لماذا لا يجب أن يسألني البِيض الطيّبون إذا كنت بأمان

السيرة: 

زهراء الزويد هي كاتبة سعودية وكاتبة بصرية ومترجمة أدبية مقيمة حالياً في سياتل، واشنطن. حاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، تخصص الترجمة واللغويات من جامعة الملك فيصل، كما تحمل ماجستير في الترجمة الأدبية من جامعة روتشستر، وتدرس حاليًا الكتابة في جامعة واشنطن، سياتل. تعمل على مشروع فنّي مستقل يتمحور حول تمكين المرأة العربية ومهتمّة حاليًا بالسرد القصصي المرئي. إذا نجت من نهاية العالم، فهي تريد أن تصبح مؤلّفة سيناريو. عندما لا تحلم في كتابة سيناريو رائع، تكتب مقالات ساخرة وتفكّر في طرق إنهاء الاستعمار في النماذج الأدبية. تويتر: ZahraZUW انستغرام: Zahraite.

اقتباس: 
زهراء الزويد. "لماذا لا يجب أن يسألني البِيض الطيّبون إذا كنت بأمان". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 6 عدد 1 (01 يوليو 2020): ص. 169-175. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 26 أبريل 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/240.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (270.88 كيلوبايت)
ترجمة: 

فرح يوسف، نسوية من لبنان، أحد العضوات المؤسسات لـ"راديكال"، مجموعة نسوية تأسست في الجامعة اللبنانية وأهدافها العدالة الاجتماعية وتحرير النساء.

Tears in the fabric.png

تمزّقات في النسيج

سكِن سلز

"كلّ الأمن وهم" – جايمس بولدوين

آمنةٌ من ماذا؟

هل نحن بأمانٍ من الأخبار على شاشاتنا، أو من لون بشرتنا الفاتح؟ بنّية، بيضاء: قلبان طيّبان، ولكن. شخصان لا أسودان يسألان بعضهما البعض إن كانوا بأمان. ماذا عمن يغضب في الشوارعهناك خطأ جسيم في اختيارنا تجاهل التحدث عن أساس المشكلة وأساس الخطر. من نحن؟ من ليس نحن؟

أنا امرأة ذات بشرة بنّية: امرأة سمراء، امرأة (أن تكوني امرأة هو سيء بحد ذاته). مواطنة خليجية، شيعيّة عند الولادة، عرضة للتنمّر بسبب أمر لم أفهمه قطّ. هويّة غُلّفت ومُهدت فيها منذ الصغر، منذ أن غُطّى وجهي في الصفّ الرابع.

بضعة أيام فرّقت بين ولادتي وولادة ابن عمّي، كلانا بنّيا البشرة. قالوا إن أمّهاتنا شربن حليبًا بالشوكولاتة أثناء الحمل بنا. عندما كانت بشرتي جافّة، كانت ذراعاي تبدوان مثل قشر الخشب. كرهتُ بشرتي لأن دكانتها كانت دائمًا محطّ سخرية، وكثيرًا ما كنت أفرك كريم Fair & Lovely لأبيّضها. بشرتي لا تزال داكنة.

كان شقيقي الأكبر، علي، شديد البياض. لقبّته الأسرة بـ"الأميركي"، بينما كان علي "الهندي". كنت أصغر من أن أتذكّر لماذا تعلّم الأولاد العرب الذين لا يتحدّثون الإنجليزية تسمية االبياض بالـ"أميركي". لا يمكننا التكلّم عن العنصرية في دول مجلس التعاون الخليجي من دون ذكر استغلال العمّال المغتربين ونزع إنسانيتهم، خاصة الهنود منهم.

