التشخيص: أبوية مزمنة

السيرة: 

إسلام الخطيب لديها مستويات كولستيرول عالية، وتأكل الوجبات السّريعة كلّ الوقت، وهي أيضا فلسطينيّة.

اقتباس: 
إسلام الخطيب. "التشخيص: أبوية مزمنة". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 4 عدد 2 (2018): ص. 144-147. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 29 مارس 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/diagnosis-chronic-patriarchy.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (451.52 كيلوبايت)

Cover Website.jpg

رسومات زينة حمادي 2018 ©

مرحبا، ذهبت صديقتي الأسبوع الماضي لإجراء مسحة عنق الرحم.

ما هي ردة فعلك عند قراءة الجملة أعلاه؟

أعلم، لا أحد يريد أن يسمع عن هذه الأمور "الصحية النسائية الخاصة" – سطران تحت خاصة. إنها خاصة، إذ إنها عن "أعضاء نسائية" مقرفة. أيا كان، إن المواقف تجاه أجساد النساء مثيرة للسخرية في عالمنا. نتعلم أن نكره أجسادنا، علمًا أن معرفتنا حولها محتكرة من قبل نخبة من الأطباء الرجال. أنا أكره فكرة ذهاب المرأة لإجراء مسحة عنق الرحم، حتى ولو كانت لمرة واحدة – ضرورية جدا – في السنة. فمثلاً، الطريقة التي يقوم فيها الطبيب بتفتيش دواخلنا، تبدو وكأنها انتهاك لمساحتنا الشخصية، صحيح؟ ولكن أسئلته المجتاحة حول حياتنا الجنسية انتهاك أكبر.

"هل انت متزوجة؟"

الأطباء، بكل عبقريتهم، لم يجدوا طريقة أخرى لتحديد ما إذا كان للنساء نمو غير طبيعي في عنق الرحم. التحديق بفتح مهبل المرأة بأدواة صلبة وإشعاع ضوء داخل جسمها ودس عنق الرحم مع مسحات ووضع اليدين داخل المهبل والأسئلة المقرفة! وبكل وقاحة، يطلب منك طبيبك الاسترخاء والاستسلام وعدم التوتر والتنفس.

قرأت الكثير عن كيف أخرج الأطباء كل ما يتعلق بالحمل والولادة من أيدي النساء ووضعوا هذه القضايا في المجال الطبي. ما كان في السابق مسألة تخص النساء، من حيث كونهن خبيرات ومدربات في هذا النطاق، وأيضا من كون الولادة حدثًا جماعيًا يربطهن ببعضهن البعض، اصبح مليئًا بآلات التنبيه التي تراقبهن وهن مخدّرات وآلات تلتقط صور رحم النساء وعمليات جراحية تحدد صحة الجنين على حساب صحة المرأة النفسية والجسدية. في الآونة الأخيرة، صار هناك عدد لا بأس به – لا بل مخيف – من النساء يخضعن لعمليات قيصرية غير آمنة. هذا بالإضافة إلى كون العمليات القيصرية استغلال واضح من الأطباء والمستشفيات للاجئات، فمثلاً، تجبر اللاجئات السوريات في لبنان إلى الخضوع لعمليات انجاب قيصرية باهظة الثمن لكي تتمكن من الحصول على دعم من مفوضية اللاجئين، وفي الوقت نفسه، تضاعف المستشفيات سعر هذه العمليات للاجئات، لنهبهن بشكل واضح. تصف اندريا دوركين هذه العملية الجراحية عنفًا جنسيًا ضد النساء يهدف إلى الحفاظ على سلامة – أي "ضيق" – المهبل من أجل المتعة الجنسية للرجال. (لا أوافق بشكل تام مع هذا التوصيف لأن العمليات القيصرية قد تكون الخيار الوحيد والأمثل في بعض الحالات، والمشكلة الجوهرية لا تمكن في العملية نفسها بقدر ما تكمن في غياب خيارات النساء، ولكن يبقى التوصيف أمرا يجب التفكير فيه).

on_medical_patriarchy.png

On Medical Patriarchy by Islam Khatib 2018 ©

ما كان في السابق معرفة النساء بأجسادهن أصبح الآن محتكرًا من قبل مهنة مهيمن عليها من قبل الرجال، فهذه المعرفة لم تعد مجانية ومتاحة. بل هناك مقابل على النساء أن تدفعنه للوصول لها – وحتى وإن وصلن، تبقى هذه المعرفة غير كاملة لأنها قائمة على دراسة أجساد الذكور، وهذه الأجساد اصلا منضبطة من خلال الأنظمة العسكرية أو انظمة السجون أو معسكرات الاعتقال – أي أن حتى أجساد الذكور المعرّف عليها بأنها النمط السائد للمقارنة، تخضع لقوى اجتماعية حتمية كالفقر والعنصرية. فنتعلم أن جسد الذكر المعبر عن رجولته بطريقة "سليمة" أي بيضاء وطويلة ورشيقة وقادرة جسديّا، هو المعيار والأساس في الطب. وهذا ما أدى إلى فقدان المعرفة التقليدية للقابلات و"الدايات" والنساء اللاتي يمارسن الطب العشبي، النساء اللاتي تم حرقهن وتعليقهن وقتلهن ولُقبن بالساحرات).1 النساء اللاتي نعرفهن من خلال أسماء غريبة تعرفنا عليها في المسلسلات العربية.

ولعب الطب الأبوي دورًا أساسيًا في تعزيز فكرة الحتمية البيولوجية بين "النساء" و"الرجال". ومع ذلك، يرفض الطب دراسة أجساد النساء بشكل خاص. فحتى 1994، تم اسبتعاد النساء من المشاركة في التجارب البحثية الطبية. فجسد الذكر "السليم" هو المعيار والمقبول للمعرفة البيولوجية.

أجسادنا "منحرفة" عن الطبيعي والمقبول. وهي غير مهمة إلا من حيث كيفية التحكم بها وتنظيمها لتقدم خدمة أفضل للنظام الأبوي، وذلك من خلال التزاوج والخدمات الجنسية المجانية. تُعالج أجسادنا كالماشية، لا قيمة لها إلا في التكاثر والعمل المجاني. فما زال الطب يقول "استخدموا أجساد النساء قدر المستطاع قبل أن تخرب". فنُمنع من السيطرة على أجسادنا وعلى التمتع بحياة خاصة بنا لا تعود بطريقة أو بأخرى إلى "رب البيت".

المشكلة أن الأطباء يعتقدون أنهم أعضاء لجنة حكم في مسابقة ملكات الجمال حين نقوم بزيارة عياداتهم. ينظرون إلى اجسادنا ويخبروننا ما الخطأ بها من حيث الشكل ويقترحون علينا طريق لحل المشكلة.

انا: مرحبا!
 أفقد الوعي فجأة و –
الدكتور: لحظة لحظة، هل حاولت أن تنقصي من وزنك قليلا؟

هذه العيادات لديها قائمة انتظار لا تنتهي من نساء غير مهتمات في أن يتم تقييمهن من قبل هؤلاء الأطباء. ولكن بالرغم من ذلك، يتصرفون وكأنما ندفع هذا المبلغ – الذي تعبنا جدًا في أن نحصل عليه – ليقيموا جسدنا وشكلنا. "لنغير الخطأ". لنقطع اللحم، لنمتص الدهون، لنزرع، لنصغر، لنكبر... ولكن يا طبيبي، أنا أسالك عن السكري والكوليسترول والسرطان...

عندما نقول "الطب الأبوي"، لا نكون نزيد مصطلحات معقدة. بل نعطي ما تعيشه معظم النساء مصطلحًا يمكنه أن يستخدموه حين استيائهم من الوضع المقزز. تسمع أمي تعليقات غير مرغوب بها عن جسدها في كل مرة تزور حكيم العيون مثلاً. تحاول جارتنا أن تخبر طبيب الأسنان بأن أنفها الكبير لا يؤثر على حياتها كما يعتقد هو. وأنا سعيدة حتى ولو كان وزني فوق ما هو مسموح، لذلك لا داعي لطبيب العظم أن يصف دواء مضاد للاكتئاب...

ملحوظات: