر الذي يلعب الدور المفصليّ في التصديق على قانون الأحوال الشخصية، هو النهج الذي تتّبعه كل دولة لإحداث3 هذا التحوّل. فتونس، اعتمدت نهج التغيير الجذري، إذ قامت بعد الاستقلال مباشرة، بصياغة القانون والتصديق عليه في غضون 6 أشهر. في تلك الأثناء كان لبنان يخوض غمار مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. وكان من المفترض بالدولة اللبنانية أن تلج في مرحلة انتقاليّة ضمن أحكام اتفاق الطائف، ولكن كما أوضحتُ سابقًا، لم يحدث التحوّل المنشود أبدًا بسبب الصلاحيات التي تتمتع بها السلطات الدينية على قانون الأحوال الشخصية، وتبعات ذلك على أعمال البرلمان. هذا المشهد يمثّل دليلًا قاطعًا على أن التغيير التمرحلي في دولة ترزح تحت وطأة السلطات الدينية ليس بمسار فعّال. ونعني بـ "تغيير تمرحلي"، تغييرًا يهدف إلى معالجة كل سياسة على اعتبارها مكوّنًا مستقلّا بحدّ ذاته، كما هو الحال عند معالجة الميراث كقضية قائمة بذاتها والوصاية / الحضانة كقضيّة أخرى... جلّ ما يُحدثه هذا النهج هو الدفع نحو التأقلم مع النظام الطائفي، بدلاً من إعداد المواطنين للانتقال إلى نظام مدنيّ. إن التغيير الجذري للنظام ــ أي وضع جميع الأسباب المذكورة تحت مظلة واحدة لقانون الأحوال الشخصية، وتفكيكها عن النظام القائم ــ لا يحدث إلّا بعملية تغيير مستمرّ وتعلّم وتعديل للقوانين.
ينصبّ تركيزي بشكل أساس على قوانين الأحوال الشخصية، لأنني أعتقد أنها أساسٌ لإرساء المساواة بين المرأة والرجل، ولأن أثرها التطبيقي يطال مجالات أبعد من صياغته أو تطبيقه. فقوانين الأحوال الشخصية، لها أثر مباشر على القوانين الجنائية والدستورية، إذ من شأنها تشييد الأسس القانونية التي تهدف إلى الحماية من العنف ومختلف أشكال الظلم، كتزويج الأطفال والتحرّش الجنسي. كما أن من شأنها تفسير ظواهر مثل غياب تمثيل المرأة في المجال السياسي.
الزواج المدنيّ في لبنان
من الخطأ القول إنّه لم يتمّ السعي من أجل الإصلاح المدنيّ في لبنان. بل على العكس، على الرغم من أن الزواج المدنيّ ليس قانونيًا في لبنان، إلّا أنّه كان دائمًا موضوع نقاش. في الواقع، المرّة الأولى التي نوقش فيها الزواج المدنيّ في البرلمان، كانت في الخمسينيّات عندما حصلت المحاكم الدينيّة ولا سيما المسيحيّة منها، على السلطة الكاملة لتنظيم قوانين الأسرة. كان كلٌ من الممثلين المسيحيّين والمسلمين مؤيّدين بشدّة لقانون 1951، مع ذلك، واجهوا معارضة كبيرة من أعضاء نقابة المحامين العلمانيين الذين هدّدوا بالإضراب. في تلك المرحلة، طفا الجدل القائم حول الزواج المدنيّ على السطح. في عام 1971، قُدّم أول قانون للأحوال الشخصية المدنية إلى البرلمان، ولكن سرعان ما رُفض بسبب التوترات الطائفية المتصاعدة والناتجة عن توزيع المقاعد البرلمانية (نسبة المسيحيين/ات إلى المسلمين/ات).4 زادت شرارة الحرب الأهلية في العام 1975 حدّة التوتّر الدينيّ في ذلك الوقت، وبسبب تلك التوتّرات المستعرة، قوبلت المحاولات اللاحقة لقوننة الزواج المدنيّ برد فعل عنيف من شخصيات دينيّة بارزة. بعد هذا التحوّل الملحوظ في تفاعلات القوى، حاول المجتمع المدنيّ مرارًا خلال تلك الفترة الزمنية ممارسة الضغط لتشريع الزواج المدني إلّا أنه قوبل بالرَّفض (دبُّوس، 2017). أمّا في العام 1998، قدّم الرئيس إلياس الهراوي مشروع قانون إلى البرلمان تَضَمَّن، إلى جانب جملة من قوانين الأحوال الشخصية، إدخال الزواج المدنيّ الى لبنان رسميًا (زهور، 2002). وقَّع اثنان وعشرون وزيرًا في ذلك الوقت لصالح مشروع القانون. لكن رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري رفض التوقيع، بذريعة أن المشروع كان بحاجة إلى مزيد من التدقيق فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية. كما أثار مشروع القانون غضب عدد من قادة الأحزاب الدينية الذين زعموا أنه يشكّل تهديدًا على أخلاق وقيم الدين بالمجمل، والحرّية الدينية خصوصًا. جاء الرّفض بشكل رئيسي من الأطراف السنّية والمارونيّة، وسارع قادتهم للقول إن مشروع القانون المذكور لا ينبغي أن يكون خيارًا في المقام الأول (عُفيش، 1999). قُدّمت مسودة أُخرى فيما خصّ قانون الزواج المدنيّ إلى البرلمان في عام 2011، والتي كانت قد صاغتها منظمات غير حكومية ومنظمات علمانية. لكن المسودة رُفضت على الفور ولم تُناقش (أبو جودة، 2014). في الـ 2019، أعادت وزيرة الداخلية والبلديات السابقة ريا الحسن إحياء النقاش حول الزواج المدني، بإعلان نيّتها معالجة المسألة (نهارنت نيوزدسك، 2019). ومع ذلك، فإن تلك النوايا المزعومة لم تُترجم في الواقع أبدًا. فالدولة لا تزال تعمل في ظل أحكام الآلة السياسية ذاتها، التي أُوجِدَت في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. وليست ريا الحسن إلّا جزءًا من هذا النظام. شكّلت معارضة الحكومة (الحكومات) السابقة موقفًا جليًا أثناء الثورة التي انطلقت عشيّة 17 تشرين 2019، إثر سلسلة من الضرائب الإضافيّة التي كانت الحكومة بصدد فرضها. ومع ذلك، لم تكن الضرائب إلا الشعرة التي قسمت ظهرالبعير، فكثيرةٌ هي الأسباب الجوهريّة الأخرى التي دفعت بالناس إلى النزول إلى الشوارع، منها الظروف المعيشية والتضخُّم والأزمة الاقتصادية ... كما وجد بعض المتظاهرين/ات أن هذه الثورة فرصتهم للمطالبة بالانتقال من دولة طائفية إلى دولة علمانية. كما أسلفنا الذكر، على الرغم من شيوع الزواج الديني وقوانين الأحوال الشخصية الدينية في لبنان، إلا أن بعض المواطنين/ات اللبنانيين/ات ما زالوا يصرّون على السعي وراء الزواج المدني. وبما أن هذا الخيار غير موجود في النصوص القانونية اللبنانية، يسافر بعض المواطنين الساعين وراء عقد زواج مدنيّ إلى دول مجاورة، مثل قبرص واليونان. وفي هذا السياق أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان أن 560 زوجًا لبنانيًا سافروا إلى قبرص، وعقدوا زواجًا مدنيًا هناك عام 2014 (حمادي، 2018). هكذا، يعود المتزّوجون في الخارج إلى لبنان ويسجّلون زواجهم بشكل قانوني، لأن الدولة اللبنانية تعترف بالزواج المدني على اعتباره أجنبيًا. بهذه الطريقة تُعتبر تلك الزيجات قانونيّة ويَتَّبع الزوجان قانون الأحوال الشخصية العائد للبلد الذي تزوجا فيه. ويصبح على الزوجين العودة إلى القوانين المدنية للبلد الذي عقدوا فيه زواجيهما لحلّ شؤونهما القانونية في حالات مثل الطلاق أو الميراث أو الوصاية. في العام 2013 حدثت حالة استثنائية، إذ تمكّن المواطنان نضال درويش وخلود سكّرية من عقد زواج مدنيّ على الأراضي اللبنانية. وأعقب هذا الإنجاز ثمانية نجاحات أخرى للزواج المدنيّ على الأراضي اللبنانية، نجحت كلها لاستنادها على ثغرة في القانون. فخلال فترة الانتداب الفرنسي، سمح المرسوم رقم 60 /1936 للّبنانيّين الذين لا ينتمون إلى طائفة معينة أن يتزوجوا مدنيًا دون تدخّل دينيّ. صدر هذا القرار آنذاك بهدف تسهيل زواج غير اللبنانيين وبالتحديد الرجال الفرنسيين من النساء اللبنانيات. عطفًا على ذلك قام الأزواج المذكورون سابقًا بشطب طوائفهم عن بطاقات هويتهم اللبنانية، ورفعوا قضيتهم على هذا الأساس. ومع ذلك، تكمن العثرة الرئيسية لهذه العملية في غياب قوانين أحوال شخصية مدنية في لبنان. لذلك، فإن تسجيل هذه الزيجات والاعتراف بها أمر معقد لانعدام أساس واضح لها في قانون الأسرة. تستدعي هذه الإشكالية قيام الدولة بالتحقيق فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية وعلاقتها بتنفيذ القانون الدستوري، الذي ينصّ صراحة على أن النساء والرجال متساويين، الأمر الذي من شأنه تفكيك ديناميكية القوّة التي كرّستها منظومة الزواج الدينيّ لسنوات.
في القسم التالي، سأناقش أهمية وتداعيات تطبيق قانون الأحوال الشخصية على حقوق المرأة في لبنان. سأستند في حججي المتعاقبة إلى القانون الموجود في "مجلة الأحوال الشخصية" التونسيّة، على اعتباره أكثر نظام قانوني ضامن للمساواة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولأن تونس ولبنان لهما تجارب متشابهة لجهة أنّهما كانتا مستعمرَتين من قبل فرنسا، وكانتا تحتكمان وفقا لأحكامٍ طائفيةٍ في مرحلة ما قبل استقلالهم. وفي الحالة المثالية، أفترض وجوب تطبيق إصلاحات قانون الأحوال الشخصية على جميع الزيجات في لبنان، سواء كانت مدنية أم دينية.
حول إصلاحات منظومة الزواج
أحد الجوانب الأولى التي لا بدّ أن يعالجها قانون الأحوال الشخصية هو السنّ القانونية للزواج. وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، "تم تعديل قانون الأحوال الشخصية [التونسي] في العام 2007 ليحدّد السنّ القانونية للزواج لكلّ من الزوجين بـ 18 سنة". ذكرت المادة 5 السابقة في نسخة عام 1956 من القانون نفسه، أن الزواج لا يُعقد إلا إذا وصل كل من الفتاة والرجل سنّ البلوغ. ومع ذلك، فقد اعتُبر سنّ البلوغ لدى الفتيات 15 سنة و18 سنة للرجال (صفير، 1957). عند النظر في الإصلاحات المدنية، تعدّ هذه المسألة هامّة ويجب على السلطات اللبنانية التيقظ لها.
في ما يتعلّق بالزيجات الدينية، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي:
تسمح جميع المجموعات الدينية للفتيات تحت سنّ 18 سنة بالزواج. يسمح المسلمون من الطائفتين السنيّة والشيعيّة بزواج الفتيات في سنّ التاسعة، على أن يتمّ منح الموافقة من قبل الأولياء، إلّا أن هذه الظاهرة لم تعد معتادة. تسمح الطوائف اليهودية بزواج الفتيات اللواتي تتجاوز أعمارهن 12 سنة. كما تسمح الكنائس الأرثوذكسية والأرثوذكسية الأرمنية بزواج الفتيات عند سن الـ 14. سنّ زواج الصِّبية عند معظم المجموعات الدينية هو 18 عامًا، على الرغم من أنه يمكن الموافقة على زواج الأصغر سنًا. (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2018)
لا يزال السنّ القانوني للزواج في لبنان يسمح بزواج الأطفال. عارضت العديد من المنظمات النسائية اللبنانية غير الحكومية كـ "التجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني" (RDFL) ومنظمة "أبعاد" (ABAAD)، من خلال الحملات والاحتجاجات والمؤتمرات هذا الواقع القانوني (مبادرة يوروميد النسوية، 2017؛ أبعاد والمعهد العربي لحقوق الإنسان، 2015). بالإضافة إلى جهود هذه المنظمات غير الحكومية، كرّست العديد من المبادرات والجهود الشخصية نفسها للقضية، إلا أنها غُيّبت لعدم توثيقها. إن السماح بزواج الأطفال قانونيًا يعتبر إنتهاكًا لحقوق الأطفال من قبل الدولة اللبنانية، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل، التي لم يكتفِ لبنان بالتوقيع عليها فحسب، بل كان من المصادقين عليها. لذلك، وبحسب تقييم "اليونيسف"، فإن لبنان ينتهك المواد 9 و 13 و 19 و 24 و 28 و 31 و 34 و 36 من الإتفاقيّة (دي سيلفا دي ألويس، 2007). عندما نتحدث عن زواج الأطفال، نقصد عادة زواج الفتيات القاصرات لأنها الظاهرة الطاغية على المشهد في لبنان. تلك إشكاليّة ذات طابع مجندر، فالفتيات يُنظر إليهن من قبل الرجال كأشياء جنسيّة يستوجب تزويجهنّ للحفاظ على شرف أسرهنّ، أو ما يُعرف إجتماعيًا5 بـ "السّترة". علاوة على ذلك، تُباع بعض الفتيات للزواج في السياقات التي تكون فيها أُسرهنّ في وضع اجتماعي واقتصادي مُعدَم ("أبعاد" و"المعهد العربي لحقوق الإنسان"، 2015). أحد الأسباب الإضافية وراء تزويج العديد من الفتيات في هذه السنّ المبكرة هو أن الآباء لا سيما اللاجئين منهم، يرون في فعلهم هذا حمايةً لبناتهم من التعرّض لاعتداء الجنسي. إلا أنهم بذلك يعرضون بناتهم لخطر الاعتداء الجنسي الزوجي، الذي يمكن أن يصل حدّ الإغتصاب. وبحسب منظمة "فتيات لا زوجات"، 6% من الفتيات اللبنانيات تتزوجن قبل بلوغهنّ الـ 18 عامًا و1% يتزوجن قبل بلوغهنّ سنّ الـ 15 عامًا ("فتيات لا زوجات"، 2018). إلى أن يُحظر زواج الأطفال في لبنان، تبقى مراعاة الحدّ الأدنى للسنّ القانونية للزواج أمر حيوي ضمن سياق عمليّة تطبيق فعليّة لقانون أحوال شخصية مدنيّ عادل. الجدير بالذكر أن زواج القاصرات في ظل نظام مدني يجب حظره بالمطلق، حتى في حال موافقة الأوصياء.
عطفًا على ما سبق، ورد في المادة 3 من القانون التونسي، "لا يمكن عقد الزواج إلا بموافقة الزوجين" (قانون الأحوال الشّخصيّة، 2012).6 كما أن جميع الأديان تؤكّد على أن موافقة المرأة ضرورة لإتمام عقد الزواج. ومع ذلك، هناك استثناءات للقاعدة: "يُلغى هذا الحق تلقائيًا عندما تكون المرأة المعنية متزوجة عند الولادة أو في سن الـ 9 أو حتى 13 أو 15 أو الأسوأ عندما تكون متزوجة بالوكالة" (شحادة، 2010). حالات الزواج القسري في لبنان في غالبيتها تكون تزويج الأطفال. ومع ذلك، فإن هذا لا ينفي حالات الزواج القسري التي تُفرض على من هنّ ضمن السّن القانونية. والأسباب لتلك الظاهرة متعدّدة. بعضها يحدث بحجّة الحفاظ على شرف العائلة في حال شوهدت المرأة مع رجل من غير أفراد الأسرة. شكلٌ آخر من الزواج القسري الممارس في لبنان حتى اليوم هو "الزّواج المدبَّر"، والذي قد يحدث في حال كان الرجل ثريًا وعائلة الفتاة بحاجة إلى المال. في هذا السياق تعتمد العائلات على زوج ابنتهم الجديد لتوفير دعم مالي لهم وإعالة ابنتهم. لا بد من إجراء المزيد من البحوث بخصوص هذا الموضوع، لا سيّما وأن الإحصاءات نادرة بسبب حساسية المسألة. كما لا يزال الزواج من شخص من طائفة مختلفة أمرًا مرفوضًا بين العائلات اللبنانية المحافظة، لذلك، تلجأ العديد من العائلات المحافظة إلى التزويج المبكر أو القسري لحل/ تلافي هذه المشكلة، على الرغم من أنها موجودة ومطبقة من قبل كثيرين/ات من الذين يتزوجون في سنّ متأخرة.
أما فيما يتعلّق بعقد الزواج كما يرد في قوانين الأحوال الشخصية الخمسة عشر الحالية، يُسمح بالزواج المختلط على النحو التالي:
يُسمح للرجل السني أو الشيعي (المسلم) أن يتزوج من امرأة مسيحية أو يهودية من دون أن تُضطر هي إلى اعتناق دينه، ولكن لا يُسمح للمرأة المسلمة أن تتزوج من رجل مسيحي أو يهودي. يمكن للرجل الكاثوليكي الزواج من نساء مسلمات. في هذه الحالة، يتلّقى الزوجان البركة عند المذبح، ولا بدّ من تعميد أطفالهم وتربيتهم على أنّهم من الدين الكاثوليكي. لا تسمح الطائفة الدرزية إلا بالزواج ضمن الملّة ... وينطبق الشيء نفسه على المجتمع اليهودي. تسمح الكنيسة الأرثوذكسية بالزواج من المسلمين/ات تحت شرط تغيير العقيدة المُعتنقة. وأخيرًا، تسمح الشريعة الإسلامية بتعدد الزوجات. (صلاح مطر للمحاماة، بدون تاريخ)
بالتالي، فإن السماح للمرأة بالزواج من رجال من ديانات أخرى يُعتبر خطوة كبيرة في اتجاه المساواة بين المرأة والرجل من جهة، وخطوة نحو تفكيك النظام الطائفي من جهة أخرى. في حين تمنح معظم الأديان الرجال حرية الزواج من نساء من ديانات أخرى، تبقى المرأة هي الطرف الذي يدفع الأثمان الباهظة في حال أرادت الزواج من رجل من ديانة مختلفة. لذلك إن تشريع الحق في الزواج المختلط سيسهل العملية الزوجية لجهة المرأة. عطفًا على الفقرات السابقة لا بد من الولوج في مسألة تعدد الزوجات في ظل الزواج الديني. إن هذه الظاهرة محظورة في قانون الأحوال الشخصية التونسي ويعاقب عليها القانون إذ تنص المادة 18 من القانون التونسي على ما يلي: "تعدّد الزوجات محظور. ويترتب على الزواج من أكثر من امرأة عقوبة السجن لمدة عام و/أو غرامة قدرها 240.000 فرنك" (قانون الأحوال الشخصيّة، 2012). إن تطبيق مثل هذا الإصلاح على قانون الأحوال الشخصية سيضع أرضية مشتركة لكلٍّ من الرجل والمرأة للمضي قدما في حياتهما الزوجية دون أن تشعر المرأة بالتهديد المستمر من هاجس تعدد الزوجات. بذلك، يساهم هكذا تعديل في انخفاض العنف النفسي الممارس ضد المرأة، كما أن من شأنه الإسهام في انخفاض حالات الزيجات المبنية على الاتجار بالأطفال.
لا بد للقانون المدنيّ أن يأخذ في الحسبان أيضًا نوعا من الزواج الذي يحصل ضمن الطائفتين الشيعية والسنية، وهو زواج المتعة. وهو نوع من الزواج المؤقّت يُسمح فيه للرجل "بالزواج" من امرأة مؤقتًا بهدف ممارسة الجنس / الجَماع معها ثم بعد ذلك إلغاء الزواج، مع اعتبار الجَماع حلالًا شرعًا. بالنسبة للنساء اللواتي لا يرغبن بالضرورة في هذه الممارسة أو لا يوافقن على مثل هذا الزواج لأنفسهن، فإن التعامل مع أجساد النساء على أنها أدوات للإشباع الجنسي، سينخفض بموجب هذا القانون وسيجعل من الممارسة التي تعتبر "خيانة" ضمن ثقافة العلاقات الأحادية، سببًا مشروعًا لترفع المرأة طلب طلاق، لا سيما وأنها ممنوعة كمُتزوّجة من المشاركة في هذا النوع من الزواج، ناهيك عن أنها ممنوعة عن المبادرة في عقده. آخذين بعين الإعتبار أن هذه الممارسة تمكّن بعض النساء وتعطيهن خيارات جنسية ما كُنَّ ليحصلن عليها في حال ترمّلهنّ أوطلاقهنّ، إلا أن تركيزنا ينصبّ هناعلى أولئك الذين يرغبون في الحفاظ على الطابع الديني لا القانوني لممارساتهم.
الطلاق والوصاية والإصلاحات في الميراث
قوانين الطلاق مُجحفة بحقّ المرأة. لا يكمن الإجحاف في القوانين نفسها فحسب، بل في المحاكم أيضًا. يُحظر الطلاق غالبًا في القوانين المسيحية. غير أنه يُمكن للطلاق أن يكون مقبولاً لدى الطوائف الأرثوذوكسية اليونانية، في حال ارتأى الرجل ذلك. بمعنى أنه وفي حال وجد الرجل أن زوجته ليست عذراء بعد الزواج، يحق له بأن يُطًّلقها. علاوة على ذلك، في حال لم تُذعن الزوجة لأوامره أو لم تستوفِ القواعد التي تفرضها الكنيسة على الزواج، يحق للرجل أن يدّعي عليها ويطلّقها. كما تؤخذ المُشكلات الزوجية الأُخرى بعين الاعتبار، لكن وبصورة عامة فإن من الصعوبة بمكان الحصول على الطلاق لدى الطوائف المسيحية وبالأخص لدى الطائفة المارونية (شحادة، 2010). بالنسبة للمُسلمين من الطائفتين السُنية والشيعية، للرجل الحق الكامل في أن يُطلّق زوجته متى رأى ذلك مناسبًا، حتى دون موافقتها أو علمها. ومع ذلك فإنه ولتتمكّن المرأة السُنيّة من رفع دعوى طلاق أو فسخ زواج دون موافقة الزوج، لا بُدّ وأن يكون الزوج قد شاركها "العصمة". على الرُغم من أنها مقبولة دينيًا، بيد أن مشاركة الرجل "العصمة" مع المرأة أمرٌ مُستهجنٌ ونادرٌ جداً. بالتالي، ومن دون "العصمة" ليس للمرأة السُنية إلا سبيل واحد لرفع طلب الفصل وهو: "لا يمكن للمرأة السنية أن تبادر بطلب الطلاق إلا من خلال التقديم للفصل – من خلال فسخ الزواج بأمر قضائي لأسباب منصوص عليها في القانون الديني" (هيومن رايتس واتش، 2015). أما بالنسبة للنساء الشيعيّات، فالانفصال ليس خيارًا، لأنه غير معترف به في قانونهم المذهبي. لذا فإن هذا يحدّ بشكل كبير من قُدرة المرأة الشيعية على طلب الطلاق. لا يمكن للمرأة الشيعية الحصول على الطلاق إلا من خلال طلب استرحام من السلطة الدينية المتمثلة بالمحكمة الجعفرية. يُسمى هذا الطلاق بالطلاق "السيادي"، عندما تطلب المرأة هذا الإعفاء خارج إطار المحكمة، حينها فإن هذه السُلطة الدينية تتمكن من أن تُطلّق المرأة نيابةً عن زوجها. من الواضح أن عملية الطلاق للنساء هي أكثر تعقيدًا وصعوبةً منها للرجال. فالزواج الديني يحرم المرأة من استقلاليتها وتمثيلها لمصلحتها الخاصة، وبالتالي يجري التلاعب بها للبقاء في زيجات يمكن أن تكون مسيئة أو فاشلة. على أحسن تقدير، وفي هذه المسألة أيضًا، يمكننا الاعتماد على قانون الأحوال الشخصية التونسي كمثال على قانون طلاق عادل. تنص المادة 31 على ما يلي:
يصدر قرار الطلاق: 1. بناء على طلب من الزوج أو الزوجة وللأسباب المنصوص عليها في هذا القانون. 2. متابعةً للموافقة المتبادلة بين الزوجين. 3. بناءً على رغبة الزوج في الطلاق أو طلب الزوجة له، وفي هذه الحالة يُحدد القاضي التعويض المالي الذي يحق للزوجة الحصول عليه أو التعويض الذي عليها أن تدفعه للزوج. (قانون الأحوال الشخصية، 2012)
مع ذلك، فإن من الأهمية بمكان أن نُدرك أن الإساءة الزوجية تعدّ سبباً كافياً يدفع النساء إلى الطلاق، لكن في وقتنا الحالي ولدى مختلف الطوائف المذهبية، لا يُعتبر هذا السبب كافيًا. لذا، من المهمّ ذكر هذا الأمر ضمن قوانين ومعايير الطلاق، ولا بُدّ أن يوضع قانون يحمي المرأة من عنف الشريك الزوجي أو / ومن العنف المنزلي، ومن الضروري اعتبار الحالتين الأخيرتين سببًا مشروعاً للمرأة يمنحها الحق في الطلاق الفوري.
أمّا بالنسبة للوصاية، لدى كلٍّ من الطوائف الشيعية والسنيّة والدرزية والمسيحية، فإن سنّ الأطفال هو ما يُحدد سواء سيقيمون مع والدتهم أم مع أبيهم. ومع ذلك، تُسلط "هيومن رايتس ووتش" الضوء على كيفية فشل ذلك في الالتزام بالمعايير التي وضعتها "اتفاقية حقوق الطفل". تكرّس هذه الاتفاقية المبدأ القائل إنّه "في جميع الأمور المتعلّقة بالأطفال، يجب أن تكون المصلحة الفُضلى للطفل هي الاعتبار الأساسي" (دي سيلفا دي لويس، 2007).
إلى جانب الوصاية، تعتمد المحاكم الدينية مفهوم "الحضانة"، أي الاعتناء بالطفل وتربيته حتى بلوغه سن الـ18 عاماً. غير أنه وفي كلتا الحالتين، هناك ميل عام تجاه منح الرجل الحق في الوصاية أو الحضانة، أو لعائلته في حال الوفاة وليس الطلاق، بينما يجري التمحيص بشكل خاص ومُتشدد في حالات منح المرأة "الوصاية" أو "الحضانة"، ونشهد ذلك بشكل خاص عندما تحاول المرأة الحفاظ على وصايتها بعد السنّ المخصص للطفل، أو عندما يحاول الزوج أخذ الأطفال من الأم قبل السنّ المحدّد. تسود هذه الظاهرة مُنذ سنين طويلة، وقد حاولت العديد من المجموعات والأفراد الضغط على المحاكم الدينية لتغيير سياستها. أحد أبرز الأمثلة على تلك الحالات هي نادين جوني، الناشطة النسوية التي أُخذ منها ابنها في سنّ مبكرة جدًا، ثم أمضت ما تبقّى من حياتها محاولةً استعادة حضانته، وتغيير القوانين الكامنة وراء هذه المعاملة غير العادلة. كانت هذه المطالب المتعلّقة بالحضانة (وحق المرأة في نقل جنسيتها لأطفالها)، بارزةً في ثورة 17 تشرين الأول / أكتوبر 2019. في 29 شباط / فبراير 2020، وقفت قُرابة 200 امرأة في الشوارع للاحتجاج أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، كرد فعل على فيديو لأم لم يُسمح لها بالاقتراب من قبر ابنتها بعد عامين من فقدان حضانتها (ميغافون، 2020). ليست هذه القصة فريدة من نوعها. يُمكن للنساء خسارة حضانتهنّ بسهولة إن كُنّ من ديانةٍ أو طائفةٍ مُختلفة عن الأب، يعود ذلك لخشية السلطات من أن تتغير الميول الدينية لدى الطفل. إضافة على ذلك، في حال تزوجت المرأة مرّة أُخرى، فإن فُرصها في الاحتفاظ بحضانة أطفالها تتضاءل كثيرًا. هذه التبعات ليست هي نفسها بالنسبة للرجال، حيث يُعتبر أن الرجل هو من سيُربّي أطفاله على أخلاق وقواعد الدين أو الطائفة التي ينتمون إليها. وفي خضمّ هذه المعادلة فإن الزوجة الجديدة لا تُعدّ سوى إضافةً تؤمّن "إطارًا صحّيًا" لعملية نمو الطفل (دي سيلفا دي لويس، 2007). إن مثل هذه القوانين تُعزز اتفاق الطائف في لبنان، لأنها تؤكد أنه وبغض النظر عما إذا تزوّج الرجل من امرأة من طائفة مختلفة، فإن الطفل سيتبع طائفة الرجل، محافظًا بذلك على السمة الديموغرافية التي تحدَّد عند الولادة. الأمر نفسه ينطبق على عدم قُدرة المرأة نقل اسمها لأطفالها، لأن ذلك قد يخلق قلقًا لدى الأحزاب السياسية الحاكمة حاليًا ويشكّل خطر تغيير محتمل في النظام الطائفي الحالي.
في هذا السياق، قد أزعم بأن قانون الوصاية التونسي مازال بحاجة إلى إصلاح قبل أن يُعتبر مدنيًا، لأنه وفي بعض بنوده مثل البند 59، مازلنا نلمس جذورًا طائفية كامنة في طيّاته. لا بُدّ وأن توضع مصلحة الطفل الفُضلى في مُقدمة أي عملية طلاق، بغض النظر عمّا إذا كانت الأُم من نفس الطائفة أم من طائفة مُختلفة عن الطفل.
أمّا بالنسبة للميراث لدى السُنّة فإن الوريثة الأُنثى تحصل على نصف ما يحصل عليه الوريث الذكر "للذكر مثل حظ الأُنثيين". على سبيل المثال، إذا مات والد صبي وفتاة، تحصل الابنة على 1/3 ممتلكات والدها بينما يحصل الابن على 2/3 منها. في حال كان الرجل مُتعدّد الزوجات، تحصل زوجاته على ميراث متساوٍ. في المذهب الجعفري، الميراث مبنيّ على الرتبة. العائلة الممتدة مُقسّمة إلى ثلاث رُتب: المرتبة الأولى تتضمن الوالدين والأطفال، المرتبة الثانية تتضمن الجدّين والإخوة والأخوات، المرتبة الثالثة تتضمن الأعمام والعمّات والأخوال والخالات متبوعين بأطفالهم. هذه الرُتب مُقسّمة دون أخذ الهوية الجنسية بعين الاعتبار. الشخص ذو المرتبة الأعلى يرث كُل شيء دون تمييز قائم على الجنس. غير أنه وفي حال وجود شخصين بنفس المرتبة من الجنسين فإن الذكر يأخذ ضعف ما ترثه الأُنثى. أمّا بالنسبة للدروز فإنهم يتبّعون المذهب الحنفي المُشابه إلى حد كبير للمذهب السُنيّ. ومع ذلك، في العام 2017، تم إدخال تعديل على قانون الأحوال الشخصية الدُرزي. هذا التعديل يصبّ في مصلحة ابنة المتوفى إلى حد كبير، وجاء في التعديل: "إن كان للمتوفى إبنة أُنثى فقط، يجري اعتبارها في مقام مستقلّ، وتحصل على الميراث بأكمله. إذا كانت هناك العديد من الفتيات، يتم توزيع الحصص بالتساوي" (عفيش، 1999). أمّا بالنسبة لقوانين الميراث المسيحية، فإن الميراث يوزّع بالتساوي على أفراد العائلة. وبالتالي، بالحديث عن قواعد ميراث متساوية محتملة في إطار الزواج المدني، يُمكننا مقارنة القوانين الممكنة بقوانين المسيحيين أو قوانين تونس أيضًا. في قانون الأحوال الشخصية الخاص بهم، هناك تفصيل معمّق حول كيفية تقسيم الثروة بإنصاف ومساواة بين المادة 119 والمادة 112.
قانون الأحوال الشخصية المدنية والمرأة
تتعدّى قوانين الأحوال الشخصية عملية تنظيم قضايا الزواج والطلاق والميراث... فهي ترتبط مباشرة بقضايا مثل استقلالية المرأة وصحّتها الإنجابية وجسدها. يُمهّد قانون الأحوال الشخصية المدنيّ الطريق أمام النساء للحصول على الحقوق التي يطمحن إلى الحصول عليها من خلال القوانين الجنائية والدستورية. يُذكر في القانون الدستوري اللبناني أن النساء والرجال متساوون، ولكن عندما يكون القانون الذي يُنظّم الحياة الشخصية للأفراد مُنحازًا بطبيعته، فمن الصعب أن تُعكس هذه الصورة على المجالات الأخرى من حياة المرأة. وعندما أتحدث عن الحياة الخاصة هنا، أعني أنها تنظّم حياة الأسرة. في المجتمعات "التعاونية / التشاركية"، لا تعود الحياة الأسرية شيئًا يُمارس في كيانات صغيرة وفي خصوصية منزل الفرد، بل تصبح جانبًا عامًا من الحياة. الجميع مُنخرطون في القضايا العائلية لبعضهم الآخر، لن تُحصر المسائل بالأسرة النواتية فقط، بل بالأسرة الممتّدة. عندما يصبح هذا الجزء الخاص من حياة المرء متاحًا أمام أنظار أفراد المجتمع الآخرين، تُصبح القضايا الفردية سياسية، خاصة عندما تؤثر المسألة سلبًا على حياة المرأة، وفي لبنان يحصل ذلك بدرجات مختلفة. مثلاً، عندما تستطيع المرأة بموجب قانون الأحوال الشخصية أن تنقل اسمها إلى أطفالها، فإّنها تضع عندئذ الأسس لحقّها في نقل جنسيتها. عندما يُنظر إلى اسمها ككيان في حد ذاته، يُنظر إلى جنسيتها وطائفتها أيضًا على أنهما جزء من هويتها وليست وسيلة تعريف مؤقتة تنتهي مع عقد الزواج. هذا أحد الأسباب الرئيسية لعدم تطبيق القانون المدنيّ في لبنان بعد، فهو يُخيف النظام الحالي بشكل مباشر، ويهدّد التغيير الديموغرافي، وبالتالي المحاصصة السياسية / الدينية. هكذا تصبح القضية أداةً للحفاظ على النظام السياسي الحالي وبنيته وممتلكاته الطائفية. علاوة على ذلك، حين تُمنح المرأة هويتها الخاصة، تتوقف عن كونها تابعة لوالدها أو زوجها أو أخيها، وتصل إلى نوع من التحرّر الذاتي، يليه الحق في ممارسة هذه الحرية.
مثال آخر على كيفية منح القانون المدني المرأة حقوقها المستقلّة على جسدها، بموجب القانون المدني، المرأة غير مُلزمة بمُمارسة الجنس مع العريس، وبالتالي لا يُمكن استخدام هذا الالتزام كذريعة لتبرير الاغتصاب الزوجي. لم يعد بمقدور الرجل الكاثوليكي حرمان زوجته من وسائل منع الحمل، على الرغم من أنها متاحة الآن ومجانية في مراكز الصحة الأولية، لأنها خدمة صحيّة يجب أن تكون متاحة لجميع النساء عند طلبهن (مكداشي، 2014). سياسيًا، لا تُستبعد المرأة التي تترشح للانتخابات، بذريعة عدم قدرتها على حمل اسم عائلتها إلى البرلمان إذا كانت متزوجة. واللائحة تطول.
الخاتمة
في الختام، هناك ثلاثة مفاهيم أساسية في السياسة اللبنانية تسير جنبًا إلى جنب: مرحلة ما بعد الطائف وحقوق المرأة والقوانين المدنيّة. هذه المفاهيم الثلاثة مُتشابكة. لا يمكننا تصوّر حقبة ما بعد الطائف دون إصلاحات مدنية، ولا يمكننا التفكير في إصلاحات مدنية وقوانين مدنية دون ربطها بحقوق المرأة، لا بُدّ وأن تكون هذه الإصلاحات جذرية بطبيعتها. لكن هذا سيتطلب جهود جزء كبير من المنظمات والجماعات والأفراد النسويين في لبنان. لقد اعتدنا على الطائفية لدرجة أنها أصبحت متأصّلة، ليس في حياتنا السياسية فحسب، بل في حياتنا الثقافية والاجتماعية أيضًا. بالتالي، فإن تفكيك هذا الهيكل سيحتاج إلى جهود جماعية من قبل معظم، إن لم يكن من كلّ، الجماعات النسوية في لبنان، لتشكيل مجموعة ضغط تعمل إلى جانب نشطاء الإصلاح المدني. تلك ليست عملية بسيطة، بيد أنها تتطلب تخطيطًا استراتيجيًا وحوارات ومناظرات مطوّلة بين الناشطين/ات، ومثابرةً في الضغط على الحكومة دون التنازل عند ساعة المفاوضات، لأنها اللحظة التي تحتاج إلى إعادة التأكيد على الحاجة للتغيير البُنيوي الجذري. بعض المشكلات الرئيسية التي قد تواجه عملية الانتقال / التغيير هي غياب الأرشفة للمُقترحات السابقة المتعلّقة بقوانين الأحوال الشخصية المقترحة (بالطبع يعود ذلك الى إبعاد الناس عن معرفة الاحتمالات غير المُتجذّرة في الطائفية)، إنعدام البحث في قضايا متعلّقة بالمرأة في لبنان وانعدام الموارد الضرورية لهذه العملية. على الرُغم من ذلك، يُمكننا الاستفادة مما لدينا من تاريخ شفوي والبناء عليه، لأن التغيير يأتي من أصوات وقصص النساء اللواتي يعشن تحت نير القمعٍ اليومي المُمنهج. مع ثورة تشرين 2019، وثّقت معظم المجموعات الثورية مطالبها رافضةً التفاوض. سادت أصوات المجموعات النسوية في الشوارع، ورفعت مطالبها جهارًا، ولم يعدن خائفات من مُناقشة تاريخ اضطهادهنّ. إضافة إلى كلّ ذلك، نرى صعود المزيد من وسائل الإعلام غير الحزبية أو غير الطائفية (مثل صحيفة "17 تشرين"، أو منصة "ميغافون")، ويعدّ وجود مثل هذه المنابر حيوياً لتوثيق أفضل للأحداث، ولتنظيم الحركة بشكل أفضل. في الوقت الذي لا تزال تُفضّل فيه بعض المجموعات، خاصة من المنظمات غير الحكومية اتخاذ مسار منهجي، فإن الحركة النسوية في لبنان تُعيد تجديد نفسها على نحو "راديكالي" أو جذري، خاصة من خلال عمل المجموعات النسوية في سياق الثورة. إن الكيفية والماهية لا تزال تفوق تصوّراتنا، لكنني مؤمنة بأن التغيير الجذريّ قيد التشكيل.
- 1. المارونية هي مذهب من مذاهب الطائفة المسيحية.
- 2. استخدمت سلطة كترجمة ل governments، فهي حكومات متعاقبة لذلك وجدت أن لفظة سلطة لا حكومة تعبّر عن المقصود. (المترجمة)
- 3. إحداث – عوضا عن لفظة – حدوث – لأنها تحمل بعد ممارسي أكثر تماهيًا مع مقصد النص. (المترجمة)
- 4. لا يوجد توثيق واضح للقانون المقترح لعام 1971 ولا للحزب الذي اقترحه. في الواقع، لا يوجد توثيق أولي لمعظم قوانين الزواج المدني المقترحة في لبنان.
- 5. المفهوم الوارد بالنص الأصلي مغالط بحيث أنه يدّعي أن السترة مفهوم ديني في حين أنه "إجتماعي ثقافي" متعلّق بالبنية الرأسمالية للأسرة في بلدان منطقتنا/دول عالم الجنوب. (المترجمة)
- 6. تم تعديله بموجب القانون رقم 32 في الـ 14 من مايو، 2007.
ABAAD & Arab Institute for Human Right. (2015). Regional Seminar on Child Marriage during democratic transition and armed conflicts. Retrieved from https://www.girlsnotbrides.org/wp-content/uploads/2016/06/ABAAD-Lebanon-Regional-Seminar-on-Child-Marriage-Report-2015.pdf
Abou Jaoude, R. (2014, January 10). Civil marriage is legal in Lebanon: experts. The Daily Star. Retrieved from https://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2014/Jan-10/243642-civil-marriage-is-legal-in-lebanon-experts.ashx
Arfaoui, K. (2007). The Development of the Feminist Movement in Tunisia 1920s-2000s. The International Journal of the Humanities: Annual Review, 4(8), 53–60. doi: 10.18848/1447-9508/cgp/v04i08/42025
Bureau of Democracy, Human Rights and Labor. (n.d.). International Religious Freedom Report for 2011. Retrieved from https://2009-2017.state.gov/j/drl/rls/irf/2011religiousfreedom/index.htm?dlid=192441&year=2011#wrapper
Churchill, E. (2013, March 8). Tahar Haddad: A towering figure for women's rights in Tunisia. World Bank Blogs. Retrieved from https://blogs.worldbank.org/arabvoices/tahar-haddad-towering-figure-women’s-rights-tunisia
Code du Statut Personnel. (2012). Journal Officiel De La République Tunisienne. Retrieved from https://www.ilo.org/dyn/natlex/docs/ELECTRONIC/73374/74946/F-1287339442/TUN-73374.pdf
Dabbous, D. (2017). Legal Reform and Women’s Rights in Lebanese Personal Status Laws. CMI. Retrieved from https://www.cmi.no/publications/file/6341-legal-reform-and-womens-rights-in-lebanese.pdf
de Silva de Alwis, R. (2007). Child Marriage and The Law. UNICEF. Retrieved from https://www.unicef.org/french/files/Child_Marriage_and_the_Law.pdf
EuroMed Feminist Initiative. (2017, October 16). RDFL Launches Its Media Campaign Against Early Marriage. EuroMed Feminist Initiative. Retrieved from http://www.efi-ife.org/rdfl-launches-its-media-campaign-against-early-marriage
Girls Not Brides. (2018, December 18). Lebanon - Child Marriage Around the World. Girls Not Brides. Retrieved from https://www.girlsnotbrides.org/child-marriage/lebanon/#stats-references
Hamadi, G. (2018, March 9). Between Religion and State: Civil marriage remains an elusive goal. Beirut Today. Retrieved from https://beirut-today.com/2018/03/09/religion-state-civil-marriage-remains-elusive-goal/
Human Rights Watch. (2015, January 19). Unequal and Unprotected: Women’s Rights under Lebanese Personal Status Laws. Human Rights Watch. Retrieved from https://www.hrw.org/report/2015/01/19/unequal-and-unprotected/womens-rights-under-lebanese-personal-status-laws
Krayem, H. (1997). The Lebanese civil war and the Taif Agreement. In: Salem, P. (ed), Conflict Resolution in the Arab World: Selected Essays, 411–436. Beirut: American University of Beirut.
Mikdashi, M. (2014). Sex and Sectarianism: The Legal Architecture of Lebanese Citizenship. Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, 34(2), 279–293. doi: 10.1215/1089201x-2773851
Moghadam, V. M. (2018). The State and The Women’s Movement in Tunisia: Mobilization, Institutionalization, and Inclusion. James A. Baker III Institute for Public Policy. Retrieved from https://www.bakerinstitute.org/media/files/files/e83637ea/cme-pub-carnegie-moghadam-092618.pdf
Naharnet Newsdesk. (2019, February 18). Controversy as al-Hassan Revives Debate over Civil Marriage. Naharnet. Retrieved from http://www.naharnet.com/stories/en/256670
Ofeish, S. (1999). Lebanon's Second Republic: Secular Talk, Sectarian Application. Arab Studies Quarterly, 21(1), 97-116. Retrieved from www.jstor.org/stable/41858278
Sadek, G. (2018, December 4). Tunisia: Cabinet Approves Bill Requiring Equal Inheritance Shares for Men and Women. Retrieved from https://www.loc.gov/law/foreign-news/article/tunisia-cabinet-approves-bill-requiring-equal-inheritance-shares-for-men-and-women/
Salah Mattar Law Firm. (n.d.). Marriage Lawyers in Lebanon. Retrieved from http://mattarlaw.com/marriage-in-lebanon/
Saliba, I. (2010). Lebanon: Constitutional Law and the Political Rights of Religious Communities. Retrieved from https://www.loc.gov/law/help/lebanon/contitutional-law.php
Sfeir, G. (1957). The Tunisian Code of Personal Status (Majallat Al-Ahw Al Al-Shakhsiy Ah). Middle East Journal, 11(3), 309-318. Retrieved from www.jstor.org/stable/4322925.
Shehadeh, L. (2010). Gender-Relevant Legal Change in Lebanon. Feminist Formations, 22(3), 210-228. Retrieved from www.jstor.org/stable/40980991
UNDP. (2018). Gender Justice and the Law: Assessment of Laws Affecting Gender Equality in the Arab States Region. Arab States UNDP. Retrieved from https://www.arabstates.undp.org/content/rbas/en/home/library/Dem_Gov/gender-justice-and-the-law-study.html
Zuhur, S. (2002). Empowering Women or Dislodging Sectarianism?: Civil Marriage in Lebanon. Yale Journal of Law and Feminism, 14(5). Retrieved from https://digitalcommons.law.yale.edu/yjlf/vol14/iss1/5/