الهويّات المتباينة في إيران ومصادرة الأجساد الترانس*

السيرة: 

كايت س. هاشمي هي باحثة إيرانية رائدة في شركة الشرق الأوسط للاستشارات. حصلت كايت على درجة الماجستير في الدراسات الإيرانية من جامعة SOAS في لندن، حيث تخرجت بامتياز. كانت لدى كيت عدة مناصب في كل من الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية التي تجري أبحاث في انتهاكات حقوق الإنسان وتقوم بتنفيذ ضمانات للاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء. تشمل مشاريعها الحالية دعم العمل من أجل اللاجئين/ات في بنك الغذاء المحلي في لويشام وإنتاج تقارير بلد المنشأ لمنظمةAsylos ، وهي منظمة غير حكومية مقرها بروكسل. تتركز أبحاث كيت على قضايا قائمة على الجندر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وانتهاكات حقوق الإنسان، والهجرة القسرية.

‫ ‫الملخص: 

في وقتٍ تركّز فيه معظم دراسات الجندر المهتمّة بالجمهورية الإسلامية في إيران إلى حدٍ كبيرٍ على حق النساء في خلع الحجاب، يميل أولئك الذين يتبنّون إطار العمل المثلي (LGBT+) إلى التركيز على انتهاكات حقوق الإنسان ضد الرجال المثليّين. يطرح هذا المقال دراسةً أكثر شمولًا في تقييمه مقاربة الدولة المتناقِضة للأشخاص الترانس* في إيران، واستخدام جراحات توكيد الجندر لإعادة موضَعة الأشخاص بما يتماشى مع المفاهيم المهيمِنة للجنسانيات "السليمة". في هذا السياق، تُروّج الدولة للمرأة الإيرانية المقيّدة بمفهومٍ محددٍ للأنوثة الإسلامية، كما تروّج للرجل الإيراني المتجسّد في صورة الشهيد بالغ الرجولة، بصفتهما الشكلَين الجندريّين الوحيدَين المقبولَين. ثنائية الأنثى/ الذكر المسلمَين المغايرَين جنسيًا هذه تقصي كافة التعابير الجندرية الأخرى. وتتجاهل الجمهورية الإسلامية في إيران الأطياف التاريخية من الجنسانيات وأشكال الذكورة المتنوعة في البلاد، مجرّمةً "العبور" الجندري من خلال مفهومها المحدود للأداء الجندري. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الدولة جراحات توكيد الجندر كأداةٍ لإعادة موضَعة الهويّات والجنسانيات المتباينة في إطار النموذج الذي تقرّه الدولة. وفي وقتٍ تصادر فيه الدولة أجساد الترانس* بهدف الترويج للشخصية المُجندَرة المثالية، يتبنّى معارضو/ات النظام إطار الأداء الجندري من أجل الترويج للوكالة الأنثوية على الذات: مثلًا، توظّف الثقافة السائدة فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" لمناهضة تقييد الأجساد والجنسانيات الممتثلة للمعيارية المغايِرة. بالطبع، تتواطأ هذه الوسائل في استمرار الممارسات التمييزية ضد الأشخاص الترانس* في إيران.

الكلمات المفتاحية: 
العبور الجنسي
جراحة توكيد الجندر
إيران
الهويات غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة
ارتداء ملابس الجنس الآخر
اقتباس: 
كايت س. هاشمي. "الهويّات المتباينة في إيران ومصادرة الأجساد الترانس*". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 4 عدد 2 (2018): ص. 148-161. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 21 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/divergent-identities.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (821.19 كيلوبايت)
ترجمة: 

لين هاشم كاتبة ومؤدّية نسوية تعيش في بيروت. حازت على شهادة الماجستير في علوم الجندر والجنسانية من جامعة لندن، وهي جزءٌ من مجموعاتٍ نسويةٍ عدّة في لبنان والمنطقة. نُشرت كتاباتها وترجماتها في عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية من بينها ملحق "شباب السفير" ومجلة "كحل" لأبحاث الجسد والجندر. عملت كمدرّبة ومستشارة وباحثة في عددٍ من المؤسسات من بينها "فريدا: الصندوق النسوي الشاب" والجامعة الأميركية في بيروت. تشارك باستمرارٍ في أمسياتٍ شعريةٍ ومهرجاناتٍ فنيةٍ في لبنان والخارج. في أيار 2018، كتبت عرض "المسافة الأخيرة" وأدّته مع الفنان والراقص ألكسندر بوليكفتش في ختام معرض "رسائل حب إلى ميم" من تنظيم ديمة متى في بيروت، ثم في بلفاست وكتماندو. تعمل حاليًا على نشر مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان "حقد طبقي".

Cover Website.jpg

رسومات زينة حمادي 2018 ©

مقدّمة

في كتابها Gender Trouble، تعارض جوديث باتلر إطار عمل الثنائية الجندرية كما هو قائمٌ في المخيّلة الشعبية، إذ يفترض وجود "علاقةٍ سببيةٍ بين الجنس، والجندر والرغبة".1 ضمن هذا الإطار، يُتخيّل الجندر كثنائيةٍ بين المذكر/ المؤنّث حيث تُعرّف تلك السمات بفعل الجنس المحدد عند الولادة. وأعادت ثورة 1979 في إيران تعزيز تلك السرديات عن الهوية الجندرية. وحُصّنت مفاهيم الأنوثة الإسلامية والشهادة بالغة الرجولة ضمن سردياتٍ طاغيةٍ بصفتها "المعيار" القائم. وبالارتكاز إلى تفسيرٍ دوغمائي للثنائيات الجندرية في القرآن، قدّمت الجمهورية الإسلامية في إيران ثنائيةً متصلبةً للمذكر/ المؤنث. وضمن هذا النموذج من إنتاج المعرفة، يُعرّف الرجال الإيرانيون بالصورة المثالية للشهيد بالغ الرجولة المتمثّل بالإمام الحسين، بينما تُصوّر النساء الإيرانيات بصورة بنات فاطمة المُحتفى بها ضمن قيود الأنوثة الإسلامية، كما لحظ المفكّر علي شريعتي.2 لكن في إطار سرديّة الجندر الثنائي الملتزمة بالحساسية الشيعية، يبرز المفهوم المتناقض للترويج لجراحات توكيد الجندر؛ فبعد الفتوى التي أصدرها آية الله الخميني في العام 1987، تجري إيران العدد الأكبر من تلك الجراحات في العالم، إذا ما استثنينا تايلاند.3 وإذ تمكن قراءة هذا الواقع للوهلة الأولى كنصرٍ لمجتمع الترانس4 في إيران، فإن الترويج لتلك الجراحات يهدف إلى ترسيخ المثُل المهيمِنة للجنس والجندر وفقًا لما تريده الدولة. وإذا ما أخذنا بالاعتبار تجريم الممارسات الجنسية غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة في إيران، فإن مفهوم الدولة للجنسانيات "السليمة" يظلّ مقيدًا بالثنائية المثالية للذكر/ الأنثى المسلمَين. وإذ سُجل على نحوٍ واسعٍ سماح السلطات الإيرانية بإجراء جراحات توكيد الجندر، وفي الوقت ذاته معاقبتها مَن يشذّون عن إطار الذكورة/ الأنوثة، فإنّ البحث في الطرق التي يستغلّ فيها معارضو/ات النظام أجساد الترانس* قد أُهملَ على نحوٍ واسعٍ أيضًا. وبينما توظّف الدولة مفهومًا معينًا للترانس* بغرض تعزيز الثنائية الجندرية المهيمِنة في إيران، يصادر المعارضون/ات أيضًا مفاهيم الترانس* من أجل الترويج للوكالة الذاتية للنساء الممتثلات للمعايير الجندرية. وبهدف تبيين هذا الأمر بوضوح، ينظر هذا المقال في الثنائية الجندرية في إيران، ووجود الهويات الجندرية والجنسانيات غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة، وإضفاء الطابع الفيتيشي على فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" في الثقافة السائدة.

 

خلق الثنائية الجندرية في إيران

تتمثّل مقاربة الدولة للجندر والجنسانيات غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة في إيران في خطاب الرئيس السابق أحمدي نجاد عام 2007، حين نفى وجود المثلية في إيران. هذه العقلية تعكس المشروع الأوروبي "الحداثوي" في مطلع القرن العشرين،5 والذي قدّم الجندر والجنسانية كبُنى ثنائية الضدّين. في إطار هذا النموذج من إنتاج المعرفة، تُجعل العدالة الإنجابية مستحيلةً ضمن إطار عمل المعيارية المغايِرة للعلاقات بين الذكور والإناث الممتثلين/ات جندريًا6. ومن خلال استيراد سرديات التنوير الأوروبية بشأن الجنس والجنسانية، تُستبعد العلاقة "المعقّدة ثقافيًا"7 مع المثلية والمرونة الجندرية وفقًا لمهدوي، وتُستبدَل بالسردية المهيمِنة الجديدة للجندر الثنائي. وتسلّط نجم آبادي الضوء على انتشار الهويات الذكريّة غير الثنائية قبل تبنّي أنماط التنوير للجندر والجنسانية في إيران. وفيما تعمد المفاهيم المعاصِرة إلى مساواة الرجولة المشظّاة بتأنيث الشخصية، كانت الحساسيات القاجارية8 منفتحةً على مروحةٍ من أشكال الذكورة المتنوعة،9 فكان الغلام الأمرد حليق اللحية (الفتى المراهق) على سبيل المثال، محلّ رغبةٍ للرجال (ذوي اللحية) في السردية الصوفية الإيروتيكية المثلية في فترة "ما قبل الحداثة".10 وكان الأمرد رمزًا للجمال في إيران القاجارية، كما كان يمثّل شكلًا رسميًا من أشكال الذكورة المقبولة في الخطاب المهيمِن قبل مطلع القرن. لكن هذه الأشكال المتباينة من الذكورة مُحيت مع التحول الزمني من "ما قبل الحداثة" إلى "الحداثة" واستبطان القلق الأوروبي تجاه مسائل الجنسانية.11 ليست هذه محاولة لإضفاء الطابع الرومانسي على فترة ما قبل الحداثة ومعالجتها للهويات الجندرية وللجنسانيات غير النمطية، بل هي محاولة لملاحظة المحو والاختلال التاريخيّين لثقافة الأمرد، لصالح المشروع الحداثي. نتيجةً لذلك، أُنكرَت الرغبات الجنسية والاجتماعية المثلية بشكلٍ تامٍ واعتُبرَت لاحقًا مفاهيم "مستوردة".12

أما في ظلّ حكم السلالة البهلوية،13 فقُيّدت الهويات الجندرية بمفهومٍ محددٍ للذكورة (بصفتها ظاهرةً مفردة) تكامل مع المفاهيم الصاعدة للدولة آنذاك: مفهوم الحداثة كظاهرةٍ غائيّة، و"تحرير" المرأة الإيرانية الجديدة من القواعد الإسلامية التقليدية. وقتذاك، حكم الأب/ الملك البهلوي الأرض الأم (مامي-فاتان) ليروّج لنظرةٍ أبويةٍ للدولة.14 ووسمَت هذه الثنائية الجندرية أيّ سماتٍ غير ممتثلةٍ على أنها سِمة "الآخر/الأخرى". وفي خلال هذه الحقبة، ركّزت الثقافة الجنسية على "خطر" البلوغ،15 وصوّرت الشباب على أنهم/ن عرضةً "للميول الجنسية غير الطبيعية".16 هكذا، صُنف "الشذوذ الجنسي" كنتيجةٍ لفشلٍ نمائيّ (أي كمرضٍ ناجمٍ عن أسبابٍ نفسية أو بيولوجية) أو للانحلال.17 وإن كانت مفاهيم الفشل النمائيّ تستدعي نوعًا من التعاطف، فإنّ تصوير الرغبة المثلية كـ"انحلال" تضمّن شيطنةً للفعل. وضمن هذا الإطار الخطابي، عوملَت الرغبة المثلية معاملة البيدوفيليا والتشبّه بالجنس الآخر والتحوّل الجنسي.18 وأدّت تلك الخطوط الملتبسة إلى استتباب تجريم المثلية الجنسية،19 ومعها التشبّه بالجنس الآخر والتحوّل الجنسي بصفتهما ضمن الخانة ذاتها. ومثّل هذا التصنيف قطعًا تامًا مع المفهوم السابق للجنسانية في إيران وثقافة الأمرد الصوفية ذات الطابع الإيروتيكي المثلي. وفي خلال تلك الحقبة، اعتبرت سرديةُ "الانحلال الجنسي" المهيمِنة الرغبةَ المثلية من مخلّفات نظام الفصل الجندري البائد الذي روّج له الإسلام.20 وأرست هذه الحجّة نموذجًا مثاليًا للمشروع الحداثي في صياغتها ضرورة مشاركة المرأة في المجال العام، بالإضافة إلى نزع الطابع الإسلامي والعربي عن المجتمع بقيادة النظام البهلوي. وضمن هذا النموذج من الإنتاج الفكري، دُفعَت المرأة الإيرانية إلى المجال العام من خلال "حريتها" (القسرية) من القواعد الاجتماعية الإسلامية. وتتجلّى هذه السردية بوضوحٍ في قانون نزع الحجاب الذي صدر عام 1936 وأرغَم النساء على نزع الحجاب بغرض الترويج لإيران كبلدٍ حديثٍ و"غربي الطابع" مقارنةً مع جيرانه من البلاد الإسلامية "البربرية".

 

المفاهيم المهيمِنة للجندر في الجمهورية الإسلامية الإيرانية

قدّمت إيران الثورية21 نماذج بديلة عن الذكورة البهلوية، قائمة على الأنماط اليسارية الثورية ورجال الدين. وفي خلال الثورة، عمدت بعض الحركات اليسارية كمجاهدي خلق وفدائيّي خلق إلى تقديم أعضائها في شكل جسدٍ ذكري متجانسٍ واحد. أما العضوات الإناث، فرفضن التجلّيات الصريحة للأنوثة واخترن اللباس المتواضع والتخلّي عن المكياج.22 وتبنّت هؤلاء النسوة الممارسات الأدائية الذكرية احتجاجًا على الشكل المحدّد للأنوثة كما تبنّته الدولة البهلوية. أما رجال الدين من جهةٍ أخرى، فاستلهموا مفهومًا معيّنًا للرجولة الإسلامية لوضعه في تضادٍ مع المفاهيم البهلوية للذكورة. وضمن هذا النموذج الفكري، مثّلت الشهادة الإطار المرجعي الإسلامي لإعادة الذكورة للرجل الإيراني؛ فمن خلال الشهادة المقدّسة، دُعي الرجال الإيرانيون للاقتداء بالإمام الحسين، محتفين بسماته كالفروسية (جافانماردي) والرجولة (فوتوفات) والأخوّة (بارداري).23 وعن طريق إحياء ذكرى استشهاد الحسين في مراسم العزاء ومسيرات شهر محرّم في خلال الثورة،24 روّج المحتجّون لمفهومٍ معيّنٍ من الذكورة الإيرانية المرتكزة على الاستذكار الشيعي المقدّس: فعن طريق إحياء المراسم الشيعية، نظّم هؤلاء المسيرات الدينية لإبراز معارضتهم للنظام البهلوي. وفي خلال تلك التظاهرات، كانت القبضات المرفوعة تُفتح لتظهِر أكفًا ملونةً بالأحمر في رمزٍ لواقعة كربلاء.25 وأصبح هذا المجاز أحد الحوافز المركزية في الثورة، مستدعيًا التاريخ الإسلامي الأكبر كموقعٍ يقتدي به الرجل الإيراني. ومن خلال الترويج لما تسمّيه فالنتين مقدّم "سياسات الجسد"،26 أي استخدام الجسد كموقعٍ للاستهلاك البصري للأيديولوجيا، أرسَت هذه القوى الثورية نفسها في مواجهة النظام البهلوي "المؤنث"/ الضعيف. ورسم الخطاب الثوري صورة إيران البهلوية التي أفسدتها القوى الإمبريالية "الغربية"، وصوّر الحقبة البهلوية كحقبةٍ مشوبةٍ بالفتنة، مطلقًا عليها اسم "المرأة القاتلة ذات النزعتَين الاستهلاكية والغربية".27 وضمن هذا النموذج من إنتاج المعرفة، صُور الرجال كمن فقدوا الناموس (أي الشرف) لصالح "الدمية الملونة"28 (أي النظام البهلوي) بسبب قبولهم الهيمنة الثقافية "الغربية". لكن هذه الحقبة استمرت في النظر إلى التعبيرات الذكرية غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة على أنها "مجرمة، وغير أخلاقية واستعراضية في آنٍ معًا".29 وفي خلال تلك الفترة، فسّرت الحركة "الإسلامية" المعارضة تفجّر المزيد من أشكال الذكورة غير النمطية على أنها ديناميةٌ ناتجةٌ عن "الابتلاء بالغرب" (غرب زادجي). ويصوّر علي أحمد أشكال الذكورة المتباينة هذه كشكلٍ من أشكال الفساد الثقافي، مؤكدًا أن:

الرجل المبتلى بالغرب هو زير نساء. هو أنثوي المظهر. هو دائم التزيّن والتأكد من جاذبية مظهره.30

بالنسبة إلى علي أحمد، أن يكون الرجل هشًا أمام الثقافة الغربية يعني أن يكون مؤنثًا. وبناءً عليه، تجب السيطرة على الهويات والتعابير الجندرية للأمة من أجل إبعاد سيرورات الاستعمار والإخصاء الرمزي، وحماية الشرف الرجولي للدولة (الغيرة).31 وكان هذا الخطاب مرتبطًا بالطبقة الاجتماعية، إذ كانت الطبقات الحاكمة مدانةً من مناصري الثورة لما تظهره من تجرّدٍ من الرجولة. كما أن انتشار الشائعات عن الثقافة الإيروتيكية المثلية في قصر بهلوي عرّض الطبقة الحاكمة لمزيدٍ من الاتهامات بالفساد الأخلاقي.32 واستعر تصوير نظام البهلوي كفتنةٍ مع بروز ذاك الجانب من "الشذوذ الجنسي". وفي إطار هذا النموذج الخطابي، رُبطت الذكورة غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة بفساد سلطة "المستكبرين". وأرسى هذا التصنيف نموذجًا ثنائيًا "للمستضعفين" الذين برزوا كشخوصٍ أنقياء وبالغي الرجولة، وغير ملوّثين بالإيروتيكية المثلية للطبقة الحاكمة. وإذ كان الخطاب المهيمِن في الحقبة البهلوية يساوي السلوكَين الاجتماعي والجنسي المثلي بـ"التخلّف" الإسلامي، أعاد الثوار تأطير مفاهيم الرجولة ليقدّموا نظام الشاه بمظهرٍ مخنثٍ وفاسد. وأفسح هذا الخطاب المجال أمام صعود الرجل الإيراني الجديد التقي وبالغ الرجولة في آنٍ معًا. بالإضافة إلى ذلك، ومع تطبيق سياسات الجسد في الإطار التشريعي للجمهورية الإسلامية بعد نجاح الثورة، اشتدّت قبضة الدولة للسيطرة على الذكورة غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة.

 

الهويّات والجنسانيات غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة

إن التحديد الصارم للأداء الجندري المقبول تحت قبضة الجمهورية الإسلامية جعل من "العبور"33 الجندري جريمة يُعاقب عليها القانون، وبات الأفراد الترانس* وغير الممتثلين/ات للثنائية الجندرية يواجهون العقوبات التي فرضها النظام الجندري الجديد للدولة.34 لكن الطابع الجرمي "للعبور" الجندري يظلّ ملتبسًا نوعًا ما، إذ أصدر الخميني فتوًى في العام 1987 تشرّع جراحات توكيد الجندر.35 بلا شك، تتمتع إيران بموقعٍ فريدٍ في المنطقة نظرًا للقبول الرسمي لتلك الجراحات، بل وحتى الترويج لها. ومن المقدر أن 50 ألف نسمةٍ من أصل 80 مليون نسمة في إيران يعرّفون عن أنفسهم/ن كترانس*.36 لكن وفقًا لما تسمّيه نجم آبادي "التفرّع القاطع للمثلية والتحوّل الجنسي"،37 كانت فتوى الخميني محدودة في اعتمادها على الأنماط الثنائية من التماهي الجندري. في الواقع، تخضع جراحة توكيد الجندر إلى الشرع الإسلامي لا القوانين الوضعية، ما أنتج فهمًا محددًا للتحوّل الجنسي روّجت له الدولة على نحوٍ لا يعترف بحقوق الأفراد الترانس* في إيران،38 إذ يُنظر إليهم/ن كأشخاصٍ مصابين/ات بمرضٍ يمكن علاجه طبيًا عن طريق الجراحة. ولا يوجد أي اعترافٍ بالجندر كبُنى اجتماعية أو قبولٍ للأشخاص غير الممتثلين/ات للثنائية الجندرية؛ فوفقًا للخطاب الرسمي للدولة، تُفهم جراحة توكيد الجندر كإعادة موضَعةٍ للذات لتصبح إما رجلًا مغايِرًا أو امرأة مغايِرة. وبما أن التركيز يصبّ على "العلاج" الجراحي، فإن حقوق الأفراد الترانس* في مرحلة ما بعد الجراحة لا تُعد مسألةً أولويةً أو حتى ثانويةً لدى السلطات. بالإضافة إلى ذلك، يُقصى الأشخاص ذوي/ات الهويات الجندرية المرِنة والمتغيّرة من أنماط الحماية القانونية تلك، بل قد يصبحون "خارجين/ات عن القانون" بتهمة "ارتداء ملابس الجنس الآخر" إذا ما رفضوا/ن الخضوع لجراحة توكيد الجندر.39 وترفض الدولة بحزمٍ الاعتراف بالهوية الجندرية المفضّلة للأفراد الترانس* ممّن لا يريدون أو لا يستطيعون تحمّل كلفة40 الجراحة. بالتالي، تقبل الدولة بالأفراد الترانس* في إيران فقط عندما تطابق أعضاؤهم/ن التناسلية هوياتهم/ن الجندرية، وفقًا للفهم الثنائي للجندر والجنس. أكثر من ذلك، لا يُسمح بالخضوع لتلك الجراحات إلا لمَن جرى تشخيصهم/ن بـ"اضطراب" الهوية الجندرية.41 هذا التفسير الصارم للتماهي الجندري يتّسم بخللٍ وظيفيٍ كبير، إذ تؤثر هذه السياسات على نحوٍ مباشرٍ في حق الأشخاص الترانس* بالوصول إلى الصحة السليمة في إيران. وبالإضافة إلى أن غالبية جراحات توكيد الجندر تجري من دون اعتبارٍ كاملٍ للمقاربات العلاجية البديلة، يخضع كثيرٌ من الأفراد الترانس* في إيران إلى جراحاتٍ مشوبةٍ بالإهمال أو غير مستوفيةٍ المعايير.42

بالإضافة إلى النطاق المحدود لإجراء جراحات توكيد الجندر، لا تحمي قانونية تلك الممارسات الأشخاص الترانس* من الوصمة والتعنيف الاجتماعي. وعلى الرغم من أن الحكومة وفّرت بعض الدعم للأشخاص الترانس* من خلال السماح بالجراحات ودعم تكاليفها، فإنها لم تؤدّ أي دورٍ في إصلاح السلوكيات المجتمعية تجاههم/ن أو تأمين أماكن آمنة أو رعاية ثانوية لهم/ن. ونظرًا لذلك، يستمر الأشخاص الترانس* في إيران بالمعاناة من التحرّش، والتمييز في مكان العمل والتعنيف.43 وتتحدّث "آشرام"، وهي امرأة عابرةٌ جندريًا قرّرت عدم الخضوع للجراحة، عن الصعوبة المزدوجة التي يواجهها مَن يرفضون الامتثال للأدوار الجندرية التقليدية، فقد تعرّضت للكثير من أسرتها والمجتمع الأكبر والحكومة بسبب محاولتها العيش بحريةٍ كامرأةٍ عابرةٍ في إيران. تقول "آشرام":

حوّلتني أسرتي والحكومة إلى شخصٍ معزول، إذ لا أستطيع الخروج والقيام بما أريد، أو حتى التسجيل في النادي الرياضي أو أي نادٍ آخر أو شيء من هذا القبيل. لا يمكنني حتى الذهاب إلى مدينة الملاهي. يجعلونك خائبة الآمال في الحياة. هذا ما يريدونه في الواقع.44

 بالطبع، ليست قصة "آشرام" فريدة، فنظرًا لاستمرار الوصمة الاجتماعية، غالبًا ما يواجه الأشخاص الترانس* العزل والبطالة والتشرّد، وقد يلجؤون إلى العمل في الجنس من أجل تأمين عيشهم/ن.45

بالإضافة إلى ذلك، وبسبب الوصمة والقمع المباشر للمثلية الجنسية في إيران، كثيرًا ما يلجأ المثليون/ات إلى جراحات توكيد الجندر من أجل العيش في كنف الدولة. وإن كان النظام يروّج لتلك الجراحات كوسيلةٍ لإعادة موضَعة "غير المرغوب فيه" (وغير القانوني) ضمن ثنائيةٍ معرّفةٍ من المعيارية المغايِرة، فإنّ الخطاب الرسمي في إيران يموضِع المثلية كمرض. وفي تعليقه على مسألة المثلية، قال محمد جواد أردشير لاريجاني، وهو رئيس لجنة حقوق الإنسان في إيران:

إنها مرضٌ يجب علاجه عن طريق الرعاية النفسية والبيولوجية وحتى الجسدية. يجب أن نعامل الموضوع كمسألةٍ عياديّة.46

وتؤكّد هذه التعليقات المقاربة الرسمية للنظام لمسألة المثلية واستخدام الرعاية الصحية كـ"علاج" للهويات الجندرية والجنسانيات غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة. إذًا، توظّف الجمهورية الإسلامية هذه الوسائل لتصحّح جراحيًا الأفراد "المضطربين/ات جندريًا" (مشكل دار) كي يدخلوا/ن ضمن المفهوم المهيِمن للجندر والجنسانية في إيران.47 وتمنح الحكومة هباتٍ للأفراد كحوافز "لإصلاح" تلك الانحرافات. وتعزّز هذه الوسائل المفاهيم المهيمِنة والأبوية للجنسانيات "السليمة" ضمن الثنائية المعيارية المغايِرة للذكر/ الأنثى المغايِرين جنسيًا، في وقتٍ تسهّل فيه انتهاك الأفراد غير الممتثلين/ات لتلك المعيارية عن طريق قنوات الرعاية الصحية. هكذا، تصادر الدولة أجساد الترانس* في محاولةٍ لـ"إصلاح" الهويات الجنسية غير الممتثلة للمعيارية المغايِرة. ووفقًا لـ"آشرام بارسي"، وهي ناشطةٌ من مجتمع الميم في مجال حقوق الإنسان، فإنّ حوالي نصف جراحات تغيير الجنس تُجرى لأشخاصٍ يعرّفون عن أنفسهم/ن كمثليّين/ات في محاولةٍ من الدولة لـ"معالجة" الرغبات المثلية لهؤلاء.48 ومن خلال التركيز على "العلاج" العياديّ "للمضطربين/ات"، تتهرّب الدولة من كافة مسؤوليتها تجاه الرعاية الفردية. بالتالي، وعلى الرغم من أن تشريع تلك الجراحات يُعد خطوةً إيجابيةً للأشخاص الترانس* في إيران لجهة توفير الوسائل المتاحة للتحوّل الطبّي، يظلّ التطبيق محدودًا إلى حدٍ كبيرٍ بسبب التركيز المتعنّت للدولة على الثنائية الجندرية.

 

مفاهيم "ارتداء ملابس الجنس الآخر" في الثقافة الشعبية

بالإضافة إلى مصادرة أجساد الترانس* من قبل الدولة بغرض تعزيز المفاهيم المهيمِنة للجندر في إيران، يقوم معارضو/ات النظام بمصادرة مفاهيم الترانس* والتحوّل الجندري من أجل الدفع بأجندتهم/ن الخاصة. ويخضع الأداء الجندري في الجمهورية الإسلامية لإشراف وتنظيم شرطة الأخلاق (قاشت إرشاد). وعلى الرغم من عدم وجود أي قانونٍ صريحٍ في إيران يختصّ بـ"ارتداء ملابس الجنس الآخر" (crossdressing)، يواجه من يقدمون على ذلك الملاحقة القانونية بناءً على قوانين تتعلّق بالحجاب وبممارسة الحرام.49 ويخضع الإيرانيون/ات للرقابة من أجل ضبط أي سلوكياتٍ أو مظاهر غير لائقةٍ كالشعر الطويل/"الغربي" للرجال، أو السلوك "غير اللائق بالنساء" لدى النساء، أو الملابس الفاضحة.50 ويُتوقع من المواطنين/ات الامتثال للهويّات والسلوكيات المعيارية المغايِرة ضمن حدود الحساسيّات المسلمة. وضمن هذا الجو المقيّد، تغدو العناصر الثقافية كالمكياج واللباس إشارات مقاومة، ويغدو ارتداء اللباس الديني على نحوٍ غير لائقٍ بمثابة علامةٍ رمزيةٍ لما يسمّيه دي سيرتو المقاومة من خلال الممارسات اليومية.51 هكذا، يحدّد الاستخدام الحرّ للمكياج وكمّية الشعر المكشوف تحت غطاء الرأس (روبوش) التمثيل المادّي للتحرّر من سطوة سياسات الجسد التي يفرضها النظام على النساء الإيرانيات. وفي مجتمعٍ تشوبه قيودٌ هائلةٌ على حرية التعبير، تبرز المقاومة من خلال العلامات المتعلّقة بالمظهر الخارجي.

وتطوّر باتلر مفهومها للأداء الجندري في عملها على الممارسات الأدائية المتمرّدة، إذ تسمّي الباروديا (parody) كشكلٍ من أشكال التكرار الذي قد يفضي استراتيجيًا إلى نزع التطبيع عن الأنظمة الجندرية المُشكّلة اجتماعيًا.52 هكذا، يصبح "ارتداء ملابس الجنس الآخر" موقعًا تكتيكيًا للمقاومة ضد المفاهيم المهيمِنة للأداء الجندري. في كتابها Gender Trouble، تعتبر باتلر الدراغ (drag) فعلًا يكشف على نحوٍ غير مباشرٍ "بنية الجندر المتسمة بالمحاكاة – وطابعه الاحتماليّ أيضًا".53 إنّ الأداء الجندري الذي يبرز في الأنماط المختلفة من فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" يسلّط الضوء على التشكيل النشط لمجازات الجندر من خلال التذبذب الجندري عبر المحاكاة. إن القدرة على محاكاة الجندر تفكّك أصالته المفترضة.54 لقد بات "العبور" الجندري و"ارتداء ملابس الجنس الآخر" ثيماتٍ أيقونية في السينما الإيرانية الجديدة. وتُستخدَم هذه الثيمات لمساءلة صلاحية الأنظمة الجندرية المفعّلة. ويقدّم خشتي "خطوة التحوّل الجندري" هذه كموقعٍ تكتيكيٍ للفعل السياسي والذاتي.55 وضمن هذا الإطار المحدّد للمقاومة، يُستدعى فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" كوسيلةٍ لتمثيل الوكالة الذاتية (الأنثوية) "غير المحجبّة".56 طبعًا، يُستخدم "ارتداء ملابس الجنس الآخر" في فيلم المخرج المعارض المعروف جعفر بناهي بعنوان "تسلّل" (Offside, 2006)،57 كشكلٍ من أشكال المقاومة والفعل السياسي، مقدمًا شخصياتٍ نسائية تتمتّع بالقدرة على اختراق المساحات المخصّصة "للذكور فقط" من قبل السلطات. إن تصوير الفيلم مجموعةً من النساء المتنكّرات كرجالٍ من أجل دخول مدرج آزادي لمشاهدة إحدى المباريات المؤهّلة لكأس العالم لا يسائل فقط عدم قانونية دخول النساء مدرجات ملاعب كرة القدم، بل يعالج أيضًا مسألة الفرض الصارم للباس الإسلامي في المجتمع على نحوٍ أوسع. ومن خلال اعتماد اللباس "الرجالي"، تحاول النساء في الفيلم تذوّق الامتيازات المحصورة بالرجال في الجمهورية الإسلامية. لقد احتضنت السينما الإيرانية الجديدة فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" كموقعٍ خطابيٍ لمقاومة قيود الدولة على حرية حركة المواطنين/ات، منتقدةً الأماكن المجندرة في الجمهورية الإسلامية. ويبرز الطابع المعياري المغايِر لفعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" في السينما الإيرانية الجديدة في فيلم "فتاة اسمها تندر"58 (A Girl Named Tondar) الذي يروي قصة حياة فتاةٍ إيرانيةٍ كبرت كصبي. في الفيلم، تتخلّى البطلة عن الحركيّة المؤقتة التي يتيحها لها فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" في سبيل حكاية حب مغايرٍ خرافية.59 وبدلًا من توظيف فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" لاستكشاف الهويات غير النمطية في إيران، تلجأ السينما الإيرانية الجديدة إلى استخدام تلك الثيمات بغرض معارضة سيطرة الدولة على الأجساد النمطية والوكالة الذاتية للأشخاص الممتثلين/ات للمعايير الجندرية السائدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن "العبور" الجندري كثيمةٍ يظلّ في حد ذاته غير مستكشفٍ، كما تظلّ ثيمة الثنائية الجندرية التي تروّج لها الدولة خارج أي جدالٍ أو نقد. المسألة الوحيدة التي تُعالج عن طريق استخدام ثيمة "ارتداء ملابس الجنس الآخر" هي حق النساء في خلع الحجاب ودخول الأماكن المخصّصة للرجال. بالتالي، يُستخدم فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" كأداةٍ للترويج لحقوق النساء والرغبة المغايِرة جنسيًا، ما يعني أن الثقافة الشعبية تصادر ذلك الفعل من إطاره الترانس* لتوظّفه كأداةٍ سياسيةٍ في صالح الأجساد الممتثلة جندريًا.

وتمكن المجادلة بأن معارضي/ات النظام – وإن كانوا غير منخرطين/ات بقدر انخراط الدولة في انتهاك الأشخاص غير النمطيين/ات في إيران – فإن اعتمادهم/ن إطار الترانس* من دون المرجعية الملائمة يعزّز سياقًا يتمّ فيه تجاهل حقوق الأفراد الترانس*. هذا هو الحال خصوصًا لدى ملاحظتنا أن النساء وحدهنّ يظهرن في مشاهد تتضمّن عناصر "ارتداء ملابس الجنس الآخر". وإن كان الخطاب المهيمِن أكثر قبولًا لقيام النساء بذلك الفعل نظرًا لجنسَنة النساء اللواتي يرتدين "ملابس الرجال" من جهةٍ، وغياب التهديد للمفاهيم المهيمِنة للذكورة من جهةٍ أخرى، فإنّ إفراط السينما الإيرانية الجديدة في الاتكال على ارتداء النساء "ملابس الرجال" يؤدّي إلى تعزيز موضَعة ارتداء الرجال "ملابس النساء" كتابو. ومن خلال حماية ذلك التابو، يمكن للسلطات الإيرانية الاستمرار في إرغام الرجال على ارتداء ملابس النساء كنوعٍ من العقاب عبر الإذلال العلني.60 ومن خلال نشر صور الرجال المعتقلين وهم يرتدون "أزياء النساء"، تحاول السلطات الإيرانية إحراج أولئك الرجال من خلال الكشف عن أنوثتهم، مساويةً ذلك بسرديّات الشذوذ الجنسي. وتسهّل هذه الوسيلة استخدام النظام شتى الطرق لسلب ناموس (شرف) الرجل عن طريق مساءلة رجولته.61 بلا شك، تعزّز هذه الممارسات الثنائية الجندرية وتحميها. ومن أجل كسر تلك الثنائية، من الضروري اعتماد مقاربة تقاطعيةٍ وكلّية للعدالة بدلًا من التركيز حصرًا على حقوق النساء الممتثلات جندريًا.

 

الخاتمة

تتعرّض الجنسانيات والهويات الجندرية غير النمطيّة في إيران إلى تمييزٍ هائلٍ على الرغم من قانونية جراحة توكيد الجندر. لقد أدّى فرض الجمهورية الإسلامية الثنائية الجندرية إلى صعود نظامٍ صارمٍ يشيطن كل من لا يمتثلون للمعيارية المغايِرة. وعلى الرغم من أن تشريع الجمهورية الإسلامية لجراحات توكيد الجندر يمثّل نوعًا من التقدّم للأشخاص الترانس* في إيران، إلا أن الأمر يظلّ محصورًا بمن يرغبون بإجرائها ويستطيعون تحمّل تكاليفها. وتتجاهل هذه السياسات علاقة إيران "المعقدة ثقافيًا" مع أشكال التعبير الجندري غير الثنائية. ومن خلال مساواة السلوكيات والهويات غير النمطية بالأداء البهلوي و"الغربي"، تنجح السلطات استراتيجيًا في تناسي الممارسات الثقافية كجنسَنة الذكر الأمرد، في وقتٍ تصوّر فيه المعيارية المغايِرة كمفهومٍ أصلي. وعن طريق موضَعة الثقافة غير الثنائية بصفتها "الآخر/ الأخرى"، تكتسب الحكومة الإيرانية نوعًا من الشرعية الأيديولوجية لقمعها المستمر للأشخاص غير الممتثلين/ات للمعيارية المغايِرة. ويتمّ ذلك من خلال تجريم الممارسات المثلية وفرض القواعد الجندرية الصارمة. وتسهّل الدولة استغلال الأجساد الترانس* للترويج للثنائيات الجندرية المهيمِنة عن طريق توظيفها جراحات توكيد الجندر كوسيلةٍ "لإصلاح" الهويات والجنسانيات غير النمطية. ولدى لحظ الدور الذي أدّته السينما الإيرانية الجديدة في تسهيل استمرارية هذه الممارسات عن طريق إضفاء الطابع الفيتيشي على فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" والأطر الأدائية الترانس*، يغدو واضحًا أن على الثقافة الشعبية توظيف تلك الأطر على نحوٍ أكثر تقدّمية. وبدلًا من التعامل مع فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" كأداةٍ لتعزيز الوكالة الذاتية للنساء الممتثلات جندريًا، على السينما الإيرانية الجديدة النظر في الأطر التقاطعية والكلّية في معارضتها القيود المُجندَرة المفروضة من الدولة على الحرّيات المدنية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • 1. Judith Butler, Gender Trouble (New York: Routledge, 1999), 30.
  • 2. Ali Shariati, “Fatemeh Fatemeh Ast” [Fatemeh is Fatemeh] trans. Laleh Bakhtiar (Iran: The Shariati Foundation), http://gadir.free.fr/eng/books/FatimaIsFatima.pdf [accessed 19 October 2018]
  • 3. Euronews, “In Iran, you can’t be gay but you can be transgender,” 14 October 2015, https://www.youtube.com/watch?v=NsJGHVHF1ss [accessed 08 August 2018]
  • 4. ترانس*: الأفراد العابرون/ات والمتحوّلون/ات جنسيًا وجندريًا.
  • 5. أي عصر التنوير الذي سعى فيه المفكرون الأوروبيون إلى الابتعاد عن التقليد والبربرية والتوجه نحو "الحداثة". واستُخدمَ هذا التفكير لتبرير المشاريع الاستعمارية.
  • 6. Abouzar Nasirzadeh, “The Role of Social Media in the Lives of Gay Iranians,” in David M. Farid and Babak Rahimi, Social Media in Iran: Politics and Society after 2009 (New York: State University of New York Press, 2015), 60.
  • 7. Mahdavi, Pardis, “The personal is political and the political is personal: sexuality, politics, and social movements in modern Iran,” in Peter Aggleton et al, Understanding Global Sexualities: New Frontiers (London and New York: Routledge, 2012), 44
  • 8. حكمت السلاسة القاجارية إيران من عام 1794 حتى 1925.
  • 9. Afsaneh Najmabadi, Women with Mustaches and Men without Beards: Gender and Sexual Anxieties in Iranian Modernity (Berkley, Los Angeles, and London: California Press, 2005), 3.
  • 10. Katarzyna Korycki and Abouzar Nasirzadeh, “Desire recast: the production of gay identity in Iran,” Journal of Gender Studies (2016) Vol. 25, No. 1, 55.
  • 11. المصدر ذاته، 39.
  • 12. المصدر ذاته.
  • 13. حكمت السلاسة البهلوية إيران من عام 1925 حتى اندلاع الثورة الإيرانية في 1979.
  • 14. Minoo Moallem, Between Warrior Brother and Veiled Sister (California: University of California Press, 2005), 64.
  • 15. Afsaneh Najmabadi, Professing Selves: Transexuality and Same-Sex Desire in Contemporary Iran (Durham and London: Duke University Press, 2014), 52.
  • 16. Mir Ahmad Hashimi-Fard, masa’il va ikhtilalati-e junsi dar zan va mard [Sexual Problems and Disorders in Women and Man] (Tehran: Chihr, 1969), 11.
  • 17. Hasan Hasuri, raftar-e jinsi bar payah-e siksaufiziulauzhi [Sexual Behaviours on the Basis of Sexo-Physiology], (Tehran: Tahuri, 1968), 481.
  • 18. Afsaneh, Najmabadi, Professing Selves, 56.
    أستخدم هنا المصطلح الطبي "التحول الجنسي" كمصطلحٍ مختلفٍ عن مصطلح "العبور الجندري" الذي أفضّله، كي أعكس الخطاب السائد في ذلك الوقت. لاحقًا، بات مصطلح "التحول الجنسي" يُعتبر إشكاليًا بسبب تركيزه على التحوّل الجسدي.
  • 19. المصدر ذاته.
  • 20. المصدر ذاته، 60.
  • 21. وهي الفترة الممتدة حتى ثورة 1979.
  • 22. Firoozeh Kashani-Sabet, Conceiving Citizens: Women and the Politics of Motherhood in Iran (Oxford and New York: Oxford University Press, 2011), 212.
  • 23. Mehri Honarbin-Holliday, “Emerging Forms of Masculinity in the Islamic Republic of Iran,” in Annabelle Sreberny and Massoumeh Torfeh Ed. Cultural Revolution in Iran: Contemporary Popular Culture in the Islamic Republic (London and New York: I.B. Tauris & Co. Ltd., 2013), 64.
  • 24. محرّم هو الشهر الأول من السنة الهجرية، وفيه تحيي المسيرات ذكرى معركة كربلاء التي استشهد فيها الإمام الحسين على يد الخليفة الأموي الثاني وفقًا للرواية التاريخية الشيعية.
  • 25. Peter Chelkowski and Hamid Dabashi, Staging a Revolution: The Art of Persuasion in the Islamic Republic of Iran (London: Booth-Cibborn Editors, 2000), 74.
  • 26. Valentine M. Moghadam, “Revolution, Religion, and Gender Politics: Iran and Afghanistan Compared,” Journal of Women’s History (Winter 1999), 174.
  • 27. Shahin Gerami, “Mullahs, Martyrs, and Men: Conceptualizing Masculinity in the Islamic Republic of Iran,” Men and Masculinities (January 2003), Vol. 5, No. 3, 265.
  • 28. وصف علي أحمد النظام بالبهلوي بـ"الدمية الملوّنة".
    Al-e Ahmad in Jalal Al-e Ahmad Gharbzadegi [Weststruckness] (Mazda Publishers, 2012).
  • 29. Afsaneh, Najmabadi, Professing Selves, 136.
  • 30. Jalal Al-e Ahmad, 90.
  • 31. Nima Naghibi, Rethinking Global Sisterhood: Western Feminism and Iran (Minneapolis and London: University of Minnesota Press, 2007), 57.
  • 32. Afsaneh, Najmabadi, Professing Selves, 136.
  • 33. تشير مفردة "العبور" (passing) إلى النظرة العامة للشخص الترانس* كشخصٍ ممتثل/ة جندريًا، لكني أستخدمها هنا للإشارة إلى فعل الانتقال من جندرٍ إلى آخر.
  • 34. المصدر ذاته، 161.
  • 35. Mehrdad Alipour, “Islamic shari’a law, neotraditionalist Muslim scholars and transgender sex-reassignment surgery: A case study of Ayatollah Khomeini’s and Sheikh al-Tantawi’s fatwas,” International Journal of Transgenderism (2016), Vol. 18, No. 1, 96.
  • 36. The New Arab, “Transgender people in Iran face discrimination despite fatwa,” 21 May 2018, https://www.alaraby.co.uk/english/society/2018/5/21/transgender-people-in-iran-face-discrimination-despite-fatwa [accessed 02 August 2018]
  • 37. Afsaneh, Najmabadi, Professing Selves, 161.
  • 38. Zara Saeidzadeh, “Transsexuality in Contemporary Iran: Legal and Social Misrecognition,” Feminist Legal Studies, 27 October 2016, https://link.springer.com/content/pdf/10.1007%2Fs10691-016-9332-x.pdf [accessed 10 August 2018]
  • 39. يُستخدم هنا مصطلح "ارتداء ملابس الجنس الآخر" (crossdressing) مبدئيًا لوصف فعل ارتداء ملابس مصمّمة للجنس الآخر. وإن كان مفهومًا أن فعل "ارتداء ملابس الجنس الآخر" يختلف عن قيام الشخص الترانس* بارتداء الملابس وفقًا لجندرهم/ن المفضّل، فإني أستخدم المصطلح هنا للإشارة إلى خطاب الدولة.
  • 40. على الرغم من أن الدولة تدعم جزئيًا تكاليف جراحات توكيد الجندر، فإن الكلفة المتبقّية تبلغ الآلاف ويُفترض بمتلقّي/ة الجراحة تسديدها.
  • 41. المصدر ذاته.
  • 42. Justice for Iran, Diagnosing Identities, Wounding Bodies: Medical Abuses and Other Human Rights Violations Against Lesbian, Gay, and Transgender People in Iran (Germany: Justice for Iran, 2014), 143.
  • 43. The New Arab, “Transgender people in Iran face discrimination despite fatwa,” 21 May 2018, https://www.alaraby.co.uk/english/society/2018/5/21/transgender-people-in-iran-face-discrimination-despite-fatwa [accessed 25 October 2018]
  • 44. Radio Free Europe/Radio Liberty, “Transgender in Tehran: Ashram’s Story,” 21 December 2017, https://www.rferl.org/a/iran-transgender/28931543.html [accessed 25 October 2018]
  • 45. Youtube, Euronews, “Iran’s transgender community: Legally recognised yet socially ostracised,” 12 January 2018, https://www.youtube.com/watch?v=SM2lYVysd1Y [accessed 15 October 2018]
  • 46. Manuchehr Lenz Iran, “Javad Larijani responds to UN rapporteur Ahmad Shahid: Homosexuality is a bad illness!,” 08 March 2013, https://www.youtube.com/watch?v=8Wh0snjDCX0 [accessed 29 August 2018]
  • 47. Raha Bahreini, “From Perversion to Pathology: Discourses and Practices of Gender Policing in the Islamic Republic of Iran,” Muslim World Journal of Human Rights, 2008, Vol. 5, No. 1, 2.
  • 48. Simon Forbes, “The Reconstruction of Homosexuality and its consequences in contemporary Iran,” The SOAS Journal of Postgraduate Research, Vol. 10, 32.
  • 49. Justice for Iran, 52-53.
  • 50. Raha Bahreini, 6.
  • 51. Naghibi, 67.
  • 52. Julia Allerstorfer, ‘Performing Visual Strategies: Representational Concepts of Female Iranian Identity in Contemporary Photography and Video Art’, in Staci Gem Scheiwiller Ed. Performing the Iranian State: Visual Culture and Representations of Iranian Identity (London and New York: Anthem Press 2013), 180
  • 53. Judith Butler, Precarious Life: The Powers of Mourning and Violence (London and New York: Verso Books, 2006), 187.
  • 54. Julia Allerstorfer, 180
  • 55. Roshanak Kheshti, ‘Cross-Dressing and Gender (Tres)Passing: The Transgender Move as a Site of Agential Potential in the New Iranian Cinema’, Hypatia (Summer 2009), Vol. 42, No.3, 162.
  • 56. Kheshti, 161.
  • 57. Offside, 2006, Jafar Panahi Film Productions, Iran.
  • 58. A Girl Named Tondor, 2000, Hamidreza Ashtianipour, CICinema, Iran.
  • 59. Reza Sadr Reza, Iranian Cinema: A Political History (London and New York: IB Tauris, 2006), 241.
  • 60. Tavaana, “‘We are all Majid’: International Solidarity for Iran,” https://tavaana.org/en/content/we-are-all-majid-international-solidarity-iran [accessed 24 October 2018]
    Y Net News, “Iran uses cross-dressing as punishment,” 22 April 2013, https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-4370864,00.html [accessed 24 October 2018]
  • 61. Fatemeh Sadeghi, “The Green Movement: A Struggle against Islamic Patriarchy,” in Negin Nabavi Ed. Iran: From Theocracy to the Green Movement (New York: Palgrave MacMillian, 2012), 131.
ملحوظات: 
المراجع: 

Aggleton, Peter, Paul Boyce, Henrietta L. Moore, and Richard Parker Ed., Understanding Global Sexualities: New Frontiers (London and New York: Routledge, 2012).

Alipour, Mehrdad, “Islamic shari’a law, neotraditionalist Muslim scholars and transgender sex-reassignment surgery: A case study of Ayatollah Khomeini’s and Sheikh al-Tantawi’s fatwas,” International Journal of Transgenderism (2016), Vol. 18, No. 1.

Bahreini, Raba, “From Perversion to Pathology: Discourses and Practices of Gender Policing in the Islamic Republic of Iran,” Muslim World Journal of Human Rights, 2008, Vol. 5, No. 1, 2.

Butler, Judith, Gender Trouble (New York: Routledge, 1999).

Butler, Judith, Precarious Life: The Powers of Mourning and Violence (London and New York: Verso Books, 2006).

Chelkowski, Peter and Hamid Dabashi, Staging a Revolution: The Art of Persuasion in the Islamic Republic of Iran (London: Booth-Cibborn Editors, 2000).

Farid, David M. and Babak Rahimi, Social Media in Iran: Politics and Society after 2009 (New York: State University of New York Press, 2015).

Forbes, Simon, “The Reconstruction of Homosexuality and its consequences in contemporary Iran,” The SOAS Journal of Postgraduate Research, Vol. 10, 32.

Gem Scheiwiller Staci Ed. Performing the Iranian State: Visual Culture and Representations of Iranian Identity (London and New York: Anthem Press 2013).

Gerami, Shahin, “Mullahs, Martyrs, and Men: Conceptualizing Masculinity in the Islamic Republic of Iran,” Men and Masculinities (January 2003), Vol. 5, No. 3.

Hashemi-Fard, Mir Ahmad, masa’il va ikhtilalati-e junsi dar zan va mard [Sexual Problems and Disorders in Women and Man] (Tehran: Chihr, 1969).

Hasuri, Hasan, raftar-e jinsi bar payah-e siksaufiziulauzhi [Sexual Behaviours on the Basis of Sexo-Physiology], (Tehran: Tahuri, 1968).

Justice for Iran, Diagnosing Identities, Wounding Bodies: Medical Abuses and Other Human Rights Violations Against Lesbian, Gay, and Transgender People in Iran (Germany: Justice for Iran, 2014).

Kashani-Sabet, Firoozeh, Conceiving Citizens: Women and the Politics of Motherhood in Iran (Oxford and New York: Oxford University Press, 2011).

Kheshti, Roshanak, “Cross-Dressing and Gender (Tres)Passing: The Transgender Move as a Site of Agential Potential in the New Iranian Cinema,” Hypatia (Summer 2009), Vol. 42, No. 3.

Korycki, Katarzyna and Abouzar Nasirzadeh, “Desire recast: the production of gay identity in Iran,” Journal of Gender Studies (2016), Vol. 25, No. 1.

Moallem, Minoo, Between Warrior Brother and Veiled Sister (California: University of California Press, 2005).

Moghadam, Valentine M., “Revolution, Religion, and Gender Politics: Iran and Afghanistan Compared,” Journal of Women’s History (Winter 1999).

Nabavi, Negin, Ed. Iran: From Theocracy to the Green Movement (New York: Palgrave MacMillian, 2012).

Naghibi, Nima, Rethinking Global Sisterhood: Western Feminism and Iran (Minneapolis and London: University of Minnesota Press, 2007).

Najmabadi, Afsaneh, Women with Mustaches and Men without Beards: Gender and Sexual Anxieties in Iranian Modernity (Berkley, Los Angeles, and London: California Press, 2005).

Najmabadi, Afsaneh, Professing Selves: Transexuality and Same-Sex Desire in Contemporary Iran (Durham and London: Duke University Press, 2014).

Sadr Reza, Reza, Iranian Cinema: A Political History (London and New York: IB Tauris, 2006).

Sreberny, Anabelle and Massoumeh Torfeh Ed., Cultural Revolution in Iran: Contemporary Popular Culture in the Islamic Republic (London and New York: I.B. Tauris & Co. Ltd., 2013).