***

أنا الآن في "أميركا". وكلمة "أميركي" تحمل معاني واعتبارات مختلفة في الأحياء الخطرة والبحوث الأكاديمية. في "أميركا"، يَفترض البِيض أنّي هنديّة، لأن الأميركيين يحبّون تصنيف الناس في خانات موحّدة. أفهم معنى التجريد من الإنسانية، لأن جسدي، حتى يومنا، عبارة عن إشكالية. الظهور قاتل للمرأة العربية المسلمة "التقليدية"، فابتسامي لكارين في صورة سيلفي لا يعني أن هذه الابتسامة ذاتها ليست كفيلة بتحطيم أسناني أو إيقاف نبضات قلبي الخائف. أعرف ما يعنيه أن تكوني واعية تمامًا لجسدك أو أن تحصي الأجزاء والأطراف الظاهرة منه، أو أن تفكّري في الشوارع والنواصي التي ستسلكين.. الوعي المفرط هو نوع من التسكيت العنيف. "إذن ما الذي تشعر به امرأة سعودية في أميركا؟" يسأل جون، "هل تشعرين بالاضطهاد؟"

لم يعتد البِيض بعد على عدم وجود جسد "آخر"، يسيئ بمجرد ظهوره إلى شخص ما.

أخبرني رجل مسلّح عند نقطة تفتيش في السعودية أنه عليّ أن أغطي وجهي في بطاقة الهوية المصوّرة لأن وجهي المكشوف إهانة بالنسبة إليه. رحت أغطي صورتي في بطاقة الهوية بالملصقات التي كنت استخدمها في الواجبات المنزلية. قالت له زميلتي السودانية، "نحن ندرّس أخواتك وبناتك، لا يجب أن تعاملنا بهذه الطريقة". هكذا يمكن للمضطَهِد ان يؤنسن المضطَهَد.

قدرتنا على تحمّل الألم محدودة؛ عندما يبلغ هذا التحمّل ذروته، تلازمنا آثار الصدمة إلى ما لا نهاية. هذا هو الجوهر في القمع الذي أريد أن يفهمه البِيض. إن إدراك الجسد يشكّل صدمة على الأرجح، ويمنعنا من حبّ جسدنا إثر انهماكنا بالخوف. فالحبّ والخوف لا يتعايشان في المكان نفسه، وتفكيك جوهر القمع متعب ومرهق للغاية.

في العام ٢٠١٧، كنت مكتئبةً أصارع جسمي، فقررت أنني بحاجة للتخلّي عنه وإعادته لأنه ليس ملكي. تعبتُ من حمله ومحاولة فهم لماذا هو مسيء لهذه الدرجة. مثلًا، قد يكون بيع النساء العربيّات والمسلمات للزواج مثل نقل الملكية، موضوعًا مثيراً لورقة بحثية جامعية، ولكنّه أيضاً واقع اللواتي لديهن أجسام لا يملكنها. أجسام غير مرحّب بها في المساحات حيث تتحرك وتفعل. تُكرّر الحكايات نفسها في أجسام مختلفة وعلى مرّ السنين، ويبقى الألم ألماً. يُحقن هذا الألم في أجسام لم تختر الوجود، لكنها تريد امتلاكه. هذا الألم حاضر في الدم والهواء الذي نتنفسه: طبقيّ، ذكوريّ، عنصريّ، وغير مرحّب. هذا أمر قد يعتبره الأميركيون محبط للغاية، لكنّهم في نفس الوقت ينشرون مقالات إخبارية مأساوية على صفحات الفايسبوك. هذا شيء لا يمكن أن يشفيه اقتباس للرومي. أعرف أن البيض يحبون اقتباسات الرومي المترجمة، لكنني لا أقرأ إلا لمحمود درويش. لأنني دائمًا غاضبةً. فكّرت في كتابة أبيات الشعر هذه على يافطة وأتظاهر. ولكنني ما زلت خائفة:

سقط القناع عن القناع
سقطت ذراعك فالتقطها
وسقطت قربك فالتقطني
واضرب عدوك بي
--محمود درويش، سقط القناع

هذه القصيدة تفسّر لماذا لا أريد أن يسألني أصدقائي البيض إذا كنت بأمان، في وقت أشهد فيه على غضب رفاقي / رفيقاتي السود ملء الشوارع. رأيتهم/ن غاضبين/ات من المنفى الماديّ والروحيّ الذي لا يزول بحلول نهاية الليل أو بتفريق المتظاهرين/ات. أنا غاضبةً لأن الأميركيين يرفضون رؤية الضرر الذي ألحقته بلادهم بالشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا ومناطق أخرى كثيرة. لأن الإبادة الجماعية للفلسطينيين، بالنسبة لبعضهم، ليست مزعجة بقدر اختراق شخص ما صفّ الانتظار في "ستاربكس". لقد سقط القناع عن الوجوه التي تختار طوعًا ألا ترى. أنا غاضبة لأني أتمنّى لو كنت مواطنةً أميركيةً بيضاء حتى أتمكّن من استخدام امتيازاتي للغضب بحرية في الشوارع. سينزعج الأميركي الأبيض الطيب من الطاقة السلبية للغضب الملوّن التي لا تتطابق مع ملابسه الجديدة، ولن يصلّي لأجسادنا لأنّه لا يؤمن بالله. لكن الله هو "أميركا"، وهو غاضب لا يرحم.

***

في العام 2017، حضرت للمرة الأولى مؤتمر جمعية المترجمين الأدبيين الأميركيين (ALTA). كانت لديّ نزعات انتحاريّة آنذاك. في ذلك الوقت أدركت أن الأميركيين لا يحبّون الاستماع لحزن الآخرين.

نعلم أن ليس كلّ البيض حلفاء سيّئين، ولكن أين يمكن أن نجد البيض الطيبين؟ لا يمكننا طلبهم على "أمازون" أو تفصيلهم "إتسي". أصبحت الاحتجاجات ضد تجريم وقتل وإصابات الأجساد السوداء بمثابة امتحان وعي للجميع، وهو امتحان متاح أكثر من فحوصات كوفيد ١٩: البيض وغير البيض، هاشتاغ مساواة! الأشخاص البيض الطيّبون لطيفون جدًا في كتابة أي شيء آخر غير "حياة السود مهمّة" على كرتون "أمازون برايم". كرتون قام بإيصاله عامل أسود، عامل لا غنى عنه.

هذه الصدمة تضع الشخص أمام الصورة الكاملة، وتخلق غضبًا يأكل صاحبه أحيانًا. وفي أحيان أخرى، نجمع قطع الأحجية من الشوارع لنفجّر غضبنا.

لا يسعني، ومنبوذين آخرين في المنفى (الجسدي والعقلي والروحي) سوى رؤية طبقات ذاتنا تتقشّر مع كل دمعة تنعي سارة حجازي. كانت سارة ناشطة كويريّة وشيوعيّة مصريّة رفعت علم قوس قزح في حفلٍ لفرقة "مشروع ليلى". وقد أصيبت بصدمة نفسية منذ ذلك الحين، حتى قتلتها تلك الصدمة في منتصف حزيران / يونيو. كانت سارة جسدًا تجرّأ على إظهار الألوان، تجرّأ على أن يكون مرئيًا، عقلًا تجرّأ على القول. المسألة بهذه البساطة. الإشهار والعلنيّة قاتلان للمضطَهدين/ات. سارة روح تجرّأت على الصخب: لا عدالة، لا سلام.

اسألوني الآن: هل أنا بأمان؟ شعرت بكلمات حجازي الأخيرة والموجزة والجميلة بشكل قوي لأنني أيضًا كتبت هذه الرسالة في عدد من المسودات. أنا أكيدة أن تلك الرسالة لم تكن المسودة الأولى. إنها متكررة وملحّة مثل المالك الذي لا يتوقف عن طلب الإيجار. لو لم يفز الموتى في معاركهم/ن، حسبهم/ن أنهم/ن قاتلوا. وهذا يستحق الاحتفال بحياتهم/ن والحفاظ على إرثهم/ن. المنفى عظيم في قسوته. فمهما كان الشخص جيدًا أو ذكيًا أو متأقلمًا مع أسلوب الحياة الغربية، لا يتوقف شبح الوطن عن زيارته/ا - شبح غير مرحّب به، غير محبّب، وغير جيّد. نعطي للمنفى أحيانًا معنى شاعري ورثناه عن صفوف الأدب وشعراء المهجر منذ الصغر، والآن نكتب الشعر في المنفى بلا توقف، لأن الشعر يأتي لوحده من شبح الوطن الذي يلاحقنا. تذكّرنا الكتابة بالعربية بأنه لا يزال بإمكان أحدهم/ن النطق بأسمائنا، ومعرفة تفاصيل التجاعيد في ابتساماتنا وصرخاتنا الأليمة. كيف لنا أن نسأل سارة إذا كانت آمنة؟ هل نقيس تلك السلامة بعدد الوجبات المستهلكة في اليوم؟ أم بالوقت المخصّص لممارسة الرياضة؟ أو مدى صحة منشوراتنا على إنستغرام؟

سيصحح البيض الطيبّون قواعدي االغوية لمصلحتي، وعندما أنطق جيدًا، سيهنئونني على لغتي الإنجليزية المستعمَرة. في ALTA لم ينطق أحد بـ"لغة إنجليزية جيدة"، لأن البيض هناك لا يهنّئون من لم تكن الإنجليزية لغتهم الأم على مهاراتهم/ن اللغوية. كان المترجمون/ات يطوّعون حروف العلّة ويخترعون الكلمات وكأنّ كل شيء على ما يرام. هناك، سيقوم الأكاديميون الذين يثنون على الطلاب السود لكونهم "دقيقين/ات في طريقة تعبيرهم/ن" بتكليفهم/ن بهذه النصوص التي تتضمن عند الحاجة كلمات مختلقة، لكنهم/ن لن يشجعوا أبدًا أي شكل من أشكال التحريف للغة الإنجليزية، ما لم تشرب هذه الإنجليزية الشاي مع الملكة في تمام الساعة الرابعة مساءً، وتمشّي الكلب في تمام الخامسة، وتلعب الجولف في تمام السادسة. بعد ذلك، تتابع الأخبار، تشارك شعار "حياة السود مهمّة"، ثم تعود الي المنزل في موعد تناول العشاء.

في ALTA، قرأت قصيدة درويش بإيقاعاته وأنماطه. كان الجمهور، ومعظمه من المترجمين/ات، يستمعون باهتمام إلى لغة لم يفهموها. ولكنّهم استمعوا. كانت روح درويش في الغرفة. تلك اللحظة أبقتني على قيد الحياة وكانت نهاية نزعاتي الانتحارية.

ثقافة الإسكات حقيقية. القدوم إلى "أميركا" لحرية التعبير هي أكثر نكتة مضحكة في تاريخ البشرية. نكتة لا زالت تؤلمني، عندما حاولت المدرّسة قمع حروف العلّة في حلقي، كي أنطق مثل "أميركيّ أصليّ". هذا ما تواجهه الأقليّات يوميًا من قبل البيض طيّبي النيّة.

عبارة "أنت تتحدثين الإنجليزية بطلاقة" لم تعن شيئاً في مكان دولي مثل مؤتمر ALTA. في المرات التي تحدثت فيها الإنجليزية بلكنتي في الفراغ الأبيض لروتشستر، نيويورك، حيث ذهبت إلى كلية الدراسات العليا، كان الصمت دائم الوحشية. وعندما تواجه اثنين متضادين - الاضطهاد باللغة العربية، الاضطهاد باللغة الإنجليزية، وعندما تواجه الرفض من الجانبين، ماذا تفعل بالجسد الصامت الذي يكدّس الصدمة فوق الصدمة؟

***

في مشهد من برنامج "ماي سو كالد لايف / ما يسمّى حياتي"، الذي كان يعرض في العام 1994، نادى أستاذ في الحلقة 12 باسم إنريكي، شخصية لاتينية كويرية. تلا ذلك موجة من الضحك. بعد ذلك، قام طالب أبيض برمي ورقة مضغوطة عليه. لتخفيف هذا الإحراج، قالت الشخصية، "ريك"، بلكنة لاتينية ساخرة، "نعم اسمي إنريكي، وأريد العيش في أميركا". بدا من النظرة على وجهه أن هذا قد حدث من قبل وأنه سيحدث على الأرجح مرة أخرى.

لقد كبرت وأنا أشاهد الأشخاص البيض الطيّبين يبحثون عن الحبّ ويحلّون الجرائم على شاشة التلفزيون، واعتدتُ تسمية ذلك "أميركي". ليس دقيقًا أن نسمّي جغرافيًا جزءاً من مدار الأرض "أميركا"، لكن المستعمر النرجسي سيعرّف عن نفسه كالأمبركي الوحيد في منطقة شاسعة تحمل أسماء مختلفة مع لكنات انجليزية مختلفة، قرى رومنسية وثقافات فيتيشية. غالبًا ما كنت أعتبر أن البيض هم الأميركيين. في الآونة الأخيرة فقط، أدركت كيف كان المستعمر والأبيض يغسل الواقع المعدّل الذي يحيط بما رأيت أنه "أميركا". ولأني أعتبر نفسي عالمة لغوية، شعرت بالخجل من التغاضي عن هذا التعبير اللغوي النقدي، أي غض النظر عن عيب واضح. عندما تصف الأقليات العرقية الأشخاص البيض بـ "الأميركيين"، فإنهم يقصدون أي شخص "ليس نحن". إنهم أميركيون. نحن التنوّع. يصبح التنوع سهلًا عندما تنخفض الخطورة، فيبدو الجميع سعداء في صورة بيكسل.

في المدارس السعودية، اعتادوا أن يخبرونا أن الإسلام رائع لأن الأميركيين الكافرين يتخلّون عن أطفالهم في سن الثامنة عشرة. في "أميركا"، لا يرى الناس عائلاتهم أو يهتمون بهم كما نفعل نحن. عندما كنت في المنفى، مكتئبةَ للغاية، أكتب مذكّرات الانتحار، رأيتُ كيف أن الفردية الأميركية كانت هجرًا انتقائيًا. كنتُ وحدي في كل عيد ميلاد في الثلج، حيث زار الأميركيون عائلاتهم. الأميركيون يعتنون بعائلاتهم. من يكون "هم"؟ ومن "نحن"؟

لا يستطيع الأميركيون نطق اسمي - وهو اسم غير ملائم أبدًا للحلق الأميركي. لقد تنازلت عن هذا الاسم لجعله قابلاً للتكيّف، وهو حلّ بديل لتفاعل سلس مع اللسان الناطق باللغة الإنجليزية. الساكن الأوسط هو ما يضيع في كل مرة، زهراء. ولن أحلم بأن ينطق أحد ال ء في النهاية. كان لديّ طالب صينيّ يُدعى تومي. قال عندما لفظت اسمه الصينيّ، هذا هو اسمي الحقيقي. حتى يومنا هذا ما زلت أفكر بما هو "حقيقي" ضد ما هو مريح.

***

إذا كنت امرأة ذات بشرة ملوّنة محاطة بقبيلتك القوية، فماذا يعني الوجود في "أميركا" مقابل الوجود في دول مجلس التعاون الخليجي؟ في العام ٢٠١٧، صوّرت امرأة كويتيّة ثريّة امرأة إثيوبية سوداء، عاملة منزلية، تسقط من الطابق العلوي. كانت تتمسك بحافة الشرفة، وهي تتوسل، "أمسكيني، أمسكيني!" دعتها المرأة الغنية بالمجنونة.

وسقطت المرأة الأثيوبية أمام الكاميرا. لقد نجت بأعجوبة. وحُكم على المرأة الثرية بالسجن ٢٠ شهرًا.

يرتبط البياض بلون البشرة أثناء تجريم الجلد الأسود. لكن البياض هو طريقة للتصرّف: صفحة بيضاء لم تتحمّل صدمة كافية لتفهم. إنها بيضاء للغاية، ونظيفة للغاية، وأفخر من أن تتلوث بالمفهوم الغريب بأن هناك آخرين لم يكن لديهم امتياز الصفحة البيضاء التي يمكنهم تلوينها بأقواس قزح وفراشات وتعليقات انستغرام سخيفة.

إن النضال ضد الظلم أمر غير مريح، لدرجة أن الأشخاص البيض يحتاجون إلى جدولته، ثم يزرعون لافتة "حياة السود مهمة" في باحة منزلهم الأمامية. هل استيقظ المتظاهرون ذات يوم وقرّروا أنه من الممتع أن يبصقوا غضبهم على الحشود في فترة انتشار الوباء؟

صدمت صديقة بيضاء مقرّبة عندما أخبرتها أن ما أريده من الحياة هو أن أُعامل كإنسانة متساويةٍ. لم تستطع الورقة البيضاء الفارغة فهم مبدأ الحرمان من الإنسانية. شعرت بذاك الألم في عيني وصدري، ولم أكن مصابة بكوفيد ١٩. نشرت مربعًا أسود. من أجل أن تتظاهر الصفحة البيضاء بالمشاعر، واختارت اللون بكبسة واحدة كمن يقوم في آخر دقيقة بفرضه المنزلي ليحصل على درجة "جيد" لينجح. نوعية سيئة عن مناهضة العنصرية.

شكرا لك على تقديم طلبك. سنراجع تجريدك من الإنسانية في لقاء التنوع القادم. شكرًا على صبرك.

قبل ثلاثة أسابيع، أعطتني صديقة بيضاء مقرّبة أخرى نصيحة لم أطلبها منها: قالت أن علي أن أخضع كي أنجح في أمريكا، لأن أمريكا دولة شركات. قالت إذا تمرّدت لن يحدث شيء، فهل تريدين أن يحدث الربيع المصري؟ بدا الربيع المصري متوحشًا وغريبًا جدًا. وعندما زار الربيع المصري مسقط رأسها، اختارت الميموزا.

***

الأمريكيون لا يحبّون الإزعاج الغير مألوف. لا يحبّون الاستماع. مع كل الغاز المسيل للدموع والهتافات الاحتجاجية، ما زالوا لا يسمعون.

قررت أن أكون كاتبة لأنني سكتت ولا أزال أُسكَت من قبل مصادر مختلفة أقوى مني. في طيف القمع، لا أملك سوى القليل من القوة للتحدث دون أن يحطم وجهي. أنا غير موجودة في فراغ الأمان الخاص بي، بمعزل عن القتال من أجل حياة السود. إن الأذى النفسي للعنصرية والعدوان الجزئي والتلاعب بالعقول هو عمل وحشي مستمر لا ينتهي عند زوال ضغط الأقران والإعلام. لقد تحدثت دائمًا عن الـ "نحن" عندما يتعلق الأمر بالقمع. كل شيء دائمًا أو لا شيء. يتمتع البيض الطيبون بامتياز التكلّم بصراحة أو بتعالٍ أو ضد شيء معين. لكنهم قاموا بتخزينها في الطابق السفلي من منزل مكون من ثلاثة طوابق مع حديقة مثالية. ومن غير المريح إخراجها ونفضها من الغبار.

قطع المتظاهرون/ات الطريق السريع، لكن الثورة على مسافة قريبة. في الأحياء السعيدة، يقرأ الأشخاص البيض الطيبون عبارات التضامن التي تأتيهم على الإيميل حيثما ينتظرون وجبة الغداء. يزدهر الربيع الأميركي بألم ووضوح. تم إطلاق النار على رجل أسود على بُعد شارع واحد من البيض الطيبين. والبيض الطيبون لا زالوا لا يرون.

 

ملحوظات: