التوتّرات كطريقة وجود

السيرة: 

غوى صايغ كاتبة كويرية آناركية، وناشرة مستقلة ومؤرشفة. هي المحرّرة المؤسِّسة لمجلّة "كحل" ومؤسِّسة شريكة لـ"منشورات المعرفة التقاطعية". حصلت على ماجستير في الدراسات الجندرية من جامعة باريس 8 فينسين - سانت دينيس. إنها شغوفة بنظرية الكوير، والمنشورات الدورية العابرة للحدود القومية، والتاريخ المتخيل أو المجهول. أودري لورد وسارة أحمد هما ملهمتاها.

اقتباس: 
غوى صايغ. "التوتّرات كطريقة وجود". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 6 عدد 1 (01 يونيو 2020): ص. 1-3. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 17 أبريل 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/225.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (413.19 كيلوبايت)
ترجمة: 

هبة عباني هي باحثة ومترجمة وكاتبة تعيش في بيروت، درست الصحافة في الجامعة اللبنانية، وعملت في مجال حقوق الأفراد غير المنضبطين جندريا والنساء. تهتم في كتاباتها وأبحاثها بالقضايا التي تندرج ضمن هذه العناوين.

Tears in the fabric.png

تمزّقات في النسيج

سكِن سلز

وصلتُ إلى هذه الافتتاحية بتوتّر. فقد اكتشفتُ في وقتٍ متأخّرٍ جدّاً أنّه كان عليّ أن أطلب من شخص آخر في الفريق كتابة افتتاحية هذا العدد (الثاني عشر) حول التوتّرات في بناء الحركة. كنتُ قد أجّلت النشر لمدّة أربع وعشرين ساعة لاستيعاب تأخيري، واستيقظتُ مرهقة بعد ليلة أخرى من قلّة النوم. شعرتُ أنّ السعي نحو "الإنتاجية" هو أقلّ شيء منتج يمكن تحقيقه. ومع ذلك، دفعت بنفسي إلى أبعد من ما اعتقدتُه ممكنًا، بسبب المواعيد النهائية، بسبب المسؤولية، بسبب مسؤوليتي تجاه جميع اللواتي عملن بجد وانتظرن بصبر ليرى هذا العدد النور.

أذكر هذا لأنّه من فِعْل التوتّرات. فهي غالبًا ما تُذْكر بعبارات عقابيّة، ويتمّ تصويرها كنزاعات تحمل فيها جميع الأطراف نفس القدر من الذنب. بيد أنّنا نفشل في رؤية كيف تكوّن الصدمة والقوّة جوهر التوتّرات التي نقوم بمواجهتها في ظاهرها. إن التوتّرات صعبة، وتخلق الفوضى، وتتطلّب الشجاعة والمثابرة والقدرة على الشفاء، وتأتي في بعض الأحيان متعنّتة، وفي أحيان أخرى بطلب الصفح. وبالتالي، يصبح تبنّي التوتّرات كطريقة للوجود، كفعل مساءلة، هو النظر إلى عين (إساءة استخدام) السلطة وإفساح المجال للتعقيدات التي قد تأتي مع هذا الاعتراف.

عندما نشرنا الدعوة لهذا العدد، كنّا على أمل التوثيق من خلال اتّباع منهجية "نظيفة" معقَّمة لأرشفة السياسة المتوتّرة التي تختبرها جماعات تفترض أنّها جزء من نفس "الحركة"، وتقوم بتجسيدها وعيشها. كان هذا ضرب من الرقابة، فقد أخفقنا في الأخذ في الحسبان فوضى المؤثّرات، والانفصالات، والغضب، والضعف، والمقاومة المطلقة، والتضامن، والقرابة. لحسن الحظّ، عالجت مؤلّفات هذا العدد هذه القضية بإنصاف، وتعلّمت منهن – إلى جانب معالجتي النفسية وأحبّائي – كيف أفسح المجال للعواطف والفوضى كعمل سياسي.

سوف أتوقّف لحظة للتفكير في التبادل الذي جرى بين هيئة التحرير وسماء التركي، التي كتبت مقالًا بعنوان "هل هو اغتصابٌ، أم "فعلٌ مشين"؟ العدالة الانتقالية كمقاربةٍ بديلةٍ لتناول العنف الجنسيّ في دوائر المجتمع المدني في مصر". بعد جولة من التعديلات، أجرينا اتصالًا بسماء للتعمّق في مناقشة الفروق الدقيقة في الصياغات: ما يمكن أن تنقله هذه الصفة أو تلك؟ هل يمكن أن يُساء تفسير هذه الملاحظة على أنها تأييد؟ هل ستؤدّي صيغة مختلفة إلى إسكات أو إلغاء مَن رَفعْن الصوت في السابق؟ هذا هو العمل العاطفي الذي تتطلّبه التوتّرات. فالكلمات مهمّة، خاصة عندما لا يتمّ الاستماع لنا، أو عندما ننسحب من المسارات، أو عندما لا يتوفّر الكلام. بعد وضع اللمسات الأخيرة على المقال، أبلغتني سماء أنها أضافت فقرة ختامية توثّق عملية الكتابة التي مرّت بها، كفرد لا ينفصل عن المشهد المصريّ، تنشّطت لديه الصدمات والبواعث أثناء العملية المذكورة.

تتعلّق العدالة التحويلية بشكل خاص بكيفية تعامل جماعات بأكملها جذريًا مع العنف بصفته البنيويّة دون إلغاء بعضها البعض، من خلال تجاوز اللوم الفردي والمعزول. اللواتي يضعن أنفسهن طواعية هناك، ويكشفن عن نقاط ضعفهن، يدعوننا للانخراط في هذا العمل المجتمعيّ للرعاية. ولتكريم عملهن، أدعونا جميعًا إلى النظر إلى العدالة التحويلية كمنهجية من الأسفل. أنا لا أهدف للقضاء على التوتّرات، بل الاعتراف بأن ديناميكيّات القوة الخبيثة وغير المعترف بها والمخفيّة التي تشتبك معها تجعلها شديدة السمّية. إنها دعوة للتعامل مع التوتّرات لكي نقوم بالتحوّل بشكل جماعي في النهاية.

كان من المفترض أن يظهر العدد هذا في كانون الأول ٢٠١٩، لكنّه تأخّر ستّة أشهر على خلفية الثورات والانهيار الاقتصادي والجائحة. إن هذه المظاهر لثلاثيّة من القمع (المراقبة الجماعية والرأسمالية وسياسة النكروبيا) بكيفية عمل السلطة – من خلال رفض جميع أشكال المساءلة، والتحكّم في المعلومات وتطويعها للاستهلاك الجماعي، عن طريق إلغاء تلك التي نظنّ أنّها لن تظهر من جديد. تنتشر سياسة الحياة والموت، أمّا الخسارة والحزن، مهما كانت مدمّرة، فهي مقاومة تعرّضنا للمحو – لأنّنا قد نواجه الموت، جسديًا أو نفسيًا، ونستمرّ بالصعود لأنّنا، كما تذكّرنا أودري لورد، "لم يكن من المفترض أن ننجو على الإطلاق". لقد فقدنا سارة حجازي خلال هذا المسار، وخسرنا الكثير بسبب العنف العنصريّ، وفشل أنظمة الرعاية الصحيّة التي خسرت تمويلها، والاحتلال والفصل العنصريّ، والجشع الرأسماليّ والأرباح، والمجمّعات الصناعية، والقمع الجماعي والإسكات، لكننا فقدنا أنفسنا وبعضنا البعض خاصة.

في هذا الابتهال بالفقدان (بدلًا من البقاء)، أفكّر برولا التي تركت "كحل" منذ مدّة وجيزة. كانت رولا الصغير قد انضمّت إلى "كحل" كمديرة تحرير في بدايات العام ٢٠١٦، وقمنا معًا بتأسيس دار نشر المعرفة التقاطعية في العام التالي. علّمتني رولا أنّ النزاهة والتضامن ممارستان مستمرّتان وغير مريحتين. اعتمدنا على بعضنا البعض للاستمرار مرارًا وأظنّ أن هذا هو السبب بالتحديد الذي جعلَنا نقرّر أخذ مسارين منفصلين، لكي نتقاطع مرّة أخرى. فنحن نغادر أحيانًا لكي نستمرّ ونحن نترك بعضنا لكي يتسنّى لهذا "النحن" البقاء.

أكمل دائرة التوتّرات مدعومة بإرث رولا. ربّما لا أعرف كيف أطلب التعاطف من الناس وهم معرّضون/ات للأذى والغضب والحزن – ولا بأس بذلك. يتوقّف التدبير المنزليّ (من حيث الجماعات) على صحّتنا العقلية، وقدرتنا على استيعاب ومعالجة العنف المستمر، والأزمات العديدة التي نبحرها ونحاول تجاوزها. لذلك، قد نتعثّر، نخطئ، نتحرّك، ننتقد، أو نتفاعل عند الذعر والخوف – وهذا أمر جيّد أيضًا. على الرغم من كلّ شيء، آمل أن نجد دائمًا دعم الجماعة لكي يتمّ دعم التزامنا الجماعيّ بالمسارات والعدالة، كي نتمكن من تفكيك الأنظمة – جميع الأنظمة – التي تضطهدنا، وأن نقوم بمساءلة من هم في القمّة والذين يتعمّدون الحفاظ على الأرباح. في قصصي على إنستغرام اليوم، قالت سايدي لون: "ستفتح المعركة بعض الأبواب، لكن أعمال الرعاية المستدامة المستمرّة هي موطن الثورة". الثورات "في الداخل" – في حركاتنا ومجتمعاتنا وهياكل القرابة – هي شخصية بقدر ما هي عابرة للحدود الوطنية، والتعاطف من داخل التوتّرات سوف يصنع تحوّلنا الأكثر حميميّة نحو العدالة الراديكاليّة.

ملحوظات